• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : العشق في المنظور الإسلامي .
                          • الكاتب : د . عبد الهادي الطهمازي .

العشق في المنظور الإسلامي

من الحالات التي يبتلى بها البعض من الناس، حالة الحب أو العشق أو الغرام، وإنَّما قلنا يبتلي بها البعض؛ لأنَّها فعلا بلاء في بعض مراحلها التي تشكل خطرا على صحة الإنسان النفسية والجسدية، ينقل الحسن البصري عن بعض حكماء الهند أنهم إذا عشق عندهم رجل أو امرأة يجلسون لتعزية أهله.
والعشق بلاء من عدة وجوه
فأولاً: قد يكون الوقوع في الحب أو العشق، امتحانا للإنسان لاختبار عفته وتقواه، فالبعض يعشق ويكتم وربما تمر عشرات السنين، دونما يعرف أحد شيئا عن ذلك، في حين تجد آخرين يبوح بما في قلبه ويتسبب في تشهير المرأة المعشوقة، كما حصل في بعض الحالات التي ذكرها التاريخ، كقصة قيس وليلى وأشباهها؛ لذا جاء في الحديث عن رسول الله (ص): ((من عشق فكتم وعف فمات فهو شهيد)).
ومن هذا المنطلق يحرم الفقهاء التشبيب (أي التغزل) بالمرأة المعروفة، لأنه يسبب فضيحة للبنت وأهلها.
ثانياً: إنَّ التعلق بحب الغير -رجلا كان أم امرأة- ونتيجة للخوف بعدم الظفر بما يريد، يدخل قلب العاشق الكثير من الهمَّ والحزن، والتفكير بالمعشوق، وربما يحرم الطعام والشراب، وقد لا يجد طعما للنوم ليال طوال، وفي بعض حالات الغرام الشديد يصل العاشق الى حد الجنون وذهاب العقل، وأيُّ بلية أو مصيبة أعظم من هذه.
ثالثاً: ويكون أحيانا بلاءا أي عذابا وعقوبة دنيوية، أو آثرا وضعيا لممارسة معينة، ولهذا المعنى يشير الحديث المروي عن الصادق ع حين سأله المفضل بن عمرو عن العشق فقال ع: ((قلوب خلت من ذكر الله، فأذاقها الله حب غيره))، فالقلب عندما يخلو من ذكر الله، يبتلى وكأثر وضعي بحب وذكر غير الله سبحانه، ومن الواضح أنَّه نوع من العقوبة للغافلين عن ذكر الله، ولا يشترط أن يكون ذلك الغير إنسانا، بل قد يبتلى نتيجة غفلته عن الله بحب المال، أو حب الجاه والمنصب وحب الدنيا بشكل عام، وهناك روايات تشير الى هذا المعنى، مثل ما روي عن الباقر (ع) قال مكتوب في التوراة: ((يا بن آدم أخرج حب الدنيا من قلبك، فإنَّه لا يجتمع حب الدنيا وحبي في قلب واحد)).
معنى العشق
أحيانا تظهر على الإنسان حالة نسميها العشق، وهي حالة أو درجة أعلى من درجة الحب، فالحب في مراتبه العادية موجود في كل إنسان، كحب الأب والأم لأبنائهما، وحب الأبناء لأبويهما، وحب الزوج لزوجته وبالعكس، وحب الصديق لصديقه، بل وحب أشياء وأمور أخرى كحب المال والوطن مثلا، نعم هو يختلف من ناحية الشدة والضعف، فالأم تحب أولادها ـ مثلا ـ أكثر من محبة الأولاد لها، وبعض الناس قد يحب المال ـ مثلا ـ أكثر من أي شيء آخر، كما وأنَّ الدوافع لحب الأشياء مختلفة، فالدافع لمحبة الزوجة ـ مثلا ـ يختلف عن الدافع لمحبة الأبوين، والدافع لمحبة المال يختلف عن الدافع لمحبة الدين ورموزه المقدسة، وثمة أمر ثالث له علاقة في نوع المحبة وشدة العلقة بين الطرفين، وهي وجود أركان المحبة الثلاثة: الألفة ـ العاطفة ـ الالتزام، وأقوى انواع المحبة وأصدقها ما توفرت فيه هذه العناصر الثلاثة.
