• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الطبقية في الإسلام (كيف تعامل الإسلام مع العبيد) .
                          • الكاتب : حسين علي الشامي .

الطبقية في الإسلام (كيف تعامل الإسلام مع العبيد)

كانت تلك البداية الصحيحة لتغيير ملامح العالم المجنون بأهوائه النفسية والهامل لمعنى الانسانية ، متناسياً أدميته وفطرته بالتعامل مع شركاءه بهذا العالم الكبير ، حملاتٌ وغزوات و أعتداء ، مجتمعٌ حرص فيه القوي على نهش لحم الضعيف وتنازل فيه الضعيف عن حريته بسبب غطرسة الظالم وجوره عليه .
شبه الجزيرة العربية لم تكن الوحيدة التي عاشت القبلية والتجبر على من حولها ، وبيع وشراء الأدمية واستعباد الهيئة الأنسانية ، إنما كان العالم بأجمعها ديدنه الرق واستضعاف الناس بشكلٍ جعل العيش في هذه الدنيا ضرباً من المرارة وسوطاً من الجحيم ، لكن الجزيرة العربية كانت تضم في صدرها قلباً أبيض ينبض حساً رافضاً للخنوع ، رفعته التواضع وشخصيته الرحمة منذ صغره كان هاتف التغيير يطرق على أسماع محبيه ومريديه ومراقبيه ..
كبرت أحلام محمد وازدهرت شخصيته الطيبة ليترك الاثر في أذهان من حوله حتى لقب بالصادق الامين وجاءت لحظة النهوض والتتويج بالنبوة الإلهية ، تلك النبوة التي وعد فيها الانسان وعد كسر الاغلال ورفع القيود عن الرقاب ، رسالته كانت محور لإعادة بناء هيكلة المجتمع وتغيير تضاريسه الغامقة التي أتعبت كاهل البشر وحطمت كثيراً من أحلامهم ..
لم تكتفي أفكار البشر في تلك الزمرة الزمنية بالتفكير باستعباد أهل الارض الضعفاء فقط بل تمادوا وتمادوا حتى وصل الأمر بأبٍ يستعبد إبنه فقط لان لون بشرته الغامق بقصة عنتر بن شداد المعروفة للجميع ، ذلك الفارس الشجاع الذي تألم بسبب معاملةِ أبيه أولاً له وقبيلته أخراً وأمثالُ هذه القصة الكثير مما عرف أو لم يعرف ..
لم يجيئ الاسلام الا لإنقاذ الامم من الجور على نفسها ، ولم يجيء الا تغير تلك المفاهيم التي زرعة بعقلياتهم المتحجرة .
جاء هذا الدين ليساوي الانسان مساوات أسنان المشط ، وأول ما عمل عليه هو التخلص من عبودية الانسان للانسان وتكوين علاقة الاخوان بين أبناء هذه الامة وتلك وفق مبدئ يحق الحق ويعطي كل ذي نصيب نصيبه بشكلٍ لا يحرم إنسان من مداولة حقوقه أو تقييد أفكاره فكان النبأ الصادق أبلغ من بوح العصبية المتسيدة فقال جل من قال : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } ، كان هذا النص بقعة أملٍ تُعطي لبلال الحبشي وأمثاله ممن جارت عليهم الدنيا فرصة بالحياة تغنيهم عن الحاجة المذلة لمالكه الظالم الذي رأى في وقت انه لابد من قتله لمجرد انه أحتضنَ تبليغ النور محمد (صلى الله عليه واله) ومن أين جاء بهذا الحق فقط لأنه يملكه ، بينما رسول الرحمة يبعث بمن يشتريه ليعتقه لتكون سين بلال عند الله خير شينٍ تُذكر بأذان داعية السماء الى الصلاة ويكون مؤذن الاسلام رفيع المستوى بعد تخلصه من قيود العبودية ..
بعد كل هذا من يدعي إن الاسلام رضي بالقيود والرق والعبودية يكون جوابه أنت لا تعرف شيئا عن الاسلام ونظرته لهذا المبدأ والعصبية لا تفيد اهل العقل بشيء ..
ولم ينتهي مسلسل تخليص العباد من قيودهم عند هذا الحد فقد عمل اهل الذكر والمعروف على تطوير هذا المبدأ - مبدئ تحرير العبيد – ليعطوا مثلاً رائعا بنبل الانسان وحرصه على حفظ الادمية وزرع الثقة بين المجتمعات وخير دليل على ذلك ما فعله الامام زين العابدين (عليه السلام) كمثال كبير بروعته وسلامةِ جهوده ، فقد كان يدخل السوق في كل عام ليخلص رقاب الفٍ على الاقل من مختلف الوان البشرة ومن مختلف البلدان فيُخرجهم خلال سنة كاملة محملين بالعلم والمفاهيم السامية من خلال زرع الدين والفكر فيهم ليؤسس من خلالهم مدارس الاسلام التوعوية الناشرة لمبادئ الدين الحقيقة ، فيتعرفون على معناه من خلال بوابته الكبيرة بيت النبوة ومهبط الوحي والتنزيل .
في السنوات الاخيرة تعرض الاسلام قبل غيره لحملةِ تغييرٍ لملامحه وتشويهٍ لصورته جاء بها أشباه الرجال وخوارج الزمان كان طموحهم الوحيد تشويه صورته النقية امام العالم كله حيث داعش الذي قتل الاطفال وسبى النساء وهجر الامنين من بيوتهم بدعوة فتحٌ من فتوحات الاسلام ، ولكن هل يقبل الاسلام بالاعتداء؟! الاسلام الذي لا يقبل بالضرر و الضرار وأذية الجار والاخوان ويعمل على إنشاء علاقات متزنة بين كل المجتمعات بألوانها المختلفة وأطيافها المتعددة ، الاسلام الذي ذوب معنى العبيد – عبودية الانسان للانسان – ليدعو الانسان الى الحرية بالتكافل والتعاون وهجران رغبة الانتهازية وتحطيم صنم الجموح الى الرغبة بقتل الحب والرحمة ..
كان الاسلام الاسبق الى دعوة التخلص من معنى الخضوع بالبناء والاعتماد على الذات وقد جعل هذا الحق على اهل المال والدين بمساعدة كل من يستحق المساعدة فضرب الواجب في المال الزكاة ليتولى القائم عليها مهام المساعدة بكل انواعها ، ولم يكن الحل الوحيد فقد عمل على تذويبها بالشكل المناسب فجاء بكفارات للذنوب والاخطاء التي قد يقع الانسان المسلم وهي عتق الرقبة وفي القران المجيد الكثير من الادلة والبراهين العظيمة والحجج الواضحة على ذلك ومن هذه النصوص :
1- {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92]
2- {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89]
3- {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 3]
4- {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: 11 - 14]
كل النصوص السابقة كانت عبارة عن بث حياةٍ جديدة في جسدٍ ميت غلته قيود الدنيا فخلصه الشرع لينقذه مما ينتظره من جزاء العقوبة بحلولٍ تكفل له السلامة اولاً و تضمن لغيره حياةً مطمئنة تعيد له الحلم من جديد وهذه تعد من أفضل التشاريع التي سنها قانون الانسانية لزرع الامل في قلب كل اهل العالم وفيه ضربٌ واضح وصريح لرحمة التي نادا بها وعمل على تطبيقها رسول الاسلام ليكون كما قال رب الخلق أجمعين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=114410
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 01 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16