• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الله وخير الله طلفاح .
                          • الكاتب : د . نبيل ياسين .

الله وخير الله طلفاح

أمير المؤمنين حمد بن جاسم

سأذهب(رأستا) إلى الموضوع. ولا ادري أي موضوع لان المواضيع أصبحت لاتعد ولا تحصى. ورأستا هذه لغة. لغة تتسع وتنضم إليها مفردات كثيرة وردت إلى اللهجة بعد الحروب. فإذا سمعت (تكة) فهذا يعني أن عشرة علب سجائر لم تعد(كلوص) كما كانت من قبل بالعراقي. وإذا سمعت ( ضربه بوري) فهذا يعني أن (لعب عليه) قد انقرضت.
أود أن أتحدث عن موضوع اللغة والتطور الاجتماعي. فكارثة انقراض اللغة تشير إلى كارثة أخرى هي انحطاط الثقافة الاجتماعية وتأثرها المستمر بالأطراف وليس بالمراكز. فالذي يحدث هو أن الأطراف الهامشية تاريخيا وثقافيا صارت تؤثر على المراكز التاريخية للحضارة مثل بغداد، حيث تأتي إليها من الخليج، الأحلام والأوهام والتمنيات واللهجات والملابس من الحجاب الخليجي إلى الغترة والعقال لرجال الدين، إلى البيبسي والجبس والأطعمة المسماة Junk Food
أي الأطعمة الفاسدة والمبتذلة المليئة بالشحوم والمسمنات.
اللغة انعكاس للتفكير، فإذا فسدت اللغة فهذا يعني أن التفكير قد فسد. وقد فسد التفكير لان الدولة فقدت هيبتها ولان الفرد العراقي لم يتحول إلى مواطن فدخلت إلى اللغة مفردات مثل شيعي وسني. وإذا لم توجد الدولة وجدت مفردات مثل فدرالية المحافظات، وإذا ضاعت هيبة الدولة أصبح البرلمان سلطة تنفيذية وكل موظف في مؤسسة حكومية مشرعا يضع قوانينه الخاصة في المساحة التي تحتلها طاولة عمله فيضع سعرا لتمشية المعاملة وسعرا للتوقيع عليها. وإعلام الخليج صار يستخدم جملة (خليج واحد) مكرسا فكرة الخليج بدلا عن الأمة العربية الواحدة حتى تسربت أخبار دبلوماسية مفادها أن أمير قطر يعمل على إعلان نفسه أميرا للمؤمنين في خلافة إسلامية خامسة جديدة تضم خمس أو ست دول على رأس الحكم فيها الاخوان المسلمون ومن يشبههم ولذلك كانت زيارة زعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي إلى قطر جزء من هذه الخطة خاصة وان قوى سياسية تونسية رفضت بحزم حضور أمير قطر جلسة البرلمان التونسي الأولى التي ستعقد لاحقا، وان أرقاما فلكية لحجم التمويلات القطرية والخليجية للقوى السلفية في مصر وتونس وليبيا قد تم الكشف عنها وصلت إلى 300 مليون جنيه وهي مبالغ قادرة على تشكيل حكومات موالية لقطر والسعودية والإمارات والكويت التي دفعت المبالغ.
وسيكون أمير مؤمنين جمهورية الخلافة الخامسة، بعد الراشدة والأموية والعباسية والعثمانية،، أضخم أمير للمؤمنين، خاصة وان السيدة موزة، زوجته، يمكن أن تدير شؤون المسلمين تطبيقا لقول الشاعر عبد الرحمن بن همام السلولي  بعد مبايعة معاوية لابنه يزيد بولاية العهد:
فان تأتوا برملة أو بهند
                            نبايعها أميرة مؤمنينا
إذا ما مات كسرى قام كسرى
                            تعد ثلاثة متناسقينا
لقد ضاعت رعيتكم وانتم
                        تصيدون الأرانب غافلينا
ورملة هي أخت يزيد.
