• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : الحوار المعاصر  الدورة الخاصة بالشبهات حول الاجتهاد والتقليد  (الحلقة الخامسة)    .
                          • الكاتب : السيد محمد حسين العميدي .

الحوار المعاصر  الدورة الخاصة بالشبهات حول الاجتهاد والتقليد  (الحلقة الخامسة)   

من التقليد الباطل هو التقليد في العقائد 
من المعلوم أن هنالك جملة من القضايا التي يجب أن يؤمن بها المسلم، تسمى المسائل العقائدية والتي منها أصول الدين، كالتوحيد والعدل وباقي صفات الله تعالى، والنبوة والامامة، والمعاد، وغير ذلك من المسائل العقائدية. 
وهذه اكثرها نظرية أي تحتاج الى أدلة لإثباتها، كما أن الواجب أن يكون العلم فيها يقيني ولا يكفي الظن، ولابد اذاً من إقامة الادلة لإثباتها، أي لإثبات وحدانية الاله وباقي صفاته أي انه عالم وقادر ومريد ومختار وغير ذلك من الصفات وأنه قد أرسل الانبياء وأن نبوة النبي صلى الله عليه وآله صحيحة وأن القرآن حق ويوم القيامة حق والحساب حق والجنة حق والنار حق، وأن النبي صلى الله عليه وآله قد نصب من بعده أوصياء خلفاء له، والتصديق بكل ما جاء به المعصومون. 
وهنا كان بحث للعلماء وهو:  
هل يجب على كل مكلف مكلف أن يجتهد ويؤمن بهذه المسائل العقائدية بنفسه ويقيم الادلة لنفسه ليكون الايمان عن يقين وقناعة وهو ما يسمى بـ(النظر) أي النظر في الادلة على المسائل العقائدية أم يجوز أن يقلد المكلف العلماء في هذه المسائل العقائدية؟ 
 
ملاحظة مهمة قبل الجواب: 
إن المقابل للتقليد في المسائل العقائدية هو النظر، أي أن ترك التقليد في المسائل العقائدية يلزم منه النظر في الادلة، والنظر في المسائل العقائدية يعني الاستدلال بالأدلة العقلية والنقلية وليس بالأدلة النقلية فقط كما يدعيه المدعي لترك التقليد. 
 
الامام الرضا ع يدعو الى النظر: 
ذكر الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه في كتابه عيون أخبار الرضا عليه السلام الجزء الثاني الصفحة 198 الباب 45 ( باب ذكر ما يتقرب به المأمون إلى الرضا ع من مجادلة المخالفين في الإمامة و التفضيل ) عن الامام الرضا عليه السلام أنه ناظر المخالفين في محضر المأمون وذكر الادلة على أحقية علي عليه السلام بالإمامة والخلافة وبعد أن انتهى من المناظرة والاستدلال قال: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ انْظُرُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَ دَعُوا التَّقْلِيدَ وَ تَجَنَّبُوا الشُّبُهَاتِ فَوَ اللَّهِ مَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا مِنْ عَبْدٍ لَا يَأْتِي إِلَّا بِمَا يَعْقِلُ وَ لَا يَدْخُلُ إِلَّا فِيمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ حَق‏). 
فهنا الامام عليه السلام قد حث الحاضرين الى النظر والاستدلال وترك التقليد في اختيار الدين الحق والمذهب الحق، ومن هنا قال العلماء بعدم جواز التقليد في المسائل العقائدية ولابد للمكلف ان ينظر في الادلة ويختار ما دلت عليه الادلة العقلية والنقلية، فعند مراجعة مناظرة الامام الرضا ع هذه سنجد أن الامام عليه السلام يستدل بأدلة عقلية على الامامة. 
 
استدلال المدعي بقول الشيخ المفيد: 
من ضمن ما ذكره المدعي لترك تقليد الفقهاء في المسائل الفقهية هو قول الشيخ المفيد رضوان الله عليه في كتابه تصحيح الاعتقاد والذي ذكر فيه الشيخ المفيد بطلان التقليد فقال في صفحة 72 من كتابه: 
((فصل) ولو كان التقليد صحيحا والنظر باطلا لم يكن التقليد لطائفة أولى من التقليد لأخرى وكان كل ضال بالتقليد معذورا وكل مقلد لمبدع غير موزور وهذا ما لا يقوله أحد فعلم بما ذكرناه أن النظر هو الحق والمناظرة بالحق صحيحة). 
 
والجواب على ما استدل به المدعي من قول الشيخ المفيد: 
أولا: إن الاستدلال بقول العلماء المتقدمين إن اراد به المدعي الاستدلال بقولهم كأحد الادلة على بطلان التقليد فإن هذا هو تقليد لهم، وهو من التناقض الذي وقع فيه الخصم، فكيف يقول ببطلان التقليد ثم يستدل بجملة من اراء العلماء وهل للتقليد معنى الا الرجوع الى اراء العلماء؟ 
وإن أراد أن التقليد أن القدماء كانوا يرفضون التقليد وإنما هو مستحدث فهذا أيضا استدلال باطل لأن جميع العلماء قبل الغيبة الصغرى وفي الغيبة الصغرى وبعدها لهم كتب فقهية، فكيف كانوا لا يرون التقليد وهم يألفون كتبا أصولية وفقهية؟ 
فقد ألف الشيخ الصدوق المقنع وذكر فيه فتواه، والشيخ المفيد المقنعة والشيخ الطوسي المبسوط والنهاية. 
 
