• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مبدأ الرفق الأسري في الاسلام .
                          • الكاتب : الشيخ عبد الجليل المكراني .

مبدأ الرفق الأسري في الاسلام

قال الله تعالى: «فَبِمَا رَحمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلبِ لاَنفَضُّوا مِن حَولكَ فَاعفُ عَنهُم وَاستَغفِر لَهُم وَشَاوِرهُم فِي الأَمرِ فَإِذَا عَزَمتَ فَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ».
يتجلّى في هذه الآية الشريفة معلم من أهمّ معالم المنهج الإسلامي في التربية والإصلاح وعملية التغيير الديني والاجتماعي، فالآية الشريفة تشير إلى مبدأ الرفق في التعامل مع المحيط الذي يعيش فيه الإنسان ويتفاعل معه.
وتأكيداً على أهمّية الرفق في المنهج الديني الإسلامي، فأنّ القرآن يفتح عقولنا ونفوسنا على ذلك من خلال تذكيره لنا بأنّ هذه الصفحة هي أحد معالم شخصية مُعلّم البشرية ورسول الرحمة والرأفة محمد(ص).
فالنبي الأكرم (ص) تجسّدت في شخصيته الكريمة كلّ المعاني المحمودة من اللطف والرحمة واللين والرأفة، ممّا جعلها منبعاً لكلّ القيم الإنسانية وعواطفها ودفئها في مجتمع عُرف بالفضاضة والغلظة والهمجية: «وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلاَّ رَحمَةً لِلعَالَمِينَ». ولهذا نرى القرآن الكريم أشار بوضوح إلى هذه السمة الأخلاقية والفضيلة الإنسانية البارزة والواضحة في شخصية المربّي الأول محمّد (ص) في الآية الشريفة التي صدّرنا بها البحث .
وما أحوج المجتمعات البشرية اليوم إلى الرأفة والرحمة والرفق وما رادفها من المعاني التي جاء بها الإسلام الحنيف؛ إذ المآسي والآلام التي تمرّ بها الإنسانية الآن من القتل والإرهاب والأزمات الروحية والمادية والاقتصادية هي نتيجة تخلّي الأمم والشعوب عن المنهج الإلهي الرباني المبتني على مبدأ اللين والرفق.
يقول بعض الباحثين: «عندما اختفت شمس الهداية خلف غيوم الحضارة المادّية، وحرم الإنسان من دفئها وسناها الباعث روح الحياة في هذه النفوس، قست القلوب وغادرت الرحمة أفق هذا الزمن، وضعف الوجدان عن أداء دوره، وغفا الضمير على نغمات عصره، فلم يعد للرفق واللطف وما إلى ذلك من مفردات معنوية وجود فعلي ودور عملي على ساحة الواقع المادي. 
إنّ رقي الأمم إنّما هو بمقدار ما تمتلكه من قيم أخلاقية تتفاضل من خلالها، وتتنافس مع غيرها من أجل الحفاظ عليها وديمومتها منهجاً للأجيال. ومن هنا أدرك الكثير من الأمم التي أوجدت لمجتمعاتها معايير مادية أخطار تلك المعايير في تفتيت وحدة المجتمع التي تضعها روح الإخاء بين أفراده، فأوصدت أبواب الألفة والتعايش على مائدة القيم الأخلاقية، بعد أن أنمت فيهم روح الإثرة وحبّ الذات والتنافس على حطام زائل، ممّا أدّى إلى تفكّك مجتمعاتهم تبعاً لتمزّق شمل الأسرة وانفراط عقد المودّة بين أفرادها، فازدادت بذلك مشاكلهم، واشتدت أزماتهم الاجتماعية والأخلاقية والنفسية.
ومن الواضح أنّه لن تجد تلك الأمم الحلّ المناسب لجميع ما عصف بها من مشاكل على أثر مناهجها وسياساتها إلاّ في اقتباس خُلق الإسلام وآدابه وتعاليمه، التي هي في الواقع الاستقامة بعينها، والاعتدال بنفسه، والوسط المقبول بين الإفراط والتفريط؛ لأنّ القطب الوحيد الذي تدور حوله رحى التوازن الفذّة في كلّ شيء (السياسة، والاجتماع، والأخلاق) لا يستقر إلاّ على محور الإسلام، ذلك المحور الذي ينتهي بمريديه إلى أقصى درجات الكمال الممكن للإنسان في سموّه ورفعته وعزّته وكرامته الحقيقية». (الرفق في المنظور الإسلامي: 8 .)




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=110810
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 11 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28