• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : دراسة نقدية ذرائعية لقصيدة .
                          • الكاتب : د . عبير يحيي .

دراسة نقدية ذرائعية لقصيدة

الدراسة من إعداد الناقدة الذرائعية المغربية : د.شامة المؤذن

أولًا _ المقدمة:

عند الشروع في عملية النقد، يقوم الناقد بإلغاء الذات والنظر للمادة الأدبية المراد نقدها نظرة الحياد مستعينا بآليات ومداخل علمية وهذا ما تسلكه النظرية التحليلية الذرائعية للمنظر العربي الأصل العراقي النشأة الأديب الدكتور عبد الرزاق عودة الغالبي ،وهي نظرية نقد عربية حديثة قدمها أطروحة نال بها شهادة الدكتوراه من جامعة ستراتفورد الأمريكية في الهند.

و النظرية الذرائعية تهتم بشكل النص الخارجي كما تهتم بالمضمون و تمكن الناقد الذرائعي من التفاعل مع النص المنقود جماليا وعقلانيا عبر مداخل محددة واضحة، كما تمنحه المساحة الكافية لاستحضار الخلفية الأخلاقية والإيديولوجية للأديب وتجنب تكسير القشرة والاكتفاء بما حصل عليه أثناء ملاحقته  للمعاني المؤجلة في النص تاركا للقادم بعده من النقاد اصطياد الباقي

وسأعتمد المنهجية الذرائعية في نقدي هذا لقصيدة شدني إليها ما تتضمنه من معاني وصور شعرية، لشاعر هو واحد من أبرز أوجه الشعر العربي الحديث. جمع بين فني الإبداع والنقد ويعتبر من أهم الدارسين للشعر العربي الحديث إلى جانب نازك الملائكة وعز الدين إسماعيل، وإحسان عباس وريتا عوض ومحمد النويهي وغالي شكري ومحمد بنيس وناجي علواش وأدونيس وغيرهم. والشاعر هو الشاعر والناقد أحمد المجاطي.تصدر ريادة الشعر المغربي الحديث.قال في حقه الناقد المغربي نجيب العوني: [يكاد يكون الاقتراب من أحمد المجاطي يكون اقترابا من القصيدة المغربية ذاتها، في طور انبثاقها وتخلقها، وفي طور استوائها واختمارها ثانيا] من كتاب " درجة الوعي في الكتابة "ص 41

-نبذة عن حياة الشاعر

أحمد المعداوي أو أحمد المجاطي ،اسمان لشخص واحد ولكنه اشتهر بالاسم الثاني

ولد أحمد المجاطي بمدينة الدار البيضاء سنة 1936.وأعتبر من المؤسسين لحركة الحداثة الشعرية بالمغرب. تلقى دراسته بين ثلاث محطات: الدار البيضاء والرباط ودمشق.حصل على الإجازة في الحقوق من كلية الآداب بدمشق،حصل على دبلوم الدراسات العليا من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1971 كما حصل على الدكتوراه في الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط.امتهن التدريس بجامعة محمد بن عبد الله بفاس سنة 1964 وبعد ذلك انتقل للتدريس بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط.

انضم إلى اتحاد كتاب المغرب سنة 1968.فاز بجائزة ابن خلدون للشعر التي يمنحها المعهد الإسباني/العربي للثقافة بمدريد سنة 1985 بديوانه "الفروسية"،كما فاز بجائزة المغرب الكبرى سنة 1987.أنتخب رئيسا لشعبة اللغة العربية بكلية الآداب بالرباط سنة 1991.كان عضوا بارزا في تحرير مجلة أقلام مغربية،كتب مقالات والعديد من القصائد،نشرت في جرائد ومجلات وطنية و عربية كمجلة: آفاق، العلم، الأهداف، المحرر، المعرفة، الثورة العراقية، أنفاس، الإتحاد الإشتراكي، دعوة الحق،الشروق، الآداب اللبنانية، أقلام العراقية...