وإذا كان مفهوم الجيل مهما في حياة الأمم والشعوب فانه غير مهم، بل ملغي، في حياة العراقيين. فكل موظف كبير، مثل الرئيس العربي، لا يخرج من السلطة إلا بانقلاب أو بالموت. ولحسن الحظ صار الانقلاب اليوم تظاهرات واحتجاجات واعتصامات وشعارا قويا جدا(الشعب يريد إسقاط النظام)، فما أن يخرج موظف كبير إلى التقاعد حتى يعين بمنصب خاص فوق الأعمار التي بيد الله والتي أصبحت بيد القادة السياسيين اليوم. ولذلك لا يخرج إلا إلى الآخرة. فالآخرة صارت مكان تقاعد السياسيين العراقيين.
والعراق لم يحظ بالحصول على دولة، لا في العهد الملكي حيث كان الشعب في عزلة والطبقة السياسية ضيقة لا تتسع إلا لعشرة رؤساء وزارات متصاهرين ومتناسبين ومتزوج احدهم من الأخر، ولا اعتراف بوجود الشعب. وبعد سقوط الملكية احتل الشارع، وهذا تاريخ عشناه وما نزال ندفع ثمنه ولا يحل المشكلة اتهامنا بالعداء للأحزاب، شعاران احدهما للشيوعيين وهو( ماكو مؤامرة اتصير والحبال موجودة) والآخر للبعثيين وهو (اعدم.. جيش وشعب وياك يامجلس الثورة)  وهذا العنف الثقافي للأيديولوجيات السياسية تركز مثل الفيتامينات الصناعية في عهد صدام ولكنه لم ينته من الأحزاب الأخرى التي لا تعترف إلا بنفسها ولذلك غابت التعددية وتحولت إلى نزعات انفصال باسم الفدرالية أو باسم العروبة أو باسم النفط أو باسم المذهب أو باسم العشيرة. وغاب القانون واضمحل دور الدستور.

الشارع بدل القانون

وفي يوم 8شباط 1963; اقتحم بيتنا فريق من الحرس القومي البعثي يقودهم لاعب كرة يعرف باسم فيوري تيمنا بطائرة فيوري السريعة. ومنذ ذلك اليوم أصبح (القانون) بيد أبناء الشوارع وليس بيد الدولة. ومنذ ذلك اليوم حلت (الشرعيات) الثورية والانقلابية والحزبية محل شرعية القانون وصار العراقي خاضعا لأشد أنواع العسف العسكري والمدني والميليشي.
وإذا كان هناك آلاف البعثيين يغضبون مما نكتب وآلاف الشيوعيين أيضا (مع الفارق) فان التاريخ حين يصبح تاريخا محرما فان القتلة واللصوص والسجانين والجلادين يعودون للعب أدوارهم من جديد ويعود الضحايا إلى مواقعهم كضحايا مرة أخرى، وإذا كان تاريخ الأحزاب العراقية محرما ولا يجوز الكتابة عنه فان هناك ملايين العراقيين خارج هذه الأحزاب ومن حقها أن تعرف ما الذي جرى لها ومن الذي أوصلها إلى حضيض العيش في بلد اسمه العراق يتغنى به الجميع ويتألم به الجميع ويفخر به الجميع ويدفن بالفقر والعزلة والحرمان فيه الجميع.
بلد يرعبك فيه مقطع من فيديو يظهر تحقيقا مع امرأة شابة تسمع فيه لغة لا توجد إلا في أخس أفلام الجنس أو في أخس الشوارع الخلفية للمدن يطلقها محققون حكوميون منفلتون من القانون ومن الدين ومن الأخلاق ويحدث هذا في دائرة أمنية في محافظة واسط وليس في مبغى. واعتقد أننا يجب أن ندعو مجلس القضاء الأعلى للتحقيق في هذا السلوك ووضع ضوابط قانونية تنظم عمل هيئات التحقيق وإلا أصبح المواطن العراقي (عبدا) آبقا من الأزمان القديمة.
