• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حديث العقول   -1- -قراءة في وصية الإمام الكاظم (عليه السلام) لهشام بن الحكم في العقل- .
                          • الكاتب : د . الشيخ عماد الكاظمي .

حديث العقول   -1- -قراءة في وصية الإمام الكاظم (عليه السلام) لهشام بن الحكم في العقل-

   إنَّ العقل من أعظم نعم الله تعالى التي أنعمها على عباده، وهذه مسألة واضحة لا تحتاج إلى أيِّ بيانٍ أو ٱستدلال، فالإنسان بعقله يستطيع أنْ يصل إلى السعادة، والابتعاد عن الشقاء، وقد حثت الشريعة المقدسة على عظمة هذه النعمة، وبيان أثرها، وما يترتب عليها، وما يحافظ عليها، ويؤدي إلى كمالها، من خلال القرآن الكريم والسنة الشريفة، وهذا يؤكِّد على أمر عظيم يجب بيانه والتأكيد عليه، وهو أنَّ الشريعة الإسلامية المقدسة هي شريعة تدعو إلى العلم والكمال به، وما في ذلك من دعوة عظيمة دون غيرها من الدعوات الأخرى، فالإسلام دين العقل، والإسلام دين العلم، والتعلم، وليس دين يدعو إلى مفارقة العلم والعقل في أحكامه، بل هو كاشف لحقيقة الأمور التي توصلنا إلى المعرفة التامة، وأول آيات الوحي المبارك قد أكدت ذلك، قال تعالى مخاطبًا نبيه الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿ٱقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾. ([1])

         ومن تراثنا الخالد في هذا الباب ما ورد عن الإمام "موسى بن جعفر الكاظم" (عليه السلام) في وصيته لتلميذه "هشام بن الحكم" في العقل، ونحاول إن شاء الله تعالى أنْ نسلط الضوء على هذه الوصية الخالدة لبيان أهم ما ورد فيها من تعاليم إلهية، تدعو للحفاظ على الفطرة الإنسانية السليمة، وفي هذه الحلقة سيتم بيان الأمور الآتية، قبل الشروع في بيان فقرات الوصية وما يتعلق بها من شرح وبيان إجمالاً:

1- مصدر رواية الوصية الشريفة.

2- التعريف بـ"هشام بن الحكم".

3- الوصف الإجمالي لمضمون الوصية.

- أولاً: مصدر رواية الوصية الشريفة.

إنَّ وصية الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في العقل قد ذكرت في مصادر متعددة من كتب الحديث، فذكرت  كاملة تارة، وذكر جزء منها تارة أخرى، ومن تلك المصادر:

- الكافي، للشيخ محمد بن يعقوب الكليني (ت329ﻫ/940م). ([2])

- تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليهم)، للشيخ أبي محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني (ت ق4ﻫ). ([3])

- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام)، للشيخ ورام بن أبي فراس (ت605ﻫ/1208م). ([4])

- وسائل الشيعة، للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (ت1104ﻫ/1693م). ([5])

- بحار الأنوار، الشيخ محمد باقر المجلسي (ت1111ﻫ/1699م). ([6])

- مستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوري (ت1320ﻫ/1902م). ([7]) ومؤلفات أخرى ([8])

- ثانيًا: التعريف بـ"هشام بن الحكم".

إنَّ "هشام بن الحكم" الذي أوصاه الإمام (عليه السلام) بهذه الوصية العظيمة يعد من أجلِّ تلاميذ الأئمة، الذين نقلوا تراثهم للأُمة، وحاججوا المعاندين لهم، وقد ذكره علماء الرجال بالمدح والثناء والتبجيل، ونذكر بعض تلك الكلمات التي وردت بحقه:

* قال الشيخ "النجاشي" (ت450ﻫ/1058م): ((هشام بن الحكم أبو محمد مولى كندة، سكن البصرة، وكان مشهورًا بالكلام، كَلَّمَ الناسَ، وحكي عنه مجالسُ كثيرةٌ، ذكر بعض أصحابنا "رحمهم الله" أنه رأى له كتابًا في الإمامة)). ([9])

* قال الشيخ "ٱبن شهر آشوب" (588ﻫ/1192م) بعد ذكر نسبه أنَّ الإمام الصادق (عليه السلام) قال فيه: ((هذا ناصِرُنا بقلبهِ ولسانهِ ويدهِ، وقوله "عليه السلام": " هشام بن الحكم رائدُ حَقِّنا، وسائِقُ قولِنا، المؤيِّدُ لصدقِنا، والدامِغُ لباطلِ أعدائِنا، مَنْ تبعَهُ وتبعَ أثرَهُ تبعنا، ومَنْ خالفَهُ وألحدَ فيه فقد عادانا وألحَدَ فينا، من كتبه: كتاب الدلالات على حدوث الأشياء، الرد على الزنادقة، الإمامة، الرد على من قال بإمامة المفضول، الوصية والرد على مَنْ أنكرها ....)). ([10])

* قال "العلامة الحلي" (ت726ﻫ/1326م) بعد ذكر مولده: ((روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وكان ثقةً في الروايات، حسنَ التحقيقِ بهذا الأمرِ، ورويت مدائِحُ له جليلةٌ عن الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام)، وكان ممن فتقَ الكلامَ في الإمامَةِ، وهَذَّبَ المذهَبَ بالنظرِ، وكان حاذقًا بصناعَةِ الكلامِ، حاضِرَ الجوابِ)). ([11])  

- ثالثًا: الوصف الإجمالي لمضمون الوصية.

