• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : اكتشاف الحكام المتمردين في أهوار العراق القديم .

اكتشاف الحكام المتمردين في أهوار العراق القديم


ترجمة: نعمان البياتي
ملوك الأراضي المائية (Kings of the Sealand) أو ملوك القطع البحري (سلالة بابل الثانية)، يبدو من اسمهم أنهم جاؤوا من رواية خيالية، لكنه الاسم الذي أُطلق على سلالة ملكية حكمت جزءاً من العصر البرونزي في العراق، لمدة تصل إلى ثلاثة قرون (1730-1460 ق.م). ولا يعرف علماء الآثار شيئاً عن ملوك الأهوار، ولا عن مملكتهم؛ وكل ما نعرفه عنهم، هو عدد قليل من النصوص القديمة، كُتبت معظمها من قبل ملوك آخرين. فمما نعرف عنهم، هو أنهم سيطروا على أراضي المستنقعات (الأهوار) وصولاً إلى رأس الخليج الفارسي، والتي شملت مدناً تاريخية عظيمة في جنوب مملكة بابل؛ ونعرف أيضاً أنهم أزعجوا ملوك بابل، وهم يحاولون السيطرة على أراضٍ تابعة لمملكتهم.
يبدو أن مملكة الأهوار، مثلت السلف البعيد للعديد من المجتمعات المستقلة التي نشطت في منطقة الأهوار في العراق، وكما هو الحال في منطقة المستنقعات الإنكليزية، فقد قاومت هذه المجتمعات السيطرة الخارجية، وأعطت الملاذ الآمن للمتمردين.
ولم يتم تحديد فترة (الأراضي المائية) تاريخياً بصورة دقيقة في أي موقع تاريخي، ولكن عمليات تنقيب جديدة من قبل فريق بريطاني-عراقي، تمكنت من العثور على إحدى المستوطنات التابعة لمملكة الأهوار. إذ قام مشروع منطقة آثار أور (Ur Region Archaeology Project)، بالتعاون مع جامعة مانشستر، ومجلس الدولة للآثار والتراث العراقي، بإكمال عمليات التنقيب في تل خيبر الربيع الماضي؛ ولقد كان هذا المشروع، أحد الأعمال العالمية الأولى للعودة إلى جنوب العراق في فترة ما بعد صدام، ليكون ممهداً لفرق آثار أخرى.
يقع تل خيبر بالقرب من مدينة الناصرية، وقرب مدينة أور التاريخية. لا يوجد الكثير فوق سطح الأرض، إذ يمكن ملاحظة انتفاخ بسيط على السطح، مع كميات من الطين، تمثل أطلال وأنقاض قرون بعيدة. وقد قامت الصور الجوية، بعملية الإيضاح الحقيقية لتل خيبر، والمبنى الرائع في مركزه.
لقد تمت إعادة رسم مخطط المبنى في (مارس 2017 م)، لكن الطبيعة الغريبة للمخطط الأرضي كانت واضحة منذ البداية. فالمبنى ضخم، يغطي مساحة تتجاوز 4400 متر مربع، مهيمناً على المستوطنة الصغيرة. وهو كذلك محاط بجدار ضخم مبني بالآجر الطيني، بسمك يصل إلى 3.5 متر، وبمدخل واحد فقط، مع وجود عدد من الأبراج المتقاربة على الوجه الخارجي للجدار. يبدو المبنى غريباً جداً عند مقارنته مع عمارة وادي الرافدين في العصر البرونزي، كما أن تنظيم الأبراج المحيطية ليس له شبيه في المنطقة.
إذاً، ماذا كانت وظيفة المبنى، ولم كان بحاجة لهذا التحصين القوي؟ في الحقيقة، إننا لا نمتلك إجابات كاملة في هذه المرحلة، ومعظم البيانات مصدرها ترجمة ودراسة بعض الألواح الطينية، التي وُجدت متفرقة في غرف الركن الجنوبي من المبنى. وبفضل هذه الألواح أيضاً، تمكننا من تحديد فترة قيام هذا المبنى، ووضعه ضمن فترة مملكة الأهوار؛ بعض هذه اللوحات تعود لعهد الملك الثامن لهذه السلالة، والذي كان يسمى (أياداراكالاما) والتي تعني (ابن الظبي الماهر)، والذي حكم في فترة (1500 ق.م).
إن عملية البحث عن اللوحات الطينية ليست ممتعة، فقد كانت، في تل خيبر، مصنوعة من الطين غير المفخور، بلون بني غامق وناعم قليلاً، كلوح من الشوكولاتة. إذا تم لمس اللوح بإحدى أدوات العمل، فإنه سيترك أثراً يندمج مع مئات الآثار المشابهة على السطح، ويصبح جزءاً من النص القديم. أما إذا قمت بكشط سطح اللوح بمجرفة، فإنه سيمسح كلمات كتبها شخص ما قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وسيؤدي حتماً إلى طردك من موقع العمل. ومما يزيد من صعوبة العمل، اختلاط الألواح الطينية الصغيرة مع قطع من الطابوق والطين، المشابه جداً في اللون والملمس، كما ينبغي فصلها وإزالتها بسرعة، بسبب التملّح الذي ينمو بسرعة في المكان.
