• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : بين التمرد والاحتجاج .
                          • الكاتب : د . آمال كاشف الغطاء .

بين التمرد والاحتجاج

قرأت السيدة  أ ل بين دفات الكتب أن تنظيم الدول أما مادي أو عضوي فالدول ذات النظام الشمولي تشبه قطعة الخشب أو الحديد فالتشابه والتماثيل بين كل الأجزاء بحيث أذا قطع جزء لا تتأثر الأجزاء الأخرى ولتبقى محافظة على مزاياها وخواصها وهذا هو النظام الحزب الواحد حيث يخضع الجميع لنفس الأفكار ونفس النمط في التعامل والعلاقات وهذا هو نظام الحزب الواحد ونظرية الحق الآلهي أما النظام العضوي فيتخذ جسم الإنسان مثال له حيث هنالك أجهزة متعددة كل جهاز له خصائص ووظائفه ومزاياه ويكاد يكون مستقلا جزئياً عن الأجهزة الأخرى كلها تعمل بشكل متباين ومتكامل مع بعضها البعض وتقوم بخدمة المخ الذي هو المركز لإصدار الأوامر وهو العقل المفكر الذي ينسق العلاقات بين الأجهزة بحيث أذا أختل جزء يؤثر بشكل سلبي على الأجزاء الأخرى .
أعجبت السيدة ا ل بالنظام العضوي واعتبرت الجسد بأكمله مسخر لخدمة العقل الذي يبدع وينتج على أفضل ما يمكن وإعطاء الغذاء والماء والهواء للجسد وكذلك الراحة لكي يسخر بأقصى طاقاته لخدمة العقل ولكن هنالك مبدأ أخر اتخذته السيدة  أ ل وهو كلمة كاتو الرفيق الروماني (العبد أذا لم يكن نائماً وجب أن يكون قائماً يعمل) وأضافت عليه السيدة أ ل أن الجسد هو عبد للعقل وعندما ينام يجب أن يكون الهاجس هو تقديم أقصى الخدمات للعقل وعملت السيدة أ ل على هذا المبدأ وكانت دائماً تختبر مدى صلابة الجسد وقوته وإذعانه لأوامر العقل الصارمة وعندما أجريت عملية جراحية تحملت الألم لليلتين متتالية دون أن تأخذ أبرة مسكنة للألم ويخامرها شعورها أن الجسد يكلف الكثير من المشقة وحقاً ما أنشدته غزالة زوجة شؤذب الخارجي
أرى لي رأساً        قد سئمت حمله
وقد سئمت غسله ودهنه     أما فتى يحمل عني ثقله
وحمت عليه أن يتعامل مع الرفاهية كما يتعامل مع شظف العيش كلاهما سواء ويمتلكها التفوق والزهو والرفعة بأنها قادرة على التحكم بمتطلبات جسدها برد جوع عطش ألم سعادة وأستمرت الحياة وفي أحد أيام الشتاء من شهر كانون الثاني كان عليها الذهاب إلى بلدتها القديمة مسقط رأسها لحضور بعض المراسيم التي يقوم بها المعارف والعائلة والأصدقاء حضرت المناسبة على أفضل ما يمكن وقدمت الكثير من الود وعبارات الحب والصداقة والذكريات ولكثرة المدعوين فقد أحتلوا الغرف للنوم ولكونها لها خصوبتها فهي تنام بمفردها ولا نريد أن تكلف الآخرين مشقة وجودها فهي تقرر ما تريد وما لا تريد فآثرت المبيت في غرفة مطلة على الحديقة تحيطها شبابيك دون تدفئة أنزوت بغطائها الى الجدار لتحتمي به من البرد الذي يلف الغرفة لم تستطع النوم لقد رفض الجسد هذا الأستبداد هذا القهر هذه إلا معقولية كورت نفسها وشدت الغطاء بأحكام ولفت رأسها الذي أصبح كرة زجاجية بشال لم يفلح الأمر وكأن الغطاء فيه ألف نافذة يهجم منها الهواء البارد تطاول الليل إلى حد بعيد لبنه يأتي باليسير من لهيب تموز أيها العلم بما تملك من حبوب وعقاقير ومسكنات ساعدني كي أتخلص من الرشح والزكام الذي ألم بي هكذا حدثت نفسها عليها أن تقدم لجسدها مما يهدئ من ردود فعله مدت يد مرتعشة وأخذت حبتان أستقرت نوعا ما ولكن لسعات البرد هاجمتها وكأنها لسعات زنبور فبدت تباشير الصباح لم تشاء أن تظهر ضعفها أمام الآخرين لا تريد الأستسلام فتناول حبتين يكفي لا نهاء المر وإلغاء كل الآلام الليل المضنية عليها أن تمارس الألتزامات من جديد أن تشارك الأخرين مشاعرها وأحاسيسها حبها المدفون لسنين تحت طبقات الصمت وغلاف التحدي أن تحرص على أظهار مشاعر ودها العميق لطفولتها لمدتها لسنين وعيها الأولى وتعرضت إلى تباين في درجات الحرارة بين داخل البيوت وخارجها وكتمت وقاومت بعنف وقوة الصراع والتوتر من التنفس وضيق الصدر لقد أنتصرت على الجسد وسخرته كما تشاء عليها أن تعود الى بلدتها حيث تقيم هنالك فلديها أجتماع سنتحدث وسنتحدث وتدير الجلسة سنتكلم على القلة والكثرة عن دور الصفوة في المجتمع الكثرة التي تشكل زخم هائل يتحكم به العقل الجمعي الذي تكلم عنه غوستاف لويون في روح الجماعات وبالفعل فهي تمتلك