• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : *في رحاب شهادة لسان الثورة الهادر الإمام زين العابدين علي بن الحسين- ع-* .
                          • الكاتب : السيد ابراهيم سرور العاملي .

*في رحاب شهادة لسان الثورة الهادر الإمام زين العابدين علي بن الحسين- ع-*

    بسم الله الرحمن الرحيم

إن التراث الذي تركه أهل البيت للانسانيّة لا نجده في جامعة ، ولا في كتاب ، ولا عند أمّة من الاُمم.

جاء في كتاب « الإمام زيد » للشيخ أبي زهرة أحد كبار شيوخ الأزهر ، فمما قاله في صفحات طوال حول الإمام السجاد:

« زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما هو الابن الذكر الذي بقي من أولاد الحسين ، فقد قتل أخ له في المعركة الفاجرة التي شنّها يزيد وعمّاله على الإمام الحسين بن الطاهرة فاطمة الزهراء.

ولم يحضر المعركة ـ أيّ لم يقاتل ـ لانّه كان مريضاً ، وقد كان في الثالثة والعشرين من عمره ، أو يزيد على ذلك ، ولعلّ الله سبحانه وتعالى أبقاه من هذه السيوف الأئمّة ، لتبقي ذريّة الحسين الصلبة في عقب علي هذا. ولقد هم عمّال يزيد أن يقتلوه ، ولكن الله كفّ أيديهم عنه. كما حرض بعض الفجّار يزيد على قتله ، ونجاه الله.

وكان علي بن الحسين دائم الحزن شديد البكاء ، وكان رحيماً بالناس ، كثير الجود والسخاء ، فما علم أن على أحد ديناً ، وله به مودّة إلّا أدّى عنه دينه.

تعال معي ، لنقرأ المثال التالي من سيرة الإمام السجّاد ، لتعرف بأيّ الوسائل كان يتقرّب إلى الله تعالى ، ويطلب غفرانه ورضوانه ، فلم يكتف بالصوم والصلاة ، والحجّ والصدقات ، والإرشاد إلى الخيرات ، والعفو عمن أساء إليه ، بل تقرب إليه سبحانه بالإحسان إلى المستضعفين ، وأعطاء الحريّة للمستعبدين.

كان إذا أذنب عبد من عبيده أو أمة من امائة ، يكتب اسم المذنب ونوع الذنب ، والوقت الذي حصل فيه ، ولم يعاقب المذنب أو يعاتبه ، حتّى إذا انتهى شهر رمضان المبارك جمعهم حوله ، ونشر الكتاب ، وسأل كلّ واحد منهم عن ذنبه ، فيقرّ ويعترف ، فإذا انتهى من عمليّه الحساب وقف في وسطهم ، وقال لهم قولوا معي :

يا علي بن الحسين انّ ربّك قد أحصى عليك كما أحصيت علينا ، وان لديه كتاباً ينطق بالحقّ ، كما نطق كتابك هذا ، فاعف واصفح ، كما تحبّ ان يعفو عنك المليك ويصفح ، واذكر وقوفك بين يدي الله ذليلاً ، كما نحن وقوف بين يديك.

فينوح الامام ويبكي ، ثمّ يعفو عنهم ويقول : اللهم إنّك أمرتنا بالعفو عمّن ظلمنا ، وقد عفونا كما أمرت ، فاعف عنّا ، ثمّ يقبل على عبيده ، ويقول : أنتم أحرار لوجه الله، ويناجي ربّه قائلاً : اللهم انّي عفوت عنهم واعتقت رقابهم كما أمرت ، فاعف عنّي واعتق رقبتي من النار ، ويأمر العبيد أن يقولوا : اللهم آمين ربّ العالمين ، فيرفعون أصواتهم بالابتهال والدعاء لسيّدهم المحسن ، ثمّ يذهبون إلى سبيلهم بعد أن يجيزهم بما يغنيهم عمّا في أيدي الناس.