على العموم، فإن العمل الجاد له نتائجه، وقد تمكن الفريق في تل خيبر، من جمع اللوحات الطينية من عهد مملكة الأهوار لأول مرة. يتم تحليل اللوحات من قبل البروفيسور (إليانور روبسون) من (University College London)، وانفتحت لنا نافذة على الأيام التي عاشتها هذه المملكة.
تم جمع أكثر من 150 لوحة وقطع من لوحات مكسورة. بعد البحث، وجد أنها قد كتبت باللغة الأكادية، وتراوحت بين مذكرة صغيرة بحجم بطاقة (USB)، إلى قائمة حسابات بحجم لوحة (iPad). معظم هذه اللوحات تتعامل مع مسائل متعلقة بالزراعة، وتوزيع الحبوب، وخزن الطحين، ونقل البضائع – عادة إلى القصر – وهذا القصر في الأغلب كان القصر الواقع في مدينة أور، على مسافة تصل إلى 19 كيلومتراً نحو الجنوب الشرقي.
إن النصوص الواردة في اللوحات ذكرت بعض الأسماء المهمة في فترة مملكة الأهوار في تل خيبر. وتضم أحياناً تفاصيل المئات من الأفراد، محدِدة وظائفهم أحياناً. فإضافة إلى الفلاحين والعمال، يمكننا أن نجد وظائف أخرى عديدة، كالموسيقي، والطباخ، وصائد الطيور، وأربع من “نساء القصر” مع الخياط الخاص بهم. أحد الألواح ذكر أربعة عمال قد أساؤوا التصرف، وبالتالي تم تحديد العقوبات المناسبة لهم.
بعض هذه الألواح كانت نصوصاً مدرسية، من قبل كتّاب متدربين. والألواح هذه، مكتوبة باللغة السومرية، وهي لغة قديمة، يفترض أنها تكون قد اندثرت في ذلك الوقت، وتضم الألواح قوائم بكلمات، تمثل أسماءً غامضة لأشياء مختلفة، كالمعادن، والأحجار، والحيوانات. هذه التمارين كانت بلا فائدة من الناحية العملية، كما يقوم الطلاب بنسخ ولصق نص إغريقي بشكل رتيب. أحد الألواح كان يضم صورة وتد، مكرر في هيئة صفوف، مرة بعد أخرى. ومن المهم ذكره، أن تمارين الكتابة كانت تتم في المبنى العام، ولأن النصوص المدرسية لم يتم العثور عليها إلا في المنازل، فإن تل خيبر يعد المبنى العام الوحيد في وادي الرافدين، حيث كان يسمح بإجراء هذه التدريبات داخل المنازل.
وفي الحقيقة، فإن الكثير كان يحدث داخل مبنى تل خيبر. فقد وجدنا غرف استقبال، ووحدات سكنية، ومناطق طبخ، وجناح إداري، ومخازن، وكلها ضمن التحصين. فخصائصه لا تطابق خصائص معبد، أو قصر، أو ثكنة عسكرية. وربما تكون خاصية تعدد الاستعمالات هذه، هي المفتاح الأساسي لفهم تل خيبر.
جميع الوظائف الأساسية للمستوطنة كانت ضمن سور المبنى وأبراجه، وبالمختصر، فإن المبنى صُمم لمقاومة الهجمات، والتي كانت احتماليات وقوعها، كما يبدو، عالية. السكان، الذين كان عددهم صغيراً نسبياً، كانوا يسكنون خارج الجدران، وكان بقاءهم داخل المبنى الرئيسي لفترة زمنية قصيرة، سهلاً؛ وبجدران ضخمة، ومدخل واحد، كانت مهمة الدفاع عن المبنى سهلة، وبعدد صغير من الجنود. وتوضح الألواح مجموعتين من “جنود ملكيين”، كل منها تتكون من عشرة جنود.
يبدو أن تل خيبر كانت أشبه بقلاع العصور الوسطى. في أوقات السلم، كانت الأرض تُزرع، وتُرسل الإيرادات إلى الملك، أما في أوقات الحرب، فإن كل الأشخاص والأشياء، كان يتم سحبها إلى داخل القلعة، لتبقى بأمان خلف الجدران والأبراج؛ وهذه ليست الطريقة التي كانت تتصرف بها مستوطنات العصر البرونزي في وادي الرافدين. إذ يبدو أن مملكة الأهوار، ومن أجل بقائها وصمودها، بنيت هذه القلعة.
رابط المقال بالانكليزية: + صور اكثر عن الحصن
https://amp.theguardian.com/…/castle-sealand-kings-ancient-…




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=103601
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 09 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16