من واجبنا أن نكتب التاريخ وان نعيد قراءته وكتابته وفق مصالح بلادنا وشعبنا ومن واجبنا أن نطالب جميع الأحزاب التي شاركت في أحداث العراق، في السلطة وخارجها أن تمارس النقد وإلا ظلت قدسية الخطأ
هي التي تقود التاريخ، وإذا لم تفعل فنطلب منها أن لا تعترض على إعادة كتابة تاريخ آلامنا وجروحنا وتضحياتنا. وإذا أردنا أن نكون مواطنين في دولة فعلينا أن نكفر بقدسية الأحزاب وعصمتها الملفقة التي صنعت بعذابات الناس وقمع آرائهم وتدمير أفكارهم.
لم نعش على هامش الحياة وإنما في خضمها ورأينا ولمسنا وعشنا عذاباتنا وعذابات الآخرين وبؤسهم واليوم نرى ذلك يتكرر ويعيد نفسه في احتقار فظ لحقوق البشر ومطالبهم فحتى الوظائف الصغيرة تسرق من حق الم=واطنين وتعطى مقابل رشوات أو مقابل مصالح متحاصصة.
وإذا كان لبعض الطوائف 14معصوما ولبعضها الآخر 12 ألف معصوم هم جملة من دخل مكة يوم فتحها وانضم إليهم بعد فتحها لا يجوز الحديث عنهم إلا بقدسية تحفظ معصوميتهم، فان جميع قادة الأحزاب وأعضائها معصومون لا يرتكبون الأخطاء ولذلك يشتم شعبنا كل يوم ويلقى عليه اللوم باعتباره شعبا أميا وجاهلا ويعبد من يستعبده ولا ينفع معه القانون بل القوة ولا الدستور بل الفوضى ولا العدالة بل الاستبداد.
ولذلك ليس هناك مكان للأجيال الجديدة إلا بانخراطها (مفردة لا أحبها) في عبادة الفرد وتقديس القادة والإيمان بمعصومية السياسيين.
واعتقد أن (نصب الحرية) مقدس لدى كثير من العراقيين أكثر من قدسية نصب الحرية في نيويورك أو قدسية بعض المقامات الدينية، بحيث طغى تقديس هذا النصب على حدود العلاقة بين الفرد والوطن، إلى حد أن النصب أصبح بديلا عن العراق واعتقد أن الفنان جواد سليم قد اخذ فكرته من نصب موجود في إحدى البنايات في باريس رغم انه ليس غريبا عن تطور الفن العالمي في النصف الأول من القرن العشرين كما أن القاعدة التي ترفع النصب يستطيع أي (اسطة) عراقي أن يصممها لأنها قاعدة ذات شكل طبيعي وليست ذات شكل فني. كما أن نصب الجندي المجهول السابق هو نسخة طبق الأصل عن نصب الجندي المجهول اليوناني. وأقول ذلك ليس كرها لأحد وإنما كرها للتقديس الذي كرسته أحزابنا وجعلت الإيمان به شرطا للوطنية. وسترون بعض الردود التي تشكك بوطنيتي لأني أقول ذلك. والسبب أن نوعا من عبادة الأجداد وجد في العراق في النصف الثاني من القرن العشرين وتصاعد في السنوات الأخيرة. فمسرحنا مسرح خمسيني يتربع على عرشه الهاوي ممثلون ظهروا في الخمسينات وخاربوا الأجيال التي جاءت بعدهم وفننا التشكيلي فن خمسيني لا يقبل احد للأجيال الجديدة أن تتجاوزه رغم أن فيهم من هو أفضل من جيل الخمسينات وشعرنا كذلك وسياستنا أيضا.
