• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : قراءة في كتاب الفتوى الخالدة..(6)  .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

قراءة في كتاب الفتوى الخالدة..(6) 

 احتواء الكتاب على مجموعة من الرؤى الإبداعية لكُتّابٍ تختلف سبل تجاربهم وأساليبهم الإبداعية، وهم يعملون في بوتقة واحدة هي الكتابة التوثيقية عن شهداء الحشد الشعبي وعن بطولاته وتضحياته، ستعزز حينها القيمة الإبداعية التي سعى لها كتاب الفتوى الخالدة والمخصص للمتابعات التوثيقية، وهو من اعداد سماحة السيد محمد علي الحلو ومساعدة لجنة مكونة من الشيخ اياد الطائي، والسيد صلاح الحلو، والأستاذ مهند البراك. 

ومن هذا الحيز المتروك لنا في صدى الروضتين سنتحدث عن مجموعة جديدة من الكتاب والأدباء الذين شاركوا في تدوين توثيقاتهم، التي تمثل سمة حضارية يقودها الوعي التوثيقي. أما اسلوبية الكتابة فتلك مسألة تباينت مستوياتها بشكل واضح جدا وتجربة الكتابة عن أجواء الحرب تحتاج الى أساليب متقدمة ذات حراك قادر على تقديم النص الإبداعي الذي يمتلك قوة الحضور ترينا عنف التجربة، ففي حكاية (اعترافات مقاتل) للكاتب مشتاق فليح العامري (ص 47) امتلك الكاتب أسلوبا انتقائيا قدم بها مشاهد متنوعة، الأولى الحكاية قدمت بصوت الانا المتكلم وصوت الانا يكون اكثر بلورة وأوضح تقديما حيث عرف نفسه.. انا المقاتل.. مشتاق فليح العامري.. وبهذا اعلن انه سيتحدث عن تجربة خاصة به، وهذا يمثل واقعية الحكاية وهوية كاتبها حيث عين لنا مكان الأحداث (هيت وحديثة) تحديدا في قاعدة عين الأسد الواقعة في ناحية البغدادي.
 الانتقالة الثانية.. سرد واقعي عن المعارك التي نشبت وأسقطت المناطق الغربية بيد الدواعش، وكانت مقاومة أبطال الحشد مقاومة شديدة.. الانتقالة الثالثة.. تحويل السيرة الذاتية الى سيرة غيرية، والحديث عن الشهيد (محسن حماد) من أهالي القرنة.. وكيفية التحاقه الى قاطع محاصر من كل الجهات، والاشتغال الأخير (عقدة الحدث) التحاق الراوي الى المعارك والصراع النفسي الذي عاشه في الجبهة منذ لحظة وصوله خبر والدته التي تعاني من مرض السرطان وبين البقاء في الجبهة خيار صعب انتهى ببقاء المقاتل لمدة شهرين دون ان يعلم عن اخبار والدته شيئاً..!
 ومثل هذه الحكاية قد لا تحتاج الى شعرية عالية بقدر احتياجها الى قوة احتواء الذات ومصداقية الواقع، وبأي أسلوب كان، ففي حكاية (آلاء طاهر) والتي كانت بعنوان (سبقتني اليك ص269)، هي سيرة ذاتية يرويها بطلها (انا المتكلم) انطوت تفاصيل المشهد على مقاطع زمانية الأول ما قبل سقوط النظام حيث مأساوية التحدي لإكمال المسيرة الاربعينية، والمقطع الزماني المعاصر والذي يمثل الواقع فتوى الدفاع المقدسة والتطوع الى المواجهة، ليبدأ مقطع جديد يتحول فيه السرد الى مشهد مؤثر بلغة شعرية عالية.
 يتعرض بطل الحكاية الى تفجير يقطع اطرافه، فيبدأ الحوار مع الأطراف المقطعة: (رباه لم تلملمني بكلي اليك.. خذني ودع روحي تودع الحياة وتعانق الشهادة) تمني الشهادة هو غنى روحي وهذه هي روحية الفدائي.
 وأما حكاية (مريم الخفاجي) كانت بعنوان (واستجيبت الدعوة ص273)، أسلوب شعري لا يعتمد على سرد الوقائع بقدر ما يمنحنا ملامح واقع، فابتدأت مخاطبة مباشرة مع المدينة بابل، أي كان صوت الراوي يبحث في عوالم المخاطب المباشر، وبشكل استفهامي، فأقامت الكاتبة علاقة بين بابل المدينة وبين بطل الراوي الشيخ قاصد.
 لم تلتزم الكاتبة في سرد التفاصيل الدقيقة بل سعت لتحيي لغتها المبدعة، وتكشف عن عوالم الحكاية بتدرج متقن.. فقد الأخ شهيداً، ومن ثم قضية التطوع ومخاطبة بابل بصفتها تحمل موقف زينب(عليها السلام)، حراك شعري لا يلتزم بترتيبات سردية لتصل الى خطابها: (قري عينا يا حلة يا عراق نلتها الحياة بدماء الشهداء).
 وفي حكاية (زهراء حسام الشهر بلي ص289) حكاية بها قاعدة روحية تحمل إرادة الانسان والروح هي مصدر كل حس أخلاقي، فترى الكاتبة ان الخلجات التي تراودنا، يصعب وصفها؛ كونها شعورنا وتسرد لنا قصة شقيقين يخوضان معارك الشرف في مدينة الخالدية، فالحديث يسلط الضوء على حوادث تجتاز حدود المعقول، أي تعبير خرق في القوانين العاطفية، والتواصل عبر هذه العاطفة هو سعي وجداني، مقاتل يحمل جثة أخيه الشهيد الى سيارة الإسعاف ويعود ليقاتل.
