في لحظة مجنونة من صيف زمن مارق ، تعرضت أسرة صديقي ( حميد الباوي) لذعر شديد بفعل اختراق رصاصة طيش مساحة من العتمة التي أورثتها إلى ليل بغداد آثام سياسات الحروب وتداعياتها ، فكان أن حل بها حزن عميق بعد أن وجدت الرصاصة مستقرا لها في نقطة حية على جسم غض لصبية بعمر الزهور ، لاذنب لها في كل ما جرى سوى عراقيتها
بهدوء ودم بارد مبعثه تعبير عن فرح بفوز باهت لمنتخبنا الوطني بكرة القدم أطلقت ضغطة إصبع شخص جاهل على زناد جحيم نوبل رصاصة عمياء لاتعي مقصد سيرها ، لتفضي بالنتيجة إلى اختطاف ( وسن ) من بين أفراد أسرتها الآمنة بعد أن كانت للتو تساعد جدها على ماكان يطلبه من خدمات
وإذا كان لهذه الفاجعة من معان أليمة تعبر في واقعها الموضوعي عن استباحة الكرامة الإنسانية ، وتهديد جدران براءة عالم الطفولة ، وتشويه كل معاني الحب والجمال ، فان تأثيرها على أسرة الضحية كان شديد الوطء ، حيث أسهم بثكل والدتها واعتزالها العالم ، وهرم عروق قلب والدها المتيم حد الجنون بشخصها ، فلم يجد غير وحيده (علي ) يسكنه مابقي من مساحة سليمة في قلبه الذي لم يعرف الحزن قبل حلول المصيبة ، فأصبح نجله (علي) زائرا وشغافا يقي هذا الفؤاد المفجوع
وحين استبد الشوق بـ (علي ) لذكـرى شقيقــته ، ذهب لزيارتها فــــي مسكنها بـ ( وادي السلام ) في النجف الاشرف ، وبعد أن تكلم معها بهمس لايدركه سوى المجانين من العشاق ، كان يصغي لصدى آهات الشهداء والمظاليم من أبناء العراق الذي تكالب عليه الأعداء وهي تخترق الآفاق بأصوات حزينة تنادي ماتبقى من الضمير الإنساني …
لا… لمهانة الإنسان ، لا …لقتل البراءة ، لا …لاستباحة الطفولة
ووسط أجواء الحزن التي يعفرها غبار المقابرواسماء ورسوم الموتى ، فضلا عن لمسة الخشوع التي أضافها صمت سكانها الأبدي الذي يعكس مشهدا مؤثرا لعالم لايعكر هدوئه سوى أنين الشهداء والمظلومين ونحيب زائريهم ، أنهى (علي ) زيارته لوادي السلام بوداع شقيقته (وسن) ، وابلغ والده بوساطة هاتفه النقال شروعه برحلة العودة إلى أسرته وفي بغداد كان القلب الذي لم تبارحه ذكرى (وسن) يزداد اضطرابا خشية حدوث مكروه ، وبخاصة حين توقف جوال نجله عن النطق إذ اشتدت هواجسه ، وزاد قلقه ، وارتفع ضغط دمه ، وتسارع نبض القلب المتعب بهموم الفجيعة 0وحمدا لله انفرجت أزمة الترقب والهواجس الأسرية في أعقاب ساعات من الانتظار كانت في مرارتها وثقلها بمثابة عقود من الزمان بعودة (علي) بجراحه وآلامه إلى مكمنه في قلب والده بعد نجاته من حادث سير راح ضحيته أربعة أشخاص رحمهم الله
حمدا لله وشكرا على نعمه التي لاتعد ولا تحصى
سلامات علي
سلامات ياشغاف قلب أخي
ورحم الله العراقية الصغيرة الشهيدة ( وسن )
ورحم الله كل الشهداء والمظلومين من أبناء بلدي الجريح
• المهندس لطيف عبد سالم العكيلي / باحث وكاتب
|