ايهٍ ايُّها الكرسيُّ,
كم تهاوَتْ على اعتابِكَ امالٌ وأحلام,وتكسَّرتْ عندَ قوائمِك أُمنياتٌ ومطامع؟
وكم فاضَتْ لأجلِك انهارٌ من الدماء,وجرت في سبيلِكَ سواقٍ من الدموع؟
كم اشتريتَ من ضمائرَ,وبعت من مباديء؟
كم جاءت معك من قِيَمٍ,وذهبت برحيلك من ثقافات؟
وكم من مذهبٍ راحَ ضحيةَ مقعدِكَ,ومن وطن تشظّى فداءً لك؟
حدّثني ايُّها الكرسيُّ - وقد مرَّت عليك السنونُ والايام,ومضت عليك طوارقُ الليلِ وحوادثُ النَّهار- هل اخلَصتَ لأحدٍ ممّن كان يقاتلُ في سبيلِكَ,ويذود عن حياضك, وباعَ وطنه ودينَه من اجلِ انْ يتربّع عليك؟ ام انَّك فارقتهم جميعاً وغدرتَ بهم جميعا؟
فواأسفاه , ماأكثرَ غدْرَكَ,واقلَّ وفاءك!
هل دفعتَ عن الملوكِ الذين تقاتلوا عليكَ يدَ المنون؟ ومدَدْتَ لهم من سِنيِّهم عُمرا؟
ام هل دخلت مع الرؤساءِ الذين فُتِنُوا بِكَ ضيقَ القبور؟وفسحْتَ لهم في لحدِهم شبرا؟
ام هل جازيتهم بالليالي التي سهروها شوقاً اليكَ,فلم يطرفْ لكَ جفنٌ عند رحيلِهم عنكَ كفاء الجفون التي سهرت لأجلك,ولم تغمض لك عينٌ عند وداعِهم لك إزاء العيون التي سهرت في وصالك؟
هل ذرفْتَ محاجرُك يوم فارقوك مدامع الحسرات,وقد بكت قلُوبُهم القاسيةُ من حرِّ فراقِك دم الآهات؟
تلك القلوبُ التي لمْ تأبَه لدمعةِ يتيمٍ في جوفِ الليلِ, فقدَ اباه في حروبهم عليك, قاسى ذلَّ اليتمِ ولوعةَ الفقدْ؟
هل زفرتْ جوانِحُكَ رحمةً بهم,وشهقت انفاسُك حسرةً عليهم ؟وهم الذين استعرت صدُروهم هياماً بك؟وانكوت ارواحهم حزناً عليك ؟تلك الصدُور المظلمة التي لم تحفل بشهقة أمٍ ثكلَتْ ولدَها, ولم تحزن لأسى ارملةٍ فقدَت زوجها.
ليتَ الذين صعدوا ذروتك,وتسنَّموا مقعدَك يعقلون انَّك لن تدوم لهم,ولو دُّمتِ لغيرهم لما وصلْتَ لهم ,
ولكنَّك شيطانٌ, كما انتَ مرصَّعٌ بالذهبِ والجواهر,فأنتَ مخضَّبٌ بالدماء والاشلاء,ولذلك عَمِيَتْ عن قبحِ ذاتِك عيونُ القلوب, وصُمَّت عن صوتِ حقيقتك اسماعُ الضمير,
فتعساً لكَ من مركبٍ لايصعده الاَّ الموتى من كلِّ شعورٍ انساني,والمحرومين من كلِّ احساسٍ بشري.فإنَّهم لايليقونَ الاَّ بك,ولاتليق الاَّ بهم,وكيف لا؟ ومن سُنَّة الحياة ان الغادرين للغادرين وقبُحَ اولئكَ رفيقا.
|