توفي أحمد المجاطي سنة 1995 بعد سنوات زاخرة بالعطاء التربوي البيداغوجي وحافلة بالعمل والاجتهاد والإبداع الشعري و الكتابة والدراسة النقدية

إصدارات الشاعر

-الفروسية  ديوان شعر نشر من قبل المجلس القومي للثقافة العربية سنة 1987 وأضيفت إلى الديوان سنة 2001 قصائد كانت قد نشرت  في آفاق وأقلام وأنفاس.

-أزمة الحداثة في الشعر العربي المعاصر وهي عبارة عن دراسات نقدية سنة 1983.

-ظاهرة الشعر الحديث سنة .2007

القصيدة

كبوة الريح

على المحيط يستريح الثلج والسكوت

تسمر الموج على الرمال

والريح زورق بلا رجال

وبعض مجداف وعنكبوت

من يشعل الفرحة في مدامعي؟

من يوقظ العملاق من يموت؟

رائحة الموت على الحديقة

تهزأ بالفصول

وأنت يا صديقة

حشرجة ودمعة بتول

ووقد أقدام على الطلول

تبحث عن حقيقة

عن خنجر،عن ساعد يصول

وكأن ريش النسر في جراحنا العميقة

فما وصمتا ظامئا دقة الطبول

لعصفة من كرم الريح تبل ريقه

وحلبة النزال،أي غيمة رقيقة

تحوم حول كبوة الخيول

عودوا بأشلائي،دمي لم يبتسر طريقه

من مد للفجر يدا يستعجل الوصول؟

من شد عن صخرة ظنوني؟

ومد منقار إلى عيوني؟

يا سارق الشعلة إن الصخْب في السكون

فاقطف زهور النور، عبر الظلمة الحرون.

نحن انتجعنا الصمت في المغارة

لأن نَتْنَ الملح لا تغسله العبارة

فانزل معي للبحر تحت الموج والحجارة

لا بد أن شعلة تغوص في القرارة

فارجع بها شرارة

تنفض توْق الريح من سلاسل السكوت

تعلم الإنسان أن يموت....

 

ثانيًا-البؤرة الثابتة للنص:

يسعى الناقد الذرائعي لإبراز البؤرة الثابتة أو المكون الثابت في أي منتوج أدبي لرصد النص بمنظار تحليلي شمولي لهيكلته البنائية والجمالية والفكرية للوقوف على المغزى العام لثوابت الشاعر الفكرية والأدبية وقناعاته الشخصية وميوله واتجاهاته الإيديولوجية اتجاه مجتمعه خاصة و تجاه الإنسانية عامة.وشاعرنا أحمد المجاطي متيم بالوطن، كثير الانشغال بالتفكير فيه مكتويا بنيران همومه وكما يتضح جليا ومن دون أدنى شك.فقد طبعت قضية الوطن خصوصا وقضية الوطن العربي عموما ملامح القصيدة حزنا وتدمرا، والقضية أرقت مضجع الشاعر وأردته حبيس مخالب الشعور بالذل والمهانة وهي الظواهر السلبية التي خيمت على الواقع العربي ،منذ النكبة الأولى فيحز في نفسه رؤية الوطن العربي مسلوب الإرادة وهو صاحب التاريخ العريق، الزاخر بالأمجاد والبطولات والرقي والحضارات.

ثالثًا-الاحتمالات المتحركة في النص شكلًا ومضمونًا:

يقول المنظر الدكتور عبد الرازق عوده الغالبي في كتابه ( الذرائعية في التطبيق ): (من تلك المحطة –أي الاحتمالات في النص-ينطلق الناقد المتبصر بمجريات النص الداخلية وملاحقة حلقات الأفكار المتصلة فيما بينها بالتحليل واللهاث خلف الدلالات والرموز والأفكار المتعاقبة والمكملة لبعضها ،فيسلك سلوك صياد اللؤلؤ، كلما غاص عميقًا كان صيده وفيرًا ودسمًا )

إن أول ما يجذبنا للنص مشارفه وعتبته وعنوانه و "كبوة الريح " عنوان مستفز، مثير للتساؤلات ويدعو للتقصي وذلك بالغوص في أعماق النص لاستجلاء خفاياه وكشف مخبوءا ته وسآخذه كمثل في هذا المدخل.

كبوة:  دال سلبي، يعني سقطة، عثرة، زلة.