ولا غرابة في ذلك إذا كان من يتولون وزارة الثقافة عسكريون أو ضباط شرطة، ولا غرابة في ذلك إذا كان مثقفونا حتى اليوم يتباكون بسبب تقلص أبوية السلطة لهم في حين أنهم يجب أن يسجدوا شكرا لله لأنهم أصبحوا أحرارا وباستطاعتهم أن ينطلقوا بابداعاتهم للناس وليس للحكومة، والثقافة تطورت في العالم الآخر لأنها مدنية وليست حكومية.

احلام ثقافية ضد السياسة

ولدينا وزارات ترقيع وليس وزارات تخطيط ، ولذلك يبدو العراق مثل ثوب بال مرقع بألوان غجرية ستزيد منها طريقة بناء البلوكات التركية الملونة بهرجة وتخلفا. وفي وقت ترى فيه العالم يبني ترانا نخرب وكلما مررت على مكان مزدهر في الغرب تذكرت بؤس العراق، وقبل أيام ركبت قطارا جميلا وسريعا وزاهيا ومريحا إلى مطار ستانستد في شمال شرق لندن وحزنت لان الطريق إلى مطار بغداد رحلة شاقة ومحفوفة بالمصاعب فأجريت في ذهني تخطيطا لأربعة خطوط قطارات إلى مطار بغداد، واحد من شرق بغداد حيث بغداد الجديدة والمشتل والأمين والغدير والبلديات يمر بالباب الشرقي وعلاوي الحلة والمنصور والعدل والشرطة والمأمون ثم ينتهي بالمطار، وآخر من الدورة والسيدية والبياع والعامرية وغيرها وثالث من الأعظمية والكاظمية والحرية والشعلة وغيرها ورابع من مدينة الثورة أو مدينة الصدر وجميلة والباب المعظم والعطيفية والجعيفر وهكذا. لكن تخطيطي انتهى حين وصلني إيميل على البلاك بري الذي احمله وفيه بطاقة عمل أو (بزنس كارد) لنائبة في البرلمان وهي عضو في لجنة المرأة في البرلمان وكان مكتوبا فيها باللغة الانجليزية (عضو لجنة المرآة البرلمانية) فقلت لا حول ولا قوة إلا بالله، إذ يبدو أن ابنها وضع الجملة العربية في برنامج غوغول للترجمة وكتب كلمة (المرأة) بالمد (المرآة) فحدث الخطأ الذي لم تساعد ثقافة النائبة على التعرف عليه. وهكذا صارت لدينا في البرلمان لجنة للمرايا بدل المرأة.
ومررت بغابات وبساتين وأراض خضراء وانهار وبحيرات فتذكرت أن واجبي الآخر في التخطيط هو أن انصح المصلين العراقيين بالإسراع في بناء متر مربع من التراب النظيف استعدادا للتيمم بعد أن يجف نهرا دجلة والفرات وينعدم الماء في بلاد الرافدين. وسمعت مذيعا في الجزيرة وهي قناة مهنية جدا يقول: شهران مران، وهو يقصد شهران مرا، وهذه أول مرة اسمع فيها فعلا ماضيا يثنى،  وقلت أنني سأوجه رسالة للاخوة السياسيين العراقيين اقول لهم فيها: بعد ان قطعتم الكهرباء وقللتم الماء وافسدتم الهواء وجثمتم فوق صدورنا كالحجر الصلد ارجو ان تقدموا مشروع قانون لحماية العراقيين من ضروب القمع الذي يتعرضون له في التحقيق وتعزيز سلطة القانون والقضاء بدل ان تنشغلوا بتصفية حسابات مع الاخرين، فقد طالب أعضاء لجنة النزاهة البرلمانية مجلس النواب بسحب الثقة وعدم منح أي منصب حكومي للمسؤولين الذين يمتلكون الجنسية المزدوجة. حيث قال مقرر اللجنة في بيان صحفي «أن هذا الأمر دستوري ومطلب وقع عليه أكثر من 70 نائبا في البرلمان» حيث عد  المقرر  أن الجنسية المزدوجة تجعل من المسؤول غير حريص في أداء المهام الموكلة إليه، فيما أتهم آخرون بقضايا فساد مالي واداري اغلبهم يمتلكون الجنسية المزدوجة تمكنوا من الهروب إلى خارج البلد ولم يتمكن احد من تقديمهم للعدالة حسب قوله. كما وطالب المقرر في البيان إصرار اللجنة على إسقاط الجنسية الثانية والإبقاء على الجنسية العراقية. لأنها تمثل الانتماء الحقيقي للعراق وشعبه. تعال يا مقرر نعدد كم من الفاسدين من لا يحمل غير جنسية واحدة هي الجنسية العراقية ثم نحتكم. خاصة وان أحدا من هؤلاء الذين لا يحملون جنسية أخرى لم يقدم لمحاكمة أو يسجن أو حتى يدان ويحاسب.