والحاصل: الحب حالة موجودة عند جميع الناس، وإن اختلفت من حيث الشدة والضعف، ومن حيث الدافع للحب وعدد الأركان المتوفرة فيه. 
أمَّا العشق فهو شيء آخر، قيل إنَّ أصل تسميته مأخوذة من الشجرة التي تخضر ثم تصفر وتذبل، فشبهوا حالة العشاق وما يصيبه بحالة الشجرة، وقيل إنَّ العشق اسم شجرة اللبلاب، ومن خصائص هذه الشجرة إنَّ اغصانها تلتف بالأشجار المجاورة لها، فشبهوا حالة الشخص العاشق بحال هذه الشجرة.
والحاصل: العشق وهو الحب الى درجة مفرطة أكثر من حالات الحب الاعتيادية، فالعاشق كما بينا قد يحرم النوم والطعام والشراب، ويصبح تفكيره محصورا في معشوقه فقط، قد يؤدي الى الجنون أو بعض الأمراض النفسية الأخرى إن حرم العاشق من معشوقه.
نظريتان في العشق
ذكر الشيخ المطهري (ره) إنَّ هناك نظريتين في العشق، الأولى: تقول أنَّه نوع واحد لا أكثر، وأنَّ أصله عضوي فسلجي ولا شيء غير ذلك، وكل عشق ظهر في الدنيا هو بهذا المعنى، وهي طبعا نظرية علماء النفس الأرضيين كفرويد وأتباعه.
الثانية: نقلها عن صدر الدين الشيرازي، والخواجة الطوسي، وابن سينا، وهؤلاء يقولون إنَّ العشق يمكن تقسيمه الى قسمين:
غريزي: ينتهي بمجرد إشباع الرغبة، والدافع له الشهوة الجسدية، وسأتحدث عنه الآن.
وحقيقي: هو عشق الكمال المطلق، أي العشق الإلهي.
والواقع نريد أن نتحدث عن القسم الأول ـ الغريزي ـ لشدة الابتلاء به، فكثيرا ما يمر أبناؤنا في مثل هذه الحالات، وهو ناتج من طبيعة ميل الرجل للمرأة، وهذا الميل قد يكون قهريا خارجا عن الاختيار، يقول تعالى:
((ولا جُناحَ عَليكُم فيمَا عَرَّضتُم بهِ من خِطبةِ النِساءِ أو أكْننتُم في أنْفُسِكُم عَلِمَ اللهُ أنَّكُم سَتذكرُوهُنَّ ولكِن لا تُواعِدوهُنَّ سرَّاً إلاَّ أن تَقولُوا قولاً مَعروفاً))
والتعريض نوع من الكلام يفهم منه المخاطب مقصود المتكلم، وقد مثل له السيد الطباطبائي في الميزان، بمثل أن يقول: إنِّي حسن المعاشرة وأحب النساء، فهذا يقول القرآن لا جناح فيه، كما لا جناح ـ أي عقوبة ـ فيما لو كانت لدى الشخص رغبة في امرأة، أو ميل لها واحتفظ بهذا الميل في نفسه (أو أكننتُم في أنفسِكُم)، ثم قالت الآية الشريفة (علِمَ اللهُ أنكُم ستذكروهُنَّ)، وعلق السيد على هذه العبارة المباركة: إنَّ ذكركم إيَّاهنَّ أمر مطبوع في طباعكم، والله لا ينهى عن أمر تقتضيه غريزتكم الفطرية ونوع خلقتكم، بل يجوِّزه، فهذا المقدار لا إشكال فيه،(ولكن لا تواعدوهُنَُّ سرَّاً) أي لا تواعدوهنَّ على الزواج بسرية، وبتعبير آخر لا يريد الله أن تكون العلاقة في الظلام؛ لأنَّ في مثل هذه العلاقة خطورة كبيرة.