الريح: الهواء إذا تحرك، الرحمة، القوة، النصر، الغلبة، الدولة.

فالعنوان " كبوة الريح "،مدخل أساسي لقراءة النص وفهمه وهو يختزل مضامين الشاعر وتوجهاته ورؤاه الفكرية ويحيلنا على مجموعة من الدلالات العميقة والقوية ؛فالقصيدة ذات مشاعر جياشة متداخلة فيما بينها وروح الشاعر مشحونة بجرعات يأس كبيرة ساقتها نتائج الأوضاع التي يتخبط فيها الوطن العربي والوطن عموما هو صمام الأمان، الحضن الدافئ والراعي الأمين لاستقرار أبنائه، فكيف للشاعر ذو الإحساس المرهف الرقيق أن يقبل بهذا المصير، فمشاعر الخيبة تنخر دواخله والبؤس النفسي يزج به في عوالم الاغتراب و الانطواء والإحباط. وهذا الإحساس نلمس انتشاره على امتداد القصيدة وهو الشعور الذي لازم الشاعر أحمد المجاطي طوال حياته.

1-المدخل البصري:

اعتمادا على النظرية الذرائعية لنقد النصوص الأدبية ،فإن رصد المدخل البصري لأي نص هو رصد للمشهد الظاهري والشكلي للقصيدة من وزن وقافية وتفعيلة وجمل وطريقة ترتيب الجمل الشعرية وأعمدتها وتنسيقاتها البصرية وكذلك ملائمة الألفاظ والسياقات الشعرية ثم الانتباه لأدوات التنقيط وبالتالي يصنف النص حسب شكله وتكوينه البصري إلى جنسه الأدبي وهويته اللغوية ويحدد موقعه من الشعر ويصار إلى التجنيس الذي يميز نوعه الدقيق؛ حينها يعمد الناقد الذرائعي إلى تصنيف النص من حيث البناء والشكل والأسلوب اللغوي ،كأن يكون شعرا قريضا موزونا أو حرا بتفعيلة ،أو قصيدة نثرية.وذلك لأن لكل جنس أدبي تكوين بصري وشكلي خاص يميزه عن باقي الأجناس الأدبية الأخرى.

ومن خلال رصدي للمشهد الظاهري والشكلي فالتجنيس الأدبي لقصيدة "كبوة الريح" هو شعر التفعيلة،

والقصيدة مكونة من اثنين وثلاثين  سطرا متفاوتة الطول حسب الحالة الوجدانية و الدفقة الشعورية للشاعر، كما تخضع لحبكة في البناء وانتقاء سلس للألفاظ والمفردات والسياقات الشعرية، أما بالنسبة التفعيلة فهي على أكثر من حرف. وعلامات التنقيط المرصودة فهي علامة الاستفهام والفاصلة، والنص مأخوذ من ديوانه الوحيد " الفروسية " والذي يضم بين دفتيه ثمانية عشر قصيدة

-البيئة الشعرية

ينطلق الناقد الذرائعي بتحليله النقدي من البيئة الشعرية للنص ملما بجميع الجوانب المحيطة بالشاعر والمؤثرة فيه وجدانيا وعاطفيا.

فالبيئة الشعرية للنص هي المدخل الرئيسي لمعرفة وفهم الحالة النفسية والاجتماعية للشاعر.فالشاعر ابن بيئته وأحمد المجاطي لم ينسلخ عن بيئته ولم ينأى عن محيطه القومي، بل ظل منشغلا بهمومه متألما لأوجاع المرحلة المتزامنة وتفتق ملكته الشعرية وبلوغه أوج الوعي والنضج الثقافي الرزين.كان يشعر بحالة الانكماش والبؤس وطغيان الحزن على كل الملامح ويرى الوطن العربي بعيدا عن أي تحرك أو انخراط يقوده إلى انبعاث حقيقي يخرجه من قوقعته وهذا من أسباب شعوره بالإحباط والتدمر ودخوله مراحل الانزواء ثم التمرد..:

على المحيط يستريح الثلج والسكوت

تسمر الموج على الرمال

والريح زورق بلا رجال...

