• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الإحاطة الكلية للقرآن الكريم بحقائق الوجود .
                          • الكاتب : نايف عبوش .

الإحاطة الكلية للقرآن الكريم بحقائق الوجود

بمجرد أن تقع عين القاريء الحصيف المتدبر للقران على هذه الآية الكريمة (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) يلاحظ بوضوح، ان القران الكريم قد احاط بشكل مطلق بكل حقائق الأشياء في الوجود، المحسوسة منها،والغيبية،السالفة التحقق منها، والحاضرة التحقق بالآن،والآتية منها في المستقبل،وبذلك يشكل سبيل هداية لا يتناهى للإنسان،لتلمس من خلاله طريق الوصول إلى الحق،عندما تختلط عليه الأمور، وتلتبس عليه معرفة المجاهيل بكل أشكالها،من تلك التي لا قبل لطاقاته العقلية المحضة باستحضار حقيقة ما هيتها لأي سبب كان.

وإذا كان هذه هي حقيقة القران ،فان الأمر يتطلب من الإنسان أن يحرص على تدبره بوعي تام ، ويتأمل ما فيه من الآيات بعمق، وبعقل رشيد مفتوح النوافذ على افاق فضاء هذه الاحاطة القرآنية المدهشة،متناغما في هذا الصدد مع قاعدة ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ؟ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) ، لكي لا تغيب موضوعية هذه الدلالة المدهشة عن البال،وبالتالي فأنه ينبغي ان يتجسد التدبر في القرآن بالتأمل حقا بمعانيه،وإعمال الفكر فيه بعمق، وذلك بالحضور الفعلي للجوارح، والرغبة الصادقة في فهم نصوصه بمعيار( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)،الأمر الذي يتطلب استشعار عظمة الله بتلاوته، كأنه هو المقصود بالخطاب القرآني، حتى يتحقق عنده الإحساس المؤمن كأنه عليه نزل، وذلك بقصد التمكن من الإبحار بوعي في فضاءات إحاطة القران الكلية بحقائق هذا الوجود، والنجاح في تلمس ما يمكن تلمسه منها.  

على ان من المفيد عند محاولة فهم معاني القرآن بجانب منهجية التدبر، الرجوع إلى المشهور من مراجع التفسير التي تهتم ببيان المعنى،بهدف التسلح بمعرفة كافية في علوم القران، بقصد المساعدة في الاقتراب المتجسد من مرادات النص على مقاصده،وبعكسه فان القراءة المشوشة،لا تحقق لصاحبها الغرض المنشود،حيث ستكون كحاطب ليل. ولعل ما ورد في الأثر من أحاديث بهذا الصدد من انه (سيرث القرآن بعدنا قوم يشربونه شرب الماء،لا يجاوز تراقيهم)،يؤشر حقيقة هكذا حال،ويرسم صورة حية لواقع الكثير من القراءات المعاصرة،سواء منها غير المتدبرة،أو المفتئتة، التي لا تزيد صاحبها إلا ضلالا عن السبيل القويم المستهدف من وراء منهجية التدبر.

ولعل الوقوف على الحقائق المكتشفة التي اثبتتها الأبحاث العلمية المعاصرة أيضا ، والتي تعتمد على التجارب الحسية،تزيد اليقين،بإعجاز الاحاطة القراني،وتقطع بدقة آلية التوافق المتناغمة، التي تحكم العلاقة بين تلك الحقائق الكونية،مصداقا للقانون الالهي الضابط لهذه الإحاطة المطلقة، التي تأبى العفوية التي لا تتجلى تداعياتها إلا بالفوضى والتخبط،الأمر الذي يرسخ الإيمان المطلق بالإرادة المركزية الحرة للخالق،والقصدية الهادفة، والدراية المطلقة بهذه الإحاطة المعجزة، التي تتجلى بوضوح للإنسان بالبحث والتدبر معا،يوما بعد آخر، مصداقا لمعيارية التبيين والاستبانة على قاعدة (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)،حيث لم يحصل أبدا أن تقاطعت حقيقة كونية مكتشفة علميا، بعدما تبينت لمتدبر القران الباحث في الآفاق، مع  حقائق احاطة القران الكلية بتفاصيل الوجود حتى الان.وبذلك يتحقق حصول اليقين التام في القلب بهذه الحقيقة على قاعدة(هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ)،وهذا ما يؤكد بالملموس العملي، أن هذا القرآن يهدي المؤمنين الذين يفهمون مراد الله على حقيقة مقصوده،إلى العلم اليقيني الصحيح بإلهية مصدرية القران،ويدفع عنهم الشك والريب الذي يساور معطلي حركة العقل السوي، عن ممارسة وظيفته الكبرى في تبين الحق، وكشفه في ثنايا احاطة القران الكلية من خلال البحث العلمي، والتدبر العقلي،حيث تترسخ بإعجاز الإحاطة القرآني المدهش،حقيقة الهية القران على وجه القطع المطلق على قاعدة(ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) من ناحية اخرى،من دون حاجة للدخول في مماحكات لا طائل من ورائها،مما قد يثيره المتنطعون للتشكيك المغرض في إعجاز يقينية إحاطة القران بحقائق الوجود،وبذلك يزداد الذين امنوا ايمانا فوق ايمانهم. 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=102496
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 08 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28