ثانيا: ذكر الشيخ المفيد ذلك في كتابه (تصحيح الاعتقاد) وهو شرح لكتاب (اعتقادات الامامية) للشيخ الصدوق وكلا الكتابين كما هو واضح من اسميهما موضوعهما العقائد، وقلنا إن مشهور علماء الشيعة يرون أن التقليد في العقائد باطل، وكلامنا في تقليد الفقهاء في الفقه والمسائل الشرعية لا في العقائد، فهذا الدليل وامثاله لا ينفع في المقام، بل نحن نقول إن التقليد في العقائد باطل. 
ثالثا: أن الخصم قد اقتطع قول الشيخ المفيد عن سياقه وبتره عن تتمته، فالشيخ المفيد كان بصدد الرد على رأي الشيخ الصدوق بالنهي عن الجدل والمحاججة في أمور الدين فقال الشيخ المفيد ان الجدل على ضربين منه حق ومنه باطل، ومن الحق مجادلة الانبياء ومحاججتهم لخصومهم، ومن الباطل الجدال في آيات الله. 
ثم ذكر أن ترك النظر والاستدلال سيؤدي الى التقليد في الدين، أي اتباع الاباء في دينهم ومذاهبهم، والتقليد في اختيار الدين والمذهب باطل، وقد استدل على بطلان التقليد في الدين بعدة أدلة منها الآيات التي نهت الكفار عن تقليد آبائهم في دينهم، ونهي الائمة أخذ الدين من أفواه الرجال والتقليد في الدين، وأن التقليد في الدين لو كان صحيحا لكان تقليد أي طائفة ولو كانت ضالة صحيح، ثم خلص واستنتج من كل ذلك: (أن النظر هو الحق والمناظرة بالحق صحيحة وأن الأخبار التي رواها أبو جعفر رحمه الله وجوهها ما ذكرناه وليس الأمر في معانيها على ما تخيله فيها والله ولي التوفيق‏). 
 
الخلاصة: 
ان استدلال المدعي بأي قول لعلمائنا ببطلان التقليد في العقائد لا يصح، أولا لأنه بهذا يقلد العلماء في رأيهم وفي هذا تناقض، ولأن النهي عن التقليد في العقائد لا يستلزم النهي عن التقليد في الفقه. 
*وسنذكر ملحقا بالحلقة الخامسة فيه نص الشيخ الصدوق في اعتقادات الامامية ونص الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد. 
 
من التقليد الباطل اتباع الاباء في دينهم  
قد نص القرآن في آيات عديدة على بطلان تقليد الاباء في دينهم كيفما كان، لمجرد التمسك بتراث الاباء والكبراء فإن هذا تقليد باطل وتعصب جاهلي، وأن أكثر ما كان الانبياء يعانونه هو تمسك الناس بأعراف وتقاليد ورثوها عن آبائهم، ومن ذلك اتباع دين الاباء. 
وقد جاءت آيات عديدة في ذم هذا التقليد:  
المائدة: 104: وإِذا قيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى‏ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ ولَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً ولا يَهْتَدُونَ.  
الأعراف: 28 وإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا واللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ  
يونس: 78 قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنينَ  
الأنبياء: 53 قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدينَ  
الشعراء: 74 قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ  
لقمان: 21 وإِذا قيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَ ولَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى‏ عَذابِ السَّعيرِ  
الزخرف: 22 بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ وإِنَّا عَلى‏ آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ  
 
ومن الآيات التي استدل فيها المدعي على بطلان التقليد هو قوله تعالى: 
التوبة: 31 اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ والْمَسيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.  
وقد جاء في أصول الكافي: 
عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله بن يحيى عن عبد الله بن مسكان عن ابى بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ ورُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ» فقال: اما والله ما دعوهم الى عبادة أنفسهم ولو دعوهم الى عبادة أنفسهم لما أجابوهم، ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا، فعبدوهم من حيث لا يشعرون. 
 
ولكن الانصاف أن هذا الدليل أيضا لا يدل على النهي عن التقليد في الفقه، لأن هؤلاء حللوا ما حرم الله تعالى وحرموا ما حلل الله، وقد نصت الآية أنهم اتخذوهم أربابا من دون الله، أي تركوا دين الله واتبعوا احبارهم ورهبانهم، أي أن الاحبار والرهبان جاؤوا بما يخالف الدين والشريعة الحقة، ولا خلاف أن تقليد هؤلاء باطل، وهو لا ينطبق على فقهاء الشيعة، فمن المعلون أن أي شيعي لا يقبل بتقليد فقيه يفعل ذلك ويخالف شرع الله تعالى. 
الموجز 
 
التقليد منه باطل ومنه جائز ومن التقليد الباطل هو: 
1- تقليد الاباء وترك ما أنزل الله. 
2- التقليد في أصول الدين والمسائل العقائدية. 
3- التقليد في الفقه إذا كان مخالفا للنص او كان قائما على القياس.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=106315
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 10 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29