فإذا وجد الشاب في نفسه ميلا تجاه فتاة معينة، فليحتفظ بذلك في قلبه، أو يعلمها حاله بالتعريض كما مر في الآية المباركة، أو يخبر أمَّه ـ مثلا ـ أو شخصا عاقلا ثقة برغبته بالزواج من هذه الفتاة، ولا يتصرف تصرفا مخالفا للشرع الحنيف أو للعرف الاجتماعي، كأن يخرج معها لوحدهما، أو لا يترك أحدا من أصدقائه إلاَّ وأخبره بالقصة، فإن وجد الإمكانية للزواج فليتقدم لخطبتها، وعلى الأهل إن عرفوا رغبة الطرفين ببعضهما أن لا يقفوا في طريقهما، ولو وجدوا المصلحة في عدم تحقيق تلك الرغبة.
جاء رجل الى النبي (ص) فقال: يا رسول الله في حجري يتيمة، وقد خطبها رجل موسر وآخر معدم، وهي تحب المعدم. فقال (ص) ((لم نر للمتحابين غير النكاح)).
فالرجل كان يرى أنَّ من مصلحتها تزويجها للرجل الغني، لكن النبي (ص) رأى أن يزوِّجها لمن تحبه أفضل. 
ولكن لو لم يحصل التوافق بين الأسرتين، كما لو رفض أهل البنت الخاطب، ففي هذه الحالة يجب على الشاب ترك الأمر، والقبول بالأمر الواقع، والتشاغل عن التفكير به، لأنَّه قد يتسبب التفكير الكثير بالموضوع الى أمراض نفسية أو عصبية أو عقلية، ثم ما يدريك لعل الله يريد بذلك لكما الفائدة، وربما تكون هذه المرأة شرا لك ((وعَسَى أن تُحبُُّوا شيئاً وهوَ شرٌٌّ لكُم)).
تجارب واقعية
أثبتت التجارب الواقعية إنَّ أغلب الزيجات التي تتم عن طريق الحب الذي يسبق الزواج هي زيجات فاشلة، ويصيب الفتور العلاقة الزوجية بسرعة، والحب الذي يأتي بعد الزواج يكون أقوى وأكثر ديمومة؛ لأنَّه يستمد شرعيته من رباط الزوجية المقدس، قال تعالى:
((ومن آياتِهِ أن خلقَ لكُم من أنفسِكُم أزواجاً لتسكُنُوا إليهَا وجعلَ بينكُم مَودَّةً ورحمة ً)).
وقد أثبتت الدراسات العلمية أيضا هذه الحقيقة، ففي دراسة ميدانية لأستاذ الاجتماع الفرنسي (سول جور دون) كانت النتيجة إنَّ ((الزواج يحقق نجاحا أكبر إذا لم يكن طرفاه وقعا في الحب قبل الزواج))، وفي دراسة أخرى لأستاذ الاجتماع اسماعيل عبد الباري على 1500 أسرة كانت النتيجة أكثر من 75 % من حالات الزواج عن حب انتهت بالطلاق.
ولعل سبب فشل الزواج المسبوق بالحب والعشق بين الطرفين ما يأتي:
1- إنَّ الإنسان يشعر بسعادة كبيرة عندما يعرف بوجود شخص يحبه، ويحنوا عليه ويغدق عليه بمشاعره الجياشة، وبطبيعة الحال إنَّ الشعور بهذا الإحساس كلما كان جديدا، كلما كان أكثر دفئا وأكثر إحساسا بالطمأنينة، وأكثر حيوية ونبضا بالحياة، بينما إذا كانت العلاقة قديمة، فإنَّ هذه المشاعر قد استنفذت قبل الزواج، وأصبح هذا الشعور روتينيا خال من الطاقة والحيوية.
2-وجود علاقة سابقة بين الطرفين -خصوصا في مجتمعاتنا الشرقية المحافظة- تولد نوعا من الشك في نفس كل طرف تجاه الآخر، لاحتمال تكرار التجربة مرة أخرى، فالزوجة تشك إذ ربما يعشق الرجل مرة أخرى، وهكذا الحال بالنسبة للزوج.