رائحة الموت على الحديقة

تهزأ بالفصول

وأنت ياصديقة

حشرجة ودمعة بتول

ووقد أقدام على الطلول

تبحث عن الحقيقة

عن خنجر، عن ساعد يصول

وكأن ريش النسر في جراحنا العميقة

فما وصمتا ظامئا دقة الطبول

لعصفة من كرم الريح تبل ريقه

وحلبة النزال،أي غيمة رقيقة

تحوم حول كبوة الخيول

-الثيمة ومقياس الدقة في الإبداع الشعري:

ظلت القضية القومية الهاجس الرئيسي والهم الأكبر لدى الشاعر أحمد المجاطي ،وظل الحرف متنفسه الوحيد وبلسم أوجاعه.

-مقاييس نقد المعنى:

لقياس درجة الإبداع عند الشاعر، لابد أن نلج مقياس نقد المعنى الذي يقوم على المقاييس التالية:-مقياس الصحة والخطأ –مقياس القوة والضعف –مقياس الجدة والابتكار.

-مقياس الصحة والخطأ:

وهو مقياس يعتمده الناقد الذرائعي للوقوف على مصداقية النص لغة ومعنى. بعد إخضاع النص لهذا القياس يتأكد لنا أن النص سليم اللغة ترتيبا وأسلوبا ومفاهيم. وأن الشاعر صادق في طرحه ونقله بأمانة هم الأمة و الوطن العربي على العموم وما يكابده من معاناة وأزمات،كما يدعو أبناء الوطن للانتفاض والعمل على تخليصه من حالات  الركود والجمود والنهوض به ليتبوأ مكانة أفضل ويساير ركب الدول المتقدمة

نحن انتجعنا الصمت في المغارة

لان نتن الملح لا تغسله العبارة

فانزل معي للبحر تحت الموج والحجارة

لابد أن شعلة تغوص في القرارة

فارجع بها شرارة

تنفض توق الريح من سلاسل السكوت

تعلم الإنسان أن يموت....

-مقياس الجدة والابتكار:

مقياس يعتمده الناقد البرغماتيكي لرصد كل مظاهر التجديد والابتكار والإبداع على مستوى خلق معاني ودلالات تستفز المتلقي وتثير شهيته الأدبية ؛والنص " كبوة الريح "حقق هذا الشرط ويكمن عمق الجدة والابتكار في بساطة النص ووضوح معاني ألفاظه وكلماته وقوة شاعريته:

على المحيط يستريح الثلج والسكوت

تسمر الموج على الرمال

والريح زورق بلا رجال

وبعض مجداف وعنكبوت

من يشعل الفرحة في مدامعي ؟

من يوقظ العملاق من يموت؟...

-مقياس العمق والسطحية:

مقياس يعتمده الناقد الذرائعي لسبر أغوار المنتوج الأدبي والإبحار في أعماقه الدلالية سواء أكانت سيمانتيكية أو رمزية لقياس وتقييم مدى عمقه الفكري والأدبي ومدى سطحيته والتعرف على مدى توظيف الشاعر أو الأديب لمستجدات العلوم الإنسانية والعلمية والأفكار المنطقية والفلسفية.

وأثناء عرضي للنص "كبوة الريح "على هذا المقياس ،أجده، أي النص، يتوغل في عمق المعنى والدلالات ويكشف عن عمق الجرح والانكسارات التي تنخر الجسد العربي ، كما أن أسلوب النص سلس وبلغة سليمة تنم عن ثقافة الشاعر وتمكنه من ناصية اللغة.

-مقاييس نقد العاطفة:

لا يمكن عزل العاطفة عن الشعر، فهما وجهان لعملة واحدة، لا انفصام عن بعضهما، وباب مقاييس نقد العاطفة يرتكز على مقياسين:

-مقياس الصدق والكذب:

نرى الشاعر أحمد المجاطي من خلال قصيدة " كبوة الريح "صادقا وأمينا في نقل مشاعره و أحاسيسه وما يعتريه من تدمر وقلق إزاء حالة الركود والجمود المهيمنة على الأمة العربية خلال

ستينيات القرن الماضي.

