الحديثُ عن ولاية علي بن أبي طالب لا ينفصلُ عن الحديث في ولايةِ الله تعالى يقول الله عز من قائل في معرض خطابه لنبيّه الأكرم { يا ايها النبي بلِّغ ما أنزل إليك من ربك فإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}. فلو لم تكن ولاية الوليّ من صميم وذات ولاية الله لما توقف تبليغ الرسالة على إقرار المسلمين بالولاية عن طريق تبليغها من قبل النبي (ص).
من هنا يتضح لنا سرّ الولاية العلوية العميق حتى يصل الأمر إلى هذه الأهمية من الخطاب الجِدّي من قبل الله عزّ وجلّ. ولو أن هذه الوصية لم تراعى او تبلّغ كانت الرسالة بكل تفاصيلها في معرض الزوال والإنمحاء لذا كان من المفروض على النبي بأمرٍ من الله تعالى أن يصرّح بما أوعز عليه في الأمر بقضية تبليغ الوصية بولاية علي عليه السلام.
هذا وقد كان المسلمون بادئ ذي بدء حريصون على اتخاذ تلك الولاية شعاراً لهم امتثالاً لما أمر الله تعالى به نبيّه ، إلا أن إصرار البعض على تأمير قريش خلط الأوراق بين المسلمين ما جعلهم يترددون في قبول الدعوة القرآنية التي نهض بها النبي (ص) والتي تنصّ على وجوب التبليغ بالولاية لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.
ولقد نصَّب الرَّسول الكريم(ص) أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب(ع)، قائداً للأمّة، ووليّاً لأمورها، في الثّامن عشر من شهر ذي الحجّة العام 10 للهجرة، حيث أكمل إمام البريّة المسيرة الرّساليّة، وبيَّن حقائقها، وثبَّت دعائمها، وعمل بكلِّ صدق وإخلاص على ترسيخ مبدأ الوحدة الإسلاميّة قولاً وعملاً في الإنضواء تحت ولاية الإمام التي هي ولاية الله، فلم يكن الإمام(ع) إماماً لمذهب أو طائفة، بل كان إماماً للإسلام كلّه، وعاش حياته كلّها واستشهد من أجل إعلاء كلمة الله تعالى، والّتي لا تكون بشكلها الحيّ والفاعل إلا بوحدة المسلمين وتفاهمهم، والمشاركة في بناء مصيرهم.
إنَّ الولاية على شؤون الأمَّة، وبتنصيبٍ من الرَّسول(ص)، ليست موقعاً تشريفيّاً لتأكيد القرابة أو النَّسب، بل هي أمرٌ إلهيّ تكليفيّ بوجوب تصدّي الشَّخص المؤهَّل لقيادة الأمَّة، لأنَّ المصلحة هي مصلحة بقاء الإسلام واستمراريَّته وعزَّته.
يقول تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}[المائدة:3]، من هنا اعتبرت قضيَّة الولاية من القضايا المهمّة المصيريَّة في مستقبل الإسلام وقوَّته، ما يؤكّد ويؤيّد اعتبارها إكمالاً للدّين الّذي يحتاج إلى الرّعاية من الشّخص الّذي عاش فكره وشعوره وجهاده للإسلام، حتّى لم يعد هناك ـ في داخل ذاته ـ أيّ نوع من أنواع الفراغ الّذي يحتضن اهتمامات غير إسلاميّة.
وقد يمكن للإنسان أن يفكّر في أنّ النبيّ(ص) لا يمكن له ترك قضيّة الولاية من بعده للاجتهادات المختلفة الّتي قد تختلف على أسس ذاتيّة أو تقليديّة، باعتبار أنّها لا تخضع لبرنامج إسلاميّ محدّد. فالدّين الّذي قد تعرّض لكلّ شيء في أحكامه وتشريعاته، حتّى أدقّ التّفاصيل، لا يتصوّر فيه أن يترك أمر الخلافة الكبير في أهميّته ونتائجه، ولا سيّما لجهة استمرار خطّ الرّسالة والنبوّة، حيث لم يكن الوضع الإسلاميّ، وكما هو معلوم تاريخيّاً، قد وصل إلى مستوى النّضوج الكامل بفعل الأحداث الصّعبة، ما يجعل تركيز مسألة الخلافة والولاية وتأكيدها أمراً أساسيّاً في حركة التّشريع.
فلا يعقل والحال هذه أن يُهمل النبي الأمة ويتركها بين مخالب الجاهلية تنهشها وتعود بها إلى عصر النزاعات بين القبائل المختلفة في سبيل الرئاسة او الزعامة بدلاً من ان يوضّح للامة الطريق الذي ينبغي ان تسير عليه وفقاً للموازين الإلهية والإرادة الربّانية وذلك عبر تمسّكهم بنصرة عليّ بن ابي طالب وعدم التخاذل عنه مهما كانت الظروف والضغوطات السياسية والإجتماعية والقبلية.
- يتبع~
|