والموظف الفاسد الذي مضى عليه أكثر من عشرين عاما في الوظيفة ولا ينجز معاملة الا بالرشوة، هل هو نزيه وغير فاسد؟ ولماذا لا يحال الى القانون خاصة وانه لا يستطيع الهروب  وفق منطق المقرر؟
ثم ما علاقة لجنة النزاهة بحمل جنسية ؟ فالموضوع من اختصاص اللجنة القانونية في البرلمان، وهذا التداخل في الصلاحيات ليس جديدا في العراق منذ 2003وحتى الآن. نعم لدى المقرر حق في أن الفاسدين الذين يحملون جنسية اخرى يفرون ولا يقدمون للعدالة. ولكن صدقني يا حضرة المقرر ان هذه القضية سياسية وليست قانونية ويمكن للحكومة العراقية ان تطالب الانتربول بهم لان حكوماتهم تحميهم بعيدا عن القانون ويمكن إحراج تلك الدول بأنها تؤوي المجرمين وتوفر لهم ملاذا آمنا وتلك قضية كبيرة لو تمت متابعتها وستكون أقوى من إسقاط الجنسية. إضافة لذلك استطيع أن اعدد لك آلافا ممن يحملون جنسية أخرى من النزيهين والحريصين على المال العام والحفاظ على حقوق العراقيين. وأقول لك أن المشكلة لا تتعلق بالنزاهة وإنما بتصفية خصوم سياسيين والانفراد بالسلطة عن طريق تشريعات غير ديمقراطية. واكرر نصيحتي المخلصة لجميع البرلمانيين ولجميع اعضاء الحكومة بمن فيهم رئيس الوزراء ان لايقدموا مشاريع قوانين لا تنجح عملا بنصيحة ارسطو الذي يقول( في الدولة لا تقدم على شيء لا تستطيع تحقيقه)، والدولة الفدرالية أصبحت دولة سوريالية، والسوريالية تعني فوق الواقع. ولذلك سيكون اعلان المحافظات فيدراليات عملا سورياليا لكنه لا يضاهي أعمال الرسام سلفادور دالي السوريالية.
وتشهد بين فترة واخرى سقوط البدائل السياسية لهذا النظام الذي لم يستقر بعد. وكثير من سياسيينا واعضاء مجلس محافظاتنا لايعرفون تاريخ العراق ولا واقعه الحالي، واذا كانت هناك مدارس تدرس التاريخ فان دراسة الواقع الحالي لاتدرس في المدارس بعد. ولذلك ضاع علينا الواقع واختلط مجرمو العراق بأبطاله ، ولصوصه بشرفائه، وباعته بمشتريه بأرواحهم، وشهداؤه بقتلتهم. والمشكلة الكبرى التي تواجه العراق هي غياب الجريمة. هي لا تسجل حتى ضد مجهول ولكن تغييب الجريمة واعتبارها عملا سياسيا ولذلك لا جريمة منذ الخمسينات حتى اليوم. لان القتل سياسي والفساد سياسي والعنف سياسي، والقانون خاضع للسياسة والتعليم سياسي وحصول المواطن على حق النوم سياسي وحق حصوله على ثلاث وجبات أكل سياسي، وتبليط الشوارع سياسي، وتوظيف العاطلين عن العمل سياسي، وهكذا تلعب السياسة بالعراقي ( شاطي باطي) كما يقول المثل العراقي. ولذلك يكون من حق حزب البعث اعتبار نفسه شهيدا وصدام شهيدا بحيث يبنى له مرقد وهو معدوم بقانون كمجرم ومبيد للجنس البشري، واعتبار كل ما قام به البعث أعمالا بطولية ذهب ضحيتها ملايين الجراد والبعوض والحشرات الأخرى، لان الإنسان بمفهوم البعث، وغير البعث مع الأسف، هو حشرة ناطقة. ولكي تعيش على هذه الحشرة أن تبقى صامتة ولا تقترب من الكلام لان الكلام هو النار التي تحرق الفراشة. وسنرى بعد قليل كيف يتكلم الناطق باسم حزب البعث.
وقرأت ان طلبة جامعة بغداد يتظاهرون امام رئاسة الجامعة وطربت لهذا الخبر، خاصة وان الجامعة لا تنشغل بمستوى التدريس وعمق المناهج وظروف الدراسة وانما تنشغل بالزي الموحد الذي كان البعث اكبر المصرين عليه، ليس للمساواة وانما لتحويل الطلبة الى قطيع مطيع. والزي الموحد احد مكونات الأنظمة الفاشية والدكتاتورية لانه يعني اخضاع الجموع لشكل واحد باعتبار هذه الجموع اطفالا يطيعون اوامر عسكرية، والزي الموحد هو لباس البعث لعسكرة التعليم فلماذا تصر جامعات النظام الجديد على فرضه على الطلبة واعتباره المشكلة الكبرى والوحيدة لهبوط مستوى التعليم في العراق وادلجته وتحويله الى تعليم الملايات المنقرض. والدليل ان الطلبة قدموا ماهو اهم وهو مطالبتهم بتوفير المختبرات العلمية اللازمة لبناء بلد لايبنيه ارتداء زي موحد. واكثر من ذلك رأيت الحرس الجامعي بأم عيني وليس في صورة، كيف يتصرف ويتحرش بالطالبات ويضطهدهن باعتبارهن جواري، من خلال صلاحيات لا يوفرها اي قانون لهم، مما يذكر بأعضاء الاتحاد الوطني لطلبة العراق وأعضاء الجيش الشعبي وميليشيات الامن والمخابرات الصدامية. متى يحين الوقت لاعتبار طلبة الجامعات شبابا ناضجين وراشدين تخطوا الثامنة عشرة ويجب اعدادهم علميا وثقافيا لادارة العراق بعد ان ينقرض جيل الاربعينات والخمسينات السياسي الذي لا يريد ان ينقرض فكأنه يعمر كما عمر (لبد) نسر لقمان الحكيم.
والذين يصرون على فرض ازياء موحدة وما شابهها من ضغوطات وممارسات، هم واحد من ثلاثة، اما بعثي لا يريد ان يتخلص من عقلية القمع وتحويل الناس الى قطعان، واما متشبه بالبعث وعقليته القمعية ايا كان لون ايديولوجيته، واما متحد للبعث بطريقة ان البعث ليس اقوى مني بتحويل الشعب الى قطيع مطيع وان القمع هو مصدر السلطات. والسلام عليكم في هذه القصة. ولكن بعد السلام عليكم اقول ان منع الصحفيين من تغطية الحدث امر جربه اعلاميو صدام وفشلوا لان الحقيقة تمشي على الارض وتصل الى هدفها.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=11515
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 11 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29