إنَّ هذه الوصية الخالدة قد تناولت مواضيع كثيرة لها أثر عظيم في تربية الإنسان تربية صالحة، من خلال ما ورد فيه مما له علاقة بالفطرة الإنسانية السليمة عما يلوثها، ويمكننا إجمالاً بيان أهم ما أكدت عليه الوصية في مضامين فقراتها:

1- الإشارة إلى بيان عظمة نعمة العقل التي أنعم الله بها على عباده، وما لها من آثار تترتب عليها، من خلال التفكر في الخالق وعظمة مخلوقاته السماوية والأرضية، ووحدانيته.

2- الدعوة إلى ٱستثمار هذه النعمة (العقل) بما فيها من طاقات للوصول إلى حقائق الأمور، من دون الاغترار بها، والركون إلى الظلم والمعصية، وإنكار المنعم الخالق.

3- الإشارة إلى أنَّ العقلاء هم الفائزون بطاعة الله تعالى؛ لأنهم قد أدوا حق هذه النعمة من خلال تسخيرها لله تعالى، وما يوصل إليه، وما يرتضيه من عباده، وقد مدحهم الله تعالى في عدد من آياته المباركة، فضلاً عن الروايات الشريفة، وإنْ كانوا قلة.

4- إنَّ هناك علاقة وثيقة بين العقل والعلم والعمل، وإنَّ العلم والعمل أساسهما العقل، وبه يستطيع الإنسان العالم العامل أنْ يكون قدوة في المجتمع بسلوكه السوي.

5- لقد أكدت على العلاقة الوثيقة بين رغبة العقلاء في الآخرة وﭐستعدادهم لها من خلال الزهد في الدنيا ورفض لذاتها وشهواتها الفانية، وكذلك ما يتعلق باجتناب كثير من الأمراض التي تلوث فطرة الإنسان.

6- بيان بعض الأسباب التي لها أثر في هدم كيان العقل، وإطفاء نور الحكمة فيه، وما يؤدي بالنتيجة إلى فساد أمور الدين والدنيا، وفي ذلك رسالة واضحة لاجتناب كُلِّ ذلك.

7- بيان العلاقة بين بعثة الأنبياء والمرسلين والعقل، من خلال تلاقح وٱستجابة كُلٍّ من هاتين الحجتين للأخرى، فجعل الأنبياء حجة ظاهرة لله على خلقه، والعقل حجة باطنة، وبيان أهمية معرفة الحجة الظاهرة عن طريق العقل.

8- إنَّ فيها عظيم بيان في أثر العقل في مراقبة النفس و محاسبتها، وأهمية ذلك في تصحيح الأعمال، والدعوة منه إلى دوام مجاهدة النفس، فهو الجهاد الأكبر كما ورد في الروايات الشريفة.

9- بيان أهمية إيجاد العلاقات الصالحة في المجتمع، من خلال تهذيب السيرة والسلوك مع الآخرين، وتحمُّل بعض الأعمال التي قد تصدر منهم، من أجل الحفاظ على المحبة والود والوئام بين الناس، وخصوصًا الأقربين منهم كالوالدين، والرحم، والجار.

10- لقد أكدت على جوانب متعددة منها ما يكون بين الإنسان وربه، وما يكون بين الإنسان ونفسه، وما يكون بين الإنسان وأسرته، وما يكون بين الإنسان والآخرين، الأقربين منهم والأبعدين، وفي ذلك رسالة تربوية كاملة لصلاح الفرد والمجتمع.

         فهذه بعض المسائل التي حاولت بيانها إجمالاً في وصف مضامين الوصية الشريفة، ولعلي أوفَّق في بيانها بالتفصيل في حلقات قادمة إنْ شاء الله تعالى ..      

  .......................

([1])  سورة العلق: الآيات 1-5

([2]) تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، (دار الكتب الإسلامية، طهران، ط5، 1363ش) 1/13-23

([3]) تقديم وتعليق: الشيخ حسين الأعلمي، (مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط7، 1423ﻫ 2002م): 281-295

([4]) (دار الكتب الإسلامية، طهران، ط2، 1368ش) 2/353-354

([5]) تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، (مط مهر، قم، ط2، 1414ﻫ) 15/206-207 ،  15/355

([6]) (مؤسسة الوفاء، بيروت، ط2، 1403ﻫ 1983م) 75/297-319

([7]) تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، (الناشر: مؤسسة آل البيت "عليهم السلام" لإحياء التراث، بيروت، ط1، 1408ﻫ 1987م) ج3/463 ، ج8/224/317/465 ، ج9/18/33/88/97/154، ج11/211/226/256/263/294/299/340  ،  ج12/10/19/29/38/48/68/112/153/213/356  ،  ج13/21/33/34

([8])  إنَّ جميع المؤلفات المتأخرة التي وردت فيها الوصية فهي قد ﭐعتمدت هذه المصادر المتقدمة.

([9])  أحمد بن علي بن أحمد: فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي)، (مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط5، 1416ﻫ): 136

([10]) محمد بن علي: معالم العلماء، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، (د.مط، د.ط، د.ت، د.م): 163

([11]) الحسن بن يوسف بن المطهر: خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، (مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط1، 1417ﻫ):  288




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=103509
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 09 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20