-مقياس القوة والضعف:

تميزت القصيدة بقوة العاطفة وارتفاع وتيرة انفعالات الشاعر جراء شعوره بالسخط وعدم الرضا على مآل الأمة وحالة البؤس والتشرذم.المهيمنين في كل الأرجاء

2-المدخل اللساني

وهو مدخل يوثق فيه الناقد البراغماتي ما تضمنته المداخل المقررة في النظرية الذرائعية لنقد النص الأدبي حيث يعتبر مدخل المداخل من خلاله ترصد مضامين ودلالات وتمحورات المداخل الأخرى بصفة عامة ومقتضبة وكذا الإسهاب في التركيز على الجانب اللساني اللغوي واللفظي في النص الأدبي تحت الدرس.

الشاعر أحمد المجاطي وظف ألفاظًا وكلمات فصيحة من قاموسه ومخزونه اللغوي الزاخر لنسج قصيدته "كبوة الريح " فجاءت بحبكة عالية بأبهى حلة، وفي تركيبة فنية رائعة الشكل رغم سحنة اليأس والتذمر الملموس لكنها تبقى من السهل الممتنع. أما المضمون فيعكس جوهر الواقع السائد والمهيمن. تناوله بكل صدق وبشجاعة بعيدا عن الألفاظ الدونية، محافظا على اللباقة الأدبية حتى وهو في قمة غضبه وثورته على المآل المتردي.

باستعماله أزمنة المضارع والماضي والأمر، أضفى نوعا من الحركية على النص و أسوق بعض أمثلة لاستعماله الأزمنة الثلاث:

-المضارع: يستريح. يشعل. يوقظ. تهزأ. تبحث. تحوم. يصول. تبل. يستعجل. تغوص. تنفض. تعلم..

-الماضي: تسمر. كان. مد. شد. انتجعنا

-الأمر: عودوا. فاقطف. فانزل. فارجع.

-الجمل الاستفهامية:

-من مد للفجر يدا يستعجل الوصول؟

-من يشعل الفرحة في مدامعي؟

-من شد عند صخرة ظنوني؟

-ومد منقارا إلى عيوني؟

-أنسنة وشخصنة بعض الظواهر:

-يستريح الثلج والسكوت

-تسمر الموج على الرمال

-أي غيمة رقيقة تحوم حول كبوة الريح

-رائحة الموت على الحديقة

-تهزأ بالفصول...

3-المدخل الجمالي:

باب يدخل من خلاله الناقد البراغماتيكي أو الذرائعي ليوثق البنية الجمالية للقصيدة ويتحسس البناء الفني الذي أعتمده الشاعر مستعينا بعلم العروض وبملكته الفنية وأذنه الموسيقية وحسه الموضوعي لقيمة الجمال التي تطبع القصيدة تركيبية كانت أم لغوية،مبينا فيها مدى توفر النص الشعري على معالم الجمال والتراكيب الفنية التي استأثرت بذوقه وانطبعت في حسه من موسيقى وصور ويعتمد  هذا المدخل على ثلاث دعامات أساسية وهي : الموسيقى الشعرية، الصور الشعرية، الانزياح نحو الرمز والخيال.

الموسيقى الشعرية

لقد اعتمد الشاعر أحمد المجاطي بحر الرجز في قصيدته " كبوة الريح " وكان صائبا في اختياره فقد تمكن من الحصول على فضاء إيقاعي حر مرر من خلاله ما يختلج بصدره من مشاعر ألم وخوف وإحباط، جراء عمق الجروح والتصدع الذي طال الجسد العربي نظرا لتنوع وحداته الإيقاعية فجاءت القصيدة بإيقاع موسيقى متوازن.

الصورة الشعرية

" كبوة الريح " تعبير صارخ لأحمد المجاطي يعكس صورا بليغة الأهمية لواقع مؤلم صاغها لوحات شعرية تكشف حالة الركود والسكون المخيم على جميع الأنحاء.ولم تخل الصور الشعرية من مضمون سياسي.فقد كان حلمه بعالم انساني تسوده الحرية والكرامة بعيدا عن الزيف والقهر وكانت الكتابة عند أحمد المجاطي معاناة وألم ولحظات مخاض عسير لذلك كانت إبداعا صادقا،بصور تختزل الواقع المعاش والراهن آنذاك وأضفت جمالية على النص وخدمت القصيدة ككل من ناحية المعنى والشكل والإيحاء والدلالات:

-رائحة الموت على الحديقة

تهزأ بالفصول..

