• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : قراءة موجزة .. منظومة مضامين نصائح وتوجيهات المرجعية الدينية  للمقاتلين في ساحات الجهاد  -2-  .
                          • الكاتب : د . الشيخ عماد الكاظمي .

قراءة موجزة .. منظومة مضامين نصائح وتوجيهات المرجعية الدينية  للمقاتلين في ساحات الجهاد  -2- 

* مقدمة المنظومة.

تحدثنا في الحلقة السابقة عما يتعلق بهذه المنظومة للأديب الأستاذ محمد سعيد الكاظمي وتوجيهات المرجعية الدينية للمقاتلين، فبعد نظمه لكلمته التي تقدمت، نظَّم مقدمته فقال فيها:

اللهَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْمَوْلَى
                      ثُمَّ صَلاةُ اللهِ وَالتَّسْلِيْمُ
وَخَصَّهُمْ بِآيَةِ التَّطْهِيْرِ
                     مُحَمَّدٌ وَالْآلُ خَيْرُ النَّاسِ
يَقُوْلُ بَعْدَ الْحَمْدِ هَذَا الْعَبْدُ
                    فَهَذِهِ النَّصَائِحُ الْمُعْتَبَرَهْ
وَجَّهَهَا الْمَرْجِعُ ذُوْ الْأَيَادِيْ
                   صَادِرَةٌ عَنْ مَكْتَبِ السِّيْسْتَانِيْ


فَالْحَمْدُ للهِ عَلَى مَا أَوْلَى
                   عَلَى مَنِ ٱصْطَفَاهُمُ الْعَلِيْمُ
تُتْلَى عَلَى الْأَيَّامِ وَالْعُصُوْرِ
                   هُمُ لَنَا كَالْقِمَمِ الرَّوَاسِيْ
لِمَنْ أَرَادَ النُّصْحَ (أَمَّا بَعْدُ)
                  خُصَّ بِهَا الْمُقَاتِلُوْنَ الْبَرَرَهْ
لـِ(حَشْدِنَا) فِيْ سَاحَةِ الْجِهَادِ
                 دَامَ لَنَا ظِلاًّ وَلِلْأَوْطَانِ


ٱبتدأ الناظم كلمته بأبيات بلغت ثمانية، أكد فيها على موضوعات منها:

1- التحميد والثناء على الله تعالى والصلاة على النبي وآله، وهذا هو المتعارف في بداية الحديث أو الخطبة أو الكلام بابتداء الثناء على الله تعالى، الذي هو أهل لذلك، وهذه هي سيرة النبي والأئمة (عليهم السلام) في الابتداء بخطبهم المختلفة.

2- بيانه لمقام النبي وأهل بيته (عليهم السلام) باصطفاء الله تعالى لهم، حجة على عباده، وهم أهلٌ لهذا المقام، والله هو العالم بحقيقة عباده، فالاصطفاء هو الاختيار والاجتباء، فمثَّلَ الله تعالى خلوص هؤلاء القوم من الفساد بخلوص الصافي من شائب الأدناس، فقوله: (عَلَى مَنِ ٱصْطَفَاهُمُ الْعَلِيْمُ) إشارة إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ ٱصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةَ بَعْضهَا مِن بَعْض وَاللهُ سمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ([1])، ففي الرواية عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في تفسير الآية الشريفة قال: ((نَحْنُ مِنْهُمْ،، وَنَحْنُ بَقِيَّةُ تِلْكَ الْعِتْرَةِ)) ([2])، وكذلك الإشارة إلأى مقام تطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم، كما قال الله تعالى في كتابه المجيد الذي يُتلى آناء الليل وأطراف النهار: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ ([3])، فهم (صلوات الله عليهم) الحجج المعصومون من كُلِّ ذنب ومعصية ودنس، وهم في الحق والهداية نحو الخير والصلاح كالجبال الراسيات الشامخات على مَرِّ العصور، لا يمكن لأحد أنْ يداني فضلهم ومقامهم، وعلوَّ شأنهم.

3- البيان في مقدمة الكلمة إلى أنَّ ما ينظمه إنَّما هو تلك النصائح والتوجيهات التي أصدرها مكتب سماحة المرجع الديني السيد علي السيستاني (دام ظله) والتي صدرت مختومة بختم مكتب المرجع، والتي هي موجهة بالخصوص إلى المقاتلين في جبهات القتال.

4- الإشارة إلى مقام سماحة السيد السيستاني (دام ظله) في الأمة، وما صدرت عنه من مواقف عظيمة، وأيادٍ جزيلة في خدمة المسلمين عمومًا، والعراقيين خصوصًا في هذه المرحلة الصعبة التي يمرُّ بها العراقيون بعد سقوط النظام البعثي منذ عام 2003م، وما جرى في العراق من تغييرات جوهرية، مما تطلَّب أنْ يكون للمرجع موقف فيها، فكانت أياديه البيضاء واضحة المعالم في مفاصل مهمة من التأريخ المعاصر، ومنها على سبيل المثال: كتابة الدستور بأيدٍ عراقية بعد أنْ حاولت قوات الاحتلال أنْ تفرض على الشعب دستورًا، وإجراء ٱنتخابات مجلس النواب المتكررة، وحث الشعب على ٱختيار الصالح الكفوء لذلك، وخدمة الأيتام والجرحى بسبب العمليات الإرهابية، وفتواه الخالدة عام 2014م في وجوب الجهاد الكفائي ضد كيