• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : شؤون عربية .
                    • الموضوع : أن تكون محاصراً في غزة .
                          • الكاتب : نبيل الزيناتي .

أن تكون محاصراً في غزة

  تبتعد عنها فتشعر بحنين جارف يسيطر علي قلبك وعقلك، تشعر كما لو كان سحراً عاطفياً يتملكك، إنها مدينتي/ حبيبتي المظلومة غزة، إنها من تتربع علي عرش الحب، المدينة الجميلة العنيدة الصاخبة بأحداثها، غمرتني بوفائها حين كانت قادرة متمكنة، أعطتني بلا حدود، ومنحتني زيادة عما أستحق.

 تتزين بسماء زرقاء صافية، وأرض خصبة بهية، بنخيلها الشامخ، وابتسامتها الواسعة كمن يرحب بضيف عزيز، حسن الضيافة عادة أصيلة لا تغيرها الأيام أو ضيق الحال في غزة، إنها عروس بحرنا وزماننا، تري بمدينتنا البنت الطاهرة والأخت الوفية العفيفة عزيزة النفس الكريمة بعطائها، حينما لم تذكرها كأنها تبعث إليك نسائم الشوق والحنين، تتزين وتقدم لك وجبات عشقك لتفاصيل الذكريات. لقد زرت كثيراً من المدن، وكنت دائم التمني بأن تصبح معشوقتي أجملهم، وكذلك أن تتخلص من همومها، أعبائها وقهرها، وأسأل نفسي مرة ثانية هل الانقسام انعكس على جمال مدينتنا فأضحت قبيحة الشكل والمضمون؟، أصبحت مهمشة ليس لها وزن، جعلوا منها مدينة للحطابين، تستجدي الشفقة والرعاية، شبابها ينتظرون أمل يبعث من جديد. في المستشفى الرئيسي هنا في غزة تري مآسي لا حدود لها، تري المرأة المريضة تستجدي العلاج، الناس هنا يتألمون من كل شيء يحاول أطباء وممرضي المشفى التخفيف من آلامهم قدر المستطاع، الحاجة إلي الحياة يظهر علي وجوه الناس، شاهدت قلوباً شاخت قبل أوانها، أطفال يتألمون ويصرخون باكين لشعورهم بالألم. بحر غزة الجميل الرائع كانت تأتيه جحافل المصطافين من المدن الأخرى في فلسطين، ماذا أصابك يا بحرنا؟ لقد رأيت بحراً عجوزاً شاحب الوجه يعاني أمراضاً خبيثة. إن رمال بحرنا هي الأجمل في العالم الذي رأيت، لم أتخيل يوماً أن لا نستطيع السباحة في بحر مدينتنا. أجد صعوبة في وصف مأساة الناس المضطرة للسفر، إنه الوجه الحقيقي للانقسام الفلسطيني البغيض، بالفعل إنه التعبير الحقيقي علي صعوبة الحال لدي الراغبين بالسفر لظروف اضطرارية صحية كانت أو غير ذلك. كثيراً هم الذين تألموا وفقدوا أرواحهم انتظاراً لفتح معبر رفح ليذهبوا للعلاج ولم يستطيعوا، أو الذين حاولوا الحصول علي تصريح عبر معبر ايرز وفشلوا، تجد في غزة امرأة علاجها الوحيد زراعة كلية بتبرع من ابنها ولم يبقي لها أمل سوي السفر لمصر ولم تستطع فتوفت أمام أعين أبناءها العاجزين عن فعل أي شيء لإنقاذها، أو رجل انتظر فتح المعبر كي يعود للسويد المقيم فيها فانتهت إقامته بسبب عدم التجديد في الموعد القانوني المحدد لذلك، وينتهي حلمه ويتحطم الأمل علي عتبات الحصار، وكذلك تري شابة قد تحقق حلمها بالحصول علي منحة لندنية لتدرس بها الموسيقي ولم تستطيع السفر في الموعد المحدد فقُتل حلمها وقُهرت. ولازلت أتذكر كيف اقتحم رجل بسيط جلستي فجأة يصرخ باكياً متوسلاً إياي للحصول علي يوم عمل كي يحصل علي عشرين شيكلاً، ليشتري لولده قميص العيد، بكي الرجل الأربعيني بقهر، لم أتعرض لمثل هذا الموقف من قبل، ساد الصمت علي الحاضرين، شعرت بالخجل، تمنيت لو أنني لم أكن علي هذه البسيطة، تحديت خجلي ونظرت إلى وجهه فوجدته يشعر بالكمد وقهر الرجال، حصل الرجل علي ما يريد وفرح كطفل مدلل وذهب؛ لكن هذا الصراخ والتوسل أصبح يقض مضجعي كل ليلة، إنه حال الوضع الاقتصادي والإنساني الذي أوصلوا الناس إليه في غزة. رغم معاناة الشعب العربي الفلسطيني في غزة لا تجد فيها من يعزز الكراهية والتحريض علي الاقتتال، بل تجد من يسعون للتسامح وإنهاء ما خلفه الانقسام البغيظ.

 حفظ الله غزة وفلسطين من كل سوء.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=103754
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 09 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19