-ووقد أقدام على الطلول

تبحث عن الحقيقة..

-عودوا بأشلائي، دمي لم يبتسر

من مد للفجر يستعجل الوصول

من شد عن صخرة ظنوني

ومد منقارا الى عيوني..

الانزياح نحو الرمز والخيال:

من خلال هذا المدخل ينطلق الناقد الذرائعي لسبر أغوار القصيدة لرصد صور انزياحية نحو الرمز والخيال.

استخدم الشاعر احمد المجاطي الرمز بشكل كبير معبرًا بذلك عن انزياحات عديدة جائت عبارة عن مصوغات شعرية ذات إبداع، وهو الشاعر ذو الإحساس المرهف فكيف لا يرى في الصمت الصخب وثورة كلام:

من شد عند صخرة ظنوني؟

ومد منقارا إلى عيوني؟

يا سارق الشعلة، إن الصخب في السكون

فاقطف زهور النور، عبر الظلمة الحرون

نحن انتجعنا الصمت في المغارة

لان نتن الملح لا تغسله العبارة..

الموت يهزأ من الحياة ويسرق فرص الفرح والسعادة ويبيد لذة الاستمتاع بشرارة الأمل وشعلة النصر. فهذه النظرة التشاؤمية، تعري الواقع وتكشف عن حقيقته.

على المحيط يستريح الثلج والسكوت

تسمر الموج على الرمال

والريح زورق بلا رجال

رائحة الموت على الحديقة

تهزأ بالفصول

وأنت يا صديقة

حشرجة ودمعة بتول

ووقد أقدام على الطلول

تبحث عن حقيقة

عن خنجر

عن ساعد يصول..

لكن سرعان ما تنقص حدة هيمنة هذه الرؤية السوداوية لتحل مكانها نظرة تفاؤل وتصور لحال حافل بالحياة وأمل في التحول والتغيير:

فانزل معي للبحر

تحت الموج والحجارة

لابد أن شعلة تغوص في القرارة

فارجع بها شرارة

تنفض توق الريح من سلاسل السكوت..    

أكتفي بهذا واترك باقي الانزياح لنقاد آخرين.

 

المبحث التحليلي البراغماتي

3-المدخل العقلاني:

هو مدخل يرصد الناقد البرغماتي من بوثقته، العقلانية والرجاحة في تبني خطابه الفكري الإيديولوجي المعتمد نظريا وتطبيقيا والكشف عن معقولية رسالته الصريحة والمرموزة والمتوخاة بلوغها إلى بني جلدته خاصة والإنسانية بصفة أعم.

فقصيدة ( كبوة الريح ) تعبير واضح عن مكنونات الشاعر أحمد المجاطي وما يمور بدواخله وشعره يجمع بين كمال النظم والتعبير الجميل وتناغم الانسجام والخيال الفسيح.كما كان حلمه بعالم إنساني يسع الجميع يسوده الإخاء والمحبة والسلام،فيه كرامة المواطن محفوظة ومصانة.لذا لم تخل صوره الشعرية من مضمون وخطاب سياسي.والملاحظ أن ثقافته جد ثرية بقاموس لغوي عربي فقد قدم لنا قصيدة باذخة نرصد من بين سطورها كلمة مستنبطة من القرآن :البتول وهي من الأسماء التي تطلق على النساء وتعني المرأة المنقطعة عن الزواج وأيضا المرأة التي تفرغت لعبادة الله ويقصد بها مريم العذراء وهناك كلمات لها صلة بالبادية والبيئة العربية وأسوق بعض الأمثلة: خنجر، ساعد، يصول، دقات الطبول، عصفة،حلبة النزال،الخيول، وهناك أيضا جملة : يبحث عن الحقيقة، ولا يبحث عن الحقيقة إلا الصوفي أو الفيلسوف المتدبر في الكون.

