• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حين عبرت جدتي البحر .
                          • الكاتب : هادي جلو مرعي .

حين عبرت جدتي البحر

الطيبون مكانهم الآخرة,هذه الحياة السيئة ليست سوى مكان لمواجهة الاذى وتحد صعوبات تعترضهم فيها,الآخرون من الذين يبحثون عن المكاسب لاهم لهم سوى تحصيلها بأي وسيلة ,مشروعة كانت,أم غير ذلك.
جدتي عبرت البحر,هكذا تقول أمي. وجدتي واحدة من النساء اللاتي يذكرنني بالسيدة آسيا زوجة فرعون التي توسلت الله ان يخلصها من فرعون وعمله ,وان يبن لها بيتا في الجنة لتعيش بعيدا عن هموم الحياة وبلاويها الراتبة على رؤوس العباد ,خاصة حين يستولي شذاذ الآفاق على مقاليد الامور ويسيرونها بالطريقة التي يريدون.كان جدي فرعون عبادة وصلاة,يصوم الصيف,وتعمل جدتي على ترطيب الأشواك التي يمر بها هواء الصيف الساخن ,ثم يبرد فيخفف عن جدتي.أمي تقول ,إن صيام جدي كان يذهب لجدتي لأنها تتعب وهو ينعم بالبرد ,وهي تصوم في عناء وهو يصوم في راحة.
ذهبت جدتي وجدي الى الحج ,وكنت صغيرا ,ومشاكسا,لكن جدتي حكت لأمي رؤيا رأتها في منامها قبيل التوجه الى مكة,قالت ,في العالم الآخر واجهت بحرا وعبرته بيسر,وصلت بعدها الى مكان فسيح فيه ماء وظل وأشجار وخضرة,وشعور بالسكينة والأمن,سألت احدهم,أن يسمح بمجئ والدتي ووالدي وأخي الوحيد الذي قضى في حادث سير,لكنه رفض,وابلغني ,إن المكان لي وحدي ولامكان لأسرتي فيه,واخي الوحيد عليه أن يتلقى حسابا عسيرا لأنه كان يعيش مشاكل مع زوجتيه.
كانت جدتي ترعاني وأخي وتحنو علينا ,وتبهجنا في العيد حين كان الصغار يحتفلون مع آبائهم في الأعياد وكنا نفتقد الأب,وتمنحنا النقود وتشتري لنا الثياب.لكن جدتي كان عليها أن تغادر عالمنا,وكان خالي سببا في مرض ألم بها وعجّل برحيلها عندما وقع في أسر جيش مناوئ في وقتها وقد يكون صديقا في وقت لاحق,كانت امي ترعاها,وكنت أرتعب حين أفكر في أمكانية ان ترحل ,وكانت دموع أمي إيذانا بقرب النهاية المحتومة.
ماتت جدتي ,وتذكرت قول المتنبي الطيب يرثي جدته الحانية عليه.
لاتلمني ولم الليالي التي أخنت ..على جدتي برقة الحال.
وهكذا احفظها.
عرفت تماما أن جدتي قد عبرت البحر,بعد عشر سنين من موتها,كانت المجنزرات تجتاح المقبرة وكان على الناس أن ينقلوا جثث موتاهم الى مدافن أخرى,وذهبت أمي مع أخوالي لنقل جثة جدتي,تقول,أمي كأننا وضعناها في القبر من يومين!كان شعرها منسدلا وممتدا ,وهي كالنائمة لم يتضرر جسدها ولم يأكل منه التراب شيئا ولاأثر للدود أو لعلامات أذى فيه!
كانت امي متعجبة من حال جدتي بعد سنين من مغادرتها لعالمنا,وكانت مندهشة لأنها رات جيران جدتي في المقبرة مجرد أكوام من العظام!وتذكرت الرؤيا التي رأتها جدتي قبيل ذهابها الى الحج,وكيف عبرت البحر؟لقد عبرت الى الجنة لانها إمرأة صالحة وطيبة ,كانت تعيش في عالم شرير.
hadeejalu@yahoo.com



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=10924
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 10 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20