 وقدمت قصتها الثانية بعنوان (أسطورة ص210) حكاية عن مطولة أحد المقاتلين، نجد عدة نقاط توحد مساعي جمع الكتاب، أولاً: يعتمد الجميع على سرديات السير الذاتية لتقارب الاحداث والوقائع والتواريخ، ثانياً: الجميع يغرف من الواقع التاريخي لمواقف الطف ويكون نظائر من احداث الواقع، ليكون الواقع هو امتداد للواقعة المباركة، ثالثاً: ان جميع النماذج حادة، واثقة من الشهادة مصرة عليها، لعمل اسطوري خارق حيث تقدم أحد المقاتلين بسيارة عسكرية وذهب ليوقف العجلة المفخخة اصطدم بها وأوقفها دون ان تنفجر..!
 وفي حكاية (عروج الأرواح) للكاتبة رقية اياد، هناك تماهي واضح مع التراث الحسيني يمثل مشاهد مضمونة من التأريخ، ليس عمق المعاناة عبر التواريخ، فاستخدمت مفردة (كأني) لتكسر حواجز زمانية تقفز على تراتيبية الاحداث: (وكأني بالحسين ينادي: ألا من ناصر ينصرنا) و(كأني انظر للخيام المحترقة) متسائلاً: لن تسبى زينب مرتين.. خدرك اغلى من دمي.. فهذه الخطابية تتخللها قفشات تعبيرية تحيلنا الى التأريخ (كأنه يمازحني) تحيل المتلقي الى ممازحة حبيب بن مظاهر الأسدي في واقعة الطف المباركة.
 ونجد الكاتبة تلجأ الى التماسات المباشرة ليجذب نظر المتلقي الى رؤية الماضي، تعالقات مع التاريخ، يقول أبو شهيد (ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى) أو نقرأ حملة قاتل دون الطيبين واشفع لبيك، وحكاية (رقية محمد جليل) سردية عن حياة شهيد ص378، تشتغل على نفس النظائر حين تدخل عوالم حكايتها تدخلها ببنى روحانية غيبية، فهي ترى مثلاً أن الشهداء ملائكة تسكن الأرض، وتذهب بنا الى عمق هذا التفكير، فهي ترى أن الأجساد الدنيوية التي حملها أولئك الأبطال، انها أرواح ملكوتية لا تحتمل عالمنا الدنيوي، فترحل ثم تسرد حكاية البطل الشهيد الحاج (محمد جليل الصالحي) وتقترب للتماهي مع الواقعة (أرى خياماً تحترق وامرأة واقفة).
 وفي حكاية (رسالة حبيب بطعم البارود) للكاتب السيد حبيب مقدم التونسي استطاع أن يخترق قانون الطبيعي منذ بداية السطر الأول حين نكتشف ان العنونة تتضمن رسالة شهيد الى زوجته والرسالة كتبت بعد مرحلة الاستشهاد لغة شعرية عالية استطاعت خلق التفكير بعيداً الى التعبوية ذات الجرس الخطابي، وإنما شعرية ذات ايحاء للوجود الإنساني: (محياك الذي سقته النهر عفة حرائر أمير المؤمنين) أو (بحق ذرات عشق الزهراء، مقابر آلامي الفسيحة، أقف لتناول جواد سلاحي)، أو لنقرأ له (أخطو خارج خيمة انسي) كأني قادر بوسائله الفنية على ملامسة شعور المتلقي.
وكذلك في حكاية (خواطر مجاهد) للكاتب عبد العظيم جسام، ص427، تتحد معظم هذه الحكايات لتبني الفهم والاقتناع بالدور الذي يؤديه متطوعو الحشد الشعبي، خواطر مجاهد حكاية تعتمد على سردية تتخللها حوارية وترتكز في بعض مقاطعها على الاسترجاع (فلاش باك).
 وقدمت الكاتبة زينب علي عمران حكاية بعنوان (خبز برائحة الفجر ص450) وأجمل ما في هذه الحكايات انها تحمل قدراً عالياً من الواقع لتمثل به الهوية، وتقارن موحيات المدرك الوطني الديني، وهذه الحكاية حكاية أم سالم التي برهنت على عراقيتها حين حملت مطبخ البيت الى الجبهة لتعيش قرب سالم وهو يقاتل.
 تخللت هذه الحكاية وجود حوارية بلهجة عامية لتقرب الدال الاجتماعي الحياتي للمتلقي، وكتبت الكاتبة رشا عبد الجبار ناصر بعنوان (رسالة طوعة عبد الجبار ناصر)، ففي مثل هذه الحكايات لا تحتاج الى الخيال ولا الى قوة التخييل؛ لكوننا نمتلك واقعاً دسماً بالأحداث، ونمتلك إيماناً وجدانياً بهذا الواقع ونتعاطف معه في الحلم والحدس والصيرورة.
 وارتكز الموضوع على شعرية عالية بأنها وحدت الابتسامة عند جميع  الشهداء، وتتحول الى لغة مباشرة ثورية تكثر معها ياءات النداء، تجارب كتابية سعت لتوثيق هذه الحكايات مع مرتكزات الرؤية التدوينية في مجتمع قدم التضحيات الكبيرة مما جعل الكتابة في مثل هذه المجتمعات عملاً اكثر ضرورة للمجتمع والتأريخ.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=106282
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 10 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18