4-المدخل الاستنباطي:

من خلال هذا المدخل،يعمد الناقد الذرائعي إلى جملة الحكم و المواعظ والعبر المستقاة من المنثور في القصيدة دلالية مضمونا ومعنى والتي كرس الشاعر جهده في بلورتها وإخلائها.سيبقى شعر أحمد المجاطي والذي يحمل أوجاع التاريخ العربي وهمومه، الشاهد على هول التردي الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية في الوقت الذي تصعد الأمم الأخرى سلم الرقي و الحضارة والتقدم بأبنائها نحو غد أفضل كما سيبقى الشاهد القوي على تصدي الشاعر لكل أنواع الاستسلام و الخنوع وندائه للمقاومة والنهوض ضد الغاصب.

5-المدخل السلوكي:

مدخل يدرس وفقه النقد البرغماتي التساؤلات والاطروحات والهواجس التي تنتاب الأديب والشاعر ههنا ذاتيا واجتماعيا ،ليؤسس من خلالها جملة وتفصيلا فلسفته وتوجهاته فكرية وسياسية واجتماعية ووجدانية والقناعات التي يؤمن بها والرسالة المتوخى نفوذها وتبليغها،ضامنا ذلك بمفاهيم سلوكية علمية ونظرية مستشرفا أفق سريانها وانتشارها، والقصيدة " كبوة الريح "تحمل بين طيات مفاهيمها العديد من التساؤلات ومشاعر الخوف والهواجس والترقب، و تكشف عن عمق الجروح والتصدع والانكسارات التي طالت جسد الأمة العربية، تساؤلات متنوعة

  تتناسل بحكم الزمن والتراكمات والحلول الترقيعية أو شبه منعدمة.

رابعًا-التقييم الرقمي الساند

وليتسنى للناقد إسناد تحليله على جدار رقمي علمي قوي، عليه أن يختبر تحليله بجمع جميع الدلالات الحسية، والأعمدة الرمزية وتحليلها،ثم حسابها رقميا، ليثبت رجاحة الدلالات وموازنتها،مع بعضها البعض وتحديد درجة الميل لكل واحدة منها، بذلك يكون قد أسند آراءه النقدية رقميا وحسابيا بأحكام رقمية بحتة لا قبل الشك،وتزرع اليقين لدى كل متلق أو ناقد.

والنص غني بالدلالات والأعمدة الرمزية. قمت بجمع الدلالات الحسية بعد تحليل الأعمدة الرمزية وحسابها.

دلالات حسية ايجابية :52

الحقل الدال على الفرح :34

الحقل الدال على الجمال :35

الحقل الدال على البحر :17

الحقل الدال على الزمن :02

الحقل الدال على الطبيعة :19

الحقل الدال على الماء : 11

الحقل الدال على الأمل :09

دلالات حسية سلبية:46

الحقل الدال على الحزن :41

مجموع الدلالات الحسية الايجابية :179

مجموع الدلالات الحسية السلبية :87

هذه النتيجة تبين غلبة الدلالات الحسية الايجابية على الدلالات الحسية السلبية بنسبة عالية وهذا مؤشر واضح على تشبت الشاعر أحمد المجاطي بالأمل في النهوض والإصلاح والخروج من دائرة اليأس والركود.

أما خارج قسمة فارق الدلالات الحسية الايجابية والدلالات الحسية السلبية .9, على 10هو2

إذن النص حقق درجة عالية من الرصانة بشاعرية واضحة ودلالات متحركة و معاني مؤجلة .

خامسًا -الخلفية الأخلاقية:

على امتداد القصيدة ظل الشاعر أحمد المجاطي متشبتا بالقيم الدينية والأخلاق والمبادئ الإسلامية مدافعا عن القضية الوطنية دون إغفال قضية الأمة العربية.

سادسًا-الخاتمة:

قراءة ماتعة في نص رصين يكشف عمق روح شاعر يعشق الوطن الى حد الثمالة ،وسيظل الشاعر أحمد المجاطي بحق مبدعا ولن يمل قارئ من الإبحار في نصوص ديوانه " الفروسية "، لأنها صدقا جدية بالقراءة وتستحق الرجوع إليها للتعرف عن قرب على رائد الشعر العربي الحديث.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=115435
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 02 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28