3-مع وجود حالة العشق بين الطرفين، ونظرا للكلمات المعسولة والوعود والأحلام التي لا نهاية لها، وفترة الحب غالبا هي فترة الأحلام والمبالغات، تجعل كلا منهما يعتقد إنَّ صاحبه لن يخالف له رغبة أو يرفض له طلبا في يوم من الأيام، وعندما يدخلون عش الزوجية ويواجهون الحياة على حقيقتها، تشعر وخصوصا الزوجة بحالة من الإحباط، والشعور بزيف تلك الوعود، وأنَّها كانت مجرد كذب وخداع، فيبدأ الفتور ويستبدل الحنان بالجفاء.
4- الاندفاع العاطفي يعمي الطرفين عن العيوب، فالهوى يعمي ويصم، ولكن بعد الزواج تكتشف تلك العيوب، فمثلا يظهر كلاهما في فترة الحب قدرا كبيرا من اللين والرفق والتفاني في سبيل إرضاء الآخر، ولكن لا يمكنهما الاستمرار على ذلك طوال حياتهم فتظهر الصورة الحقيقية وتسقط الأقنعة التي كان يتبرقع بها هذا منهم أو ذاك.
فلا يغرنكم أيها الأعزاء حديث الأفلام والمسلسلات عن الحب، فإنَّ أقوالهم كلها من صنع الخيال ولا حقيقة لها.
هذا إذا كان الرجل صادقا في وعده وينوي الزواج من وراء علاقته، أمَّا إن كان يتسلَّى بالفتاة، وممن يتباهون أنَّ لهم عدة عشيقات، وقد تصبح البنت ضحية لأحد أولئك الذئاب، وحينئذ لا ينفع الندم. ومن هنا يجب على الآباء والأمهات الانتباه الى بناتهم، كي لا يقعن ـ لا سامح الله ـ فريسة سهلة لمن لا خلاق لهم ولا ضمير، من خلال الملاحظة لسلوك الفتيات، ومعرفة صديقاتهن، ومعرفة طبيعة دوامهن في المدرسة مثلا...... الخ.
ولا نقصد أن يصبح الأهل شكاكين في بناتهم، ولكن يجب أن لا يطلق العنان، ويكون الأهل غير مبالين بالبنت.
كما يجب على الأبوين أن يشعروا بناتهم بالحنان، فبعض الأسر للأسف ليس للبنت عندهم أي قيمة أو تقدير، ويفضلون أولادهم على بناتهم، هذا سلوك غير صحيح، إذ قد يدفع الجفاء داخل الأسرة البنت الى البحث عن العطف والحنان في أحضان أخرى، فتستغل من بعض الشياطين.
وليس البنت فقط بل حتى المتزوجة، فعلى الزوج مراعاة مشاعر زوجته، وإعطائها بعضا من وقته، وعليه أن يشعرها بحبه لها وعلى الدوام، روى الإمام الصادق (ع) عن رسول الله (ص) أنَّه قال ((قول الرجل للمرأة إنِّي أحبك لا يذهب من قلبها أبدا))
كما يجب أن يهتم الرجل بالنظافة، وأن يتزين لزوجته كما يريد أن تتزين وتتجمَّل له، بارتداء الملابس الجميلة والنظيفة (مثلا) واستعمال العطر وتنظيف أسنانه الى غير ذلك.
روي إنَّ الإمام الحسن (ع) كان جالسا ذات يوم في مجلس معاوية، فأراد مروان بن الحكم أن يسيء الإمام (ع) فقال له: ما بال شارباك قد شابا، فأجابه: إنَّ رائحة افواهنا طيبة مما يجعل نسائنا تقبل علينا بأنفاسها، أمَّا أنت فرائحة فمك نتنة مما يجعل نساءك تميل بأنفاسها الى جانبك، ولذا شاب صدغاك.
وللحسين (ع) أبيات من الشعر يتحدث فيها عن حبه لزوجته الرباب، يقول فيها:
لعمرك إنني لأحب دارا تكون فيها سكينة والرباب
أحبهما وأبذل جل مالي وليس لعاذل عندي عتاب
فهذا هو العشق الغريزي وهو أمر لابد منه لاستمرار التناسل، وبقاء النوع الإنساني، فلو كان هناك نفور بين جنس الرجال وجنس النساء، لما قامت للأسرة ولا للمجتمع قائمة ولا كيان.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=117213
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 03 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20