أرادة عمياء وسلطة       لا حدود لها من حقها أن تضغط على جسدها أن تعذبه أذا رفض الأنصياع لأوامرها أن تضربه بقسوة وعنف أن تجعل الدم يسيل منه ليكفر عن خطيئته لا ذنب له بها ملأها الزهو والخيلاء بعد أن أكملت الأجتماع هنالك قوة خفية تجعل ضلوعها كأنها نبال عيونها تذرف دموع المرض والأحتجاج الجسد بدأ يتراخى وفي حد من الضعف وجذر من القوة طيور ذات أجنحة كبيرة تحلق فوقها تحملها الى أرضي قاحلة . حبتان وسوائل حارة كفيلة بأخماد ثورة الجسد وعصيانه ففي اليوم التالي للأجتماع عليها أن تغادر الى مسقط رأسها هنالك مراسيم ولقاءات وسيكون أحد هذه المراسيم عائد لها مع وجبة عشاء كل شيء على أفضل ما يمكن يجب أن تتسرب أليه نقطة فشل يتمثل من قلة توزيع الأهتمام أو التباين بين فرد وآخر بالأحترام الكل يجب أن ينال حصته من الرعاية والود والمحبة عليها أن تقف أمام الباب المفتوح على مصراعيها يلفح وجهها الهواء البارد كألسنة النار لتستقبل وتودع بكل لطف ولباقة الجميع وتم كل شئ على أفضل مايمكن فقد بذلت كل خبرتها وتاريخ ليكون حائزاً على رضا الجميع وعادت في اليوم التالي إلى مقر أقامتها فلديها أجتماع هام يجب أن نتحدث عن التسامح وتقبل وجهة الآخر والتعايش السلمي والحوار مع من تودهم ومن لا تودهم مع تتفق معهم ومن تختلف معهم وكيف تتنازل عن الرغبات الشخصية والطموح الفردي للتوصل مع الآخر الى حلول وسط وفي اليوم التالي بدأ الجسد يسخر منها فهي متعبة مكدودة تعاني من ضيق في التنفس وقوى حائرة وتعب ولكن أصرت على دعوة المشاركين وتم الأتصال بهم وأعلنت بحزم وعناد بأن كل شئ يجب أن يتم .
في صباح اليوم التالي كان الرشح يتدفق من أنفها والعين لا تقوى على الرؤيا كل شئ يبدو غائم مشوش والفم غير قادر على الناطق تحطم داخلي أجزاء جسدها ترفض الأستجابة لها كتلة نار وسط متجمد جليدي ناجت نفسها
أين أنا – ذاهبة إلى صحراء قاحلة لا نهاية لها الضوء يتراقص أمام عيني الرئتان لا تقوى على أخذ الهواء هنالك أجسام غريبة داكنة من لا أستطيع أن أهرب لا أستطيع الحراك عاصفة هبت برد شديد قطع جليد فوق كتلة نارية أنا بعيدة عن كل شئ حبوب.. قطرات... كبسول.. أيها العلم ساعدني تقدم ساعدني بما لديك من مركبات وعقاقير... أريد أن أن أنطلق بجناحين نحو العدالة. أيتها العدالة سامحيني فقد مزقت الجسد ونفثت فيه النيران وحطمت الميزان.
أيتها العدالة سأغنى وأنشد لك لحن الجمال فأنت الجمال والبهاء أشرقي ونوري ظلمات حياتي أوقفي الطوفان طوفان القمل والجراد والبعوض الذي يحوم حولي
لا تدعيهم يلسعون أطفالي المشردون في الشوارع أني كسيحة عاجزة أطفالي يسيرون عبر ممرات مجهولة موحشة عثرة تمزقت أحذيتهم وأهترئت ملابسهم يمدون أيديهم إلي كي أنقذهم حتى لا تنهشهم الذئاب الكاسرة لتحيلهم الى نفوس مشوهة .
ها أنا أجري وأصرخ وأصرخ لتموت الكلمات في فمي منذ متى وأنا أعيش من الأعاصير وزوابع التدمير وأجراس الأنفجارات منذ متى وأنا مشردة بين دار ودار وبلد وبلد لا أشبه الطيور الذي يتوهج من كبد السماء ولا السمك الذي يحفر البحار ولا البذور التي تسابق الريح فأنا هنا كتلة من اللحم والعظم قابعة أنظر إلى الأفق البعيد لعلك أيتها العدالة تربطين بحبلك بين ناقوس ومئذنة بسلاسل المحبة والاحترام وتشد أيدي علماء الإسلام بيد حاملي الصلبان أيها العقل الصلبان أيها العقل لا سلطة لديك طالما تنتهك القوانين وتكسر النظام وتقرع الطبول ونزف قرابين الضحايا .
أيها العقل عد إلى الحكمة الخالدة وأسأل عن الجسد الذي يتلوي من الجوع والذي يرتدي أسمال بالية أيها العقل أني أدينك وأتهمك بالخروج عن الشرائع وعن كل ما أبتدعه الفكر الإنساني من روائع عن حكمة القرآن وسلام يسوع
أيها العقل يجب أن تقدم أمام محكمة الإنسانية العليا تناهي إلى سمعها صوت يدوي (لقد فر زين العابدين من تونس الى جهة مجهولة بعد حكم دام 26 سنة)
أومأت بيدها بكلمات متقطعة صدرت منها بصعوبة بالغة أخبروا المشاركين لا سبيل إلى عقد الأجتماع فالجسد يطالب بحقه من الحياة              
 
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=11071
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 11 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19