• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : وهم دوكينز! .
                          • الكاتب : الشيخ مازن المطوري .

وهم دوكينز!

في عام 2014 طلب صديق عزيز منّي مُلِحّاً في طلبه أن أقرأ كتاب (وهم الإله) لريتشارد دوكينز وأكتب في نقده مقالة أو مقالتين وإن بشكل موجز، ولكنّني وبحكم الانشغالات اعتذرت منه، غير إنه ألحّ وألح، فلم أجد أمام ذلك إلا الاستجابة.

شرعت بمطالعة الكتاب، ولم أقرأ مقداراً منه حتى شعرت بالابتئاس والضجر، بسبب سطحيته الفجّة! وتبسيطه المخلّ، واختزاله المضطرب، حتى بدا لي أن الكتاب أشبه بالرواية الأدبية منه بالكتاب الفكري العلمي! أجبرت نفسي على مواصلة القراءة، غير إنني لم أستطع التحمّل، فقمت بتصفّحه سريعاً، فأمسكت بخيوطه الأساسية فتعرّفت على طبيعة انتقاداته و(براهينه) في اعتبار الإله والدين وهماً، وتركته واعتذرت لصديقي. بعد أن أبديت له تقييمي للكتاب الذي احتفظتُ به في حافظة الذهن.

طالعت منذ يومين كتاب (وهم دوكينز، الأصولية الملحدة وإنكار الإله) المترجم حديثاً (2017م) والذي جاءني هدية مع غيره، وهو عمل مشترك بين الأستاذ في جامعة أكسفورد وكامبريدج وكلية ريجنت ليستر إدغار ماكغراث عالم الفيزياء الإيرلندي الملحد أولاً، واللاهوتي المؤمن ثانياً والحاصل على ثلاثة شهادات دكتوراه في الفيزياء الحيوية الجزيئية وعلم اللاهوت والآداب والتاريخ الفكري، وبين وجوانا كوليكات ماكغراث المتخصصة في علم النفس العصبي السريري، وأستاذة علم النفس الديني في كلية هايثروب بجامعة لندن، ففوجئت بأن تقييمي لكتاب دوكينز حاضر بقوة في هذا الرد الذي كتبه ليستر وجوانا ماكغراث!

نجد في هذا الكتاب نقداً وتشريحاً علمياً ودقيقاً لكتاب وهم الإله، وقد أظهر مؤلفاه السطحية الفجة التي يتمتع بها دوكينز، وأكدا استناد دوكينز إلى تحليل علمي بسيط، وتكهّنات زائفة مستعارة من ملاحدة أقدم، وقد غاصا في نقد البنى والأسس التي اعتمدها دوكينز، حتى أن المرء يتفاجأ بمقدار وكمية التسطيح والخواء والانتقائية والتعصّب في كتاب دوكينز، فضلاً عن التحايل في الاعتماد على افتراضات لا تقرّها المجاميع العلمية!

من النصوص التي كتبها مؤلفا الكتاب: (في الواقع هناك صعوبة حقاً لكتابة ردّ على هذا الكتاب، ليس لأنه قوي الحجة أو جرّاء متانته لاستناده على الدليل القاطع، بل إن الكتاب في أغلبه ليس سوى مجموعة من الأخبار الموجزة الملائمة والمبالغ فيها بغية تحقيق أقصى الأثر، وهو مرتّب بصورة فضفاضة من أجل الإيحاء بأنه يملك حجة)، [وهم دوكينز، ص: 14].

ومنها: (يبدو أن دوكينز يعتقد بأن قول شيء ما بصوت مرتفع جداً وبثقة عالية، مع تجاهل أو تحقير الدليل المضاد، من شأنه أن يُقنع أصحاب العقول المنفتحة أن الاعتقاد بالدين هو نوع من الوهم. للأسف تشير الأبحاث الاجتماعية عن القادة الذين يتمتعون بالكاريزما سواء كانوا متدينين أو علمانيين، إلى أن دوكينز قد يكون محقّاً في وضع أمل ما على هذه الإستراتيجيا، بالنسبة للبسطاء والسذّج هي الثقة بما يقال ما يقنع لا الدليل المقدم لدعمه. لكن الحقيقة هي أن دوكينز يستند إلى حدّ بعيد على البلاغة لا على الدليل الذي من ناحية أخرى هو رأس ماله الطبيعي، ما يشير بوضوح إلى أن ثمة أمراً خاطئاً في هذه المسألة. ومن المفارقات أن الإنجاز النهائي لكتاب وهم الإله للإلحاد المعاصر قد يكون الإيحاء بأن هذا الإمبراطور ليس لديه ثياب ليلبسها، فهل من المحتمل أن يكون الإلحاد وهماً حول الله؟). [وهم دوكينز، ص103].

عن هذه الترجمة؛ كان يمكن أن تكون بصورة أفضل لو أن المترجم حرّر عبائره أو بعضها بشكل آخر أكثر وضوحاً وانسجاماً مع الذائقة العربية المعاصرة. مع ضرورة التأكيد على أن هناك مواضع في خواتيم الكتاب ترتكز على منطلقات مسيحية، فضلاً عن ملاحظات جزئية مبثوثة هنا أو هناك في مواضع مختلفة من الكتاب، غير أن هذه وتلك لا تخل بقيمة الكتاب، ولا بنقده الأساسي لكتاب دوكينز في فصوله الأساسية.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=114366
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 01 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19