ولو مثلت هذه الرواية ، كما هي ، على مسرح عام لاحدثت ثورة في العقول ، ولفعلت فعل السحر في النفوس ، واتّجهت بها إلى الله وعمل الخير ، وكانت أجدى من ألف كتاب وكتاب في المواعظ والأخلاق. ولو أن الذين يهتمون بالأخلاق ومشكلات المجتمع أطلعوا عليها وعلى أمثالها من سيرة الإمام السجاد ، وتنبهوا إلى ما تحويه من الاسس والقوانين لبلغوا الغابة المنشودة من أقصر الطرق وأيسرها. لقد حدّدت هذه الرواية حبّ الإنسان لله سبحانه بأنّه حبّ البشريّة والحريّة ، وإن حبيب الله هو صديق الإنسان الذي لا يعرف التعصّب ، ولا العنصريّة ، ولا القسوة.
لقد حمل الإمام زين العابدين المعاني السامية والمبادئ العظيمة التي سعى أبوه إلى تحقيقها وحرص كل الحرص على ترسيخها في ضمير الأمة ودافع عنها من تحريف السلطة الأموية ومرتزقتها الذين حاولوا تشويه الحقائق وتزييف هذه المبادئ بإشاعاتهم وأكاذيبهم بنسبة قائد الثورة وشهدائها الأبرار إلى (الخوارج)!!!

فانطلق صوت زين العابدين ليدحض هذه الأكاذيب ويؤكد للرأي العام على أن هذه الثورة هي تجسيد للإسلام المحمدي وامتداد لمنهج النبي (صلى الله عليه وآله) في كل المراحل التي مر بها في رحلة الأسر وأول صوت له (عليه السلام) كان في الكوفة من خلال خطبته العظيمة التي بين فيها الجريمة النكراء التي ارتكبها الأمويون بقتلهم سبط رسول الله وغدر أهل الكوفة به وفيها من التقريع لهم ما أجج في النفوس مشاعر السخط والغضب على يزيد حيث قال (عليه السلام):

(أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. أَنَا ابْنُ الْمَذْبُوحِ بِشَطِّ الْفُرَاتِ مِنْ غَيْرِ ذَحْلٍ وَلا تِرَاتٍ. أَنَا ابْنُ مَنِ انْتُهِكَ حَرِيمُهُ، وَسُلِبَ نَعِيمُهُ، وَانْتُهِبَ مَالُهُ، وَسُبِيَ عِيَالُهُ. أَنَا ابْنُ مَنْ قُتِلَ صَبْراً وَكَفَى بِذَلِكَ فَخْراً. أَيُّهَا النَّاسُ! نَاشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ! هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ كَتَبْتُمْ إِلَى أَبِي وَخَدَعْتُمُوهُ؟ وَأَعْطَيْتُمُوهُ مِنْ أَنْفُسِكُمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ وَالْبَيْعَةَ، وَقَاتَلْتُمُوهُ وَخَذَلْتُمُوهُ؟ فَتَبّاً لِمَا قَدَّمْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ، وَسَوْأَةً لِرَأْيِكُمْ. بِأَيَّةِ عَيْنٍ تَنْظُرُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ (صلی الله عليه وآله) إِذْ يَقُولُ لَكُمْ: قَتَلْتُمْ عِتْرَتِي، وَانْتَهَكْتُمْ حُرْمَتِي، فَلَسْتُمْ مِنْ أُمَّتِي)؟!

كان لهذه الكلمات دوي وضجيج واستفاقة ووجوم وغضب وسخط على السلطة وتأنيب للضمير وتقريع للنفس (فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ النَّاسِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَلَكْتُمْ وَمَا تَعْلَمُونَ)!

ورغم الحالة المأساوية التي كان عليها فقد استأنف حديثه ووعظه لهم فقال: رَحِمَ اللهُ امْرَأً قَبِلَ نَصِيحَتِي، وَحَفِظَ وَصِيَّتِي فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَإِنَّ لَنَا فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةً حَسَنَةً.

فَقَالُوا بِأَجْمَعِهِمْ: نَحْنُ كُلُّنَا ـ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهُ ـ سَامِعُونَ مُطِيعُونَ حَافِظُونَ لِذِمَامِكَ غَيْرَ زَاهِدِينَ فِيكَ وَلا رَاغِبِينَ عَنْكَ، فَمُرْنَا بِأَمْرِكَ ـ يَرْحَمُكَ اللهُ ـ فَإِنَّا حَرْبٌ لِحَرْبِكَ، وَسِلْمٌ لِسِلْمِكَ، لَنَأْخُذَنَّ يَزِيدَ! وَنَبْرَأُ مِمَّنْ ظَلَمَكَ وَظَلَمَنَا!

فَقَالَ(عليه السلام): هَيْهَاتَ! هَيْهَاتَ! أَيُّهَا الْغَدَرَةُ الْمَكَرَةُ، حِيلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ شَهَوَاتِ أَنْفُسِكُمْ! أَتُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ كَمَا أَتَيْتُمْ إِلَى آبَائِي مِنْ قَبْلُ؟! كَلا وَرَبِّ الرَّاقِصَاتِ، فَإِنَّ الْجُرْحَ لَمَّا يَنْدَمِلُ، قُتِلَ أَبِي ـ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ بِالأَمْسِ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ مَعَهُ، وَلَمْ يُنْسِنِي ثُكْلَ رَسُولِ اللهِ وَثُكْلَ أَبِي وَبَنِي أَبِي، وَوَجْدُهُ بَيْنَ لَهَاتِي، وَمَرَارَتُهُ بَيْنَ حَنَاجِرِي وَحَلْقِي، وَغُصَصُهُ يَجْرِي فِي فِرَاشِ صَدْرِي، وَمَسْأَلَتِي أَنْ لا تَكُونُوا لَنَا وَلا عَلَيْنَا).
لقد حرص الإمام زين العابدين (عليه السلام) على ترسيخ مبادئ أبيه سيد الشهداء في النفوس بأبعادها الفكرية والروحية وليس فقط الثورية, فقد دأب على إحيائها رغم الإعلام المضلل الذي مارسته السياسة الأموية, فاستطاع أن يبث الأفكار الثورية والآراء المناهضة للسلطة في القلوب والعقول عبر نصائحه ومواعظه الكثيرة ومنها: (إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار).

فقد عاش (عليه السلام) في فترة سياسية حالكة وأجواء ساد فيها الإرهاب والجور والاضطهاد, وعاصر أبشع السلطات الظالمة المستبدّة التي حكمها طغاة بني أمية فوقف كالطود الأشم أمام هذا التسلط وفضح الحكام الذين تزيّوا بزيّ الإسلام وقلوبهم تتميّز عليه وعلى نبيه حقداً وكراهية, فأدى ما أملى عليه واجبه كإمام للأمة من الهدى والصلاح والإصلاح ودافع عن الإسلام ومبادئه الحنيفة وجسد أروع الصور المضيئة في تاريخ المسلمين.

اتّخذ الإمام زين العابدين(ع) من الدعاء أساساً لدرء هذا الخطر الكبير الذي ينخر في الشخصية الإسلامية ويهزّها من داخلها هزّاً عنيفاً ويحول بينها وبين الاستمرار في أداء رسالتها. ومن هنا كانت «الصحيفة السجادية» تعبيراً صادقاً عن عمل اجتماعي عظيم فرضته ضرورة المرحلة على الإمام(ع)، إضافة إلى كونها تراثاً ربّانياً فريداً يظلّ على مرّ الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب، وتظلّ الإنسانية بحاجة إلى هذا التراث المحمّدي العلوي، وتزداد إليه حاجة كلّما ازداد الشيطان للإنسانية إغراءً والدنيا فتنةً.

كان الوليد بن عبد الملك بن مروان جباراً عنيداً، ظلوماً جهولاً، من أحقد الناس على الإمام زين العابدين(ع) لأنّه كان يرى أنّه لا يتمّ له الملك والسلطان مع وجود الإمام زين العابدين(ع).
فأجمع رأيه على اغتيال الإمام زين العابدين(ع) حينما آل اليه الملك، وبعث سمّاً قاتلاً إلى عامله على يثرب، وأمره أن يدسّه للإمام(ع) ونفّذ عامله ذلك، فسَمَتْ روح الإمام العظيمة إلى خالقها بعد أن أضاءت آفاق هذه الدنيا بعلومها وعباداتها وجهادها وتجرّدها من الهوى.
وقام الإمام أبو جعفر محمد الباقر(ع) بتجهيز جثمان أبيه، وبعد تشييع حافل لم تشهد يثرب نظيراً له، جيء بجثمانه الطاهر إلى بقيع الفرقد، فحفروا قبراً بجوار قبر عمّه الزكيّ الإمام الحسن المجتبى(ع) سيّد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله (ص) ـ وأنزل الإمام الباقر(ع) جثمان أبيه زين العابدين وسيّد الساجدين(ع) فواراه في مقرّه الأخير.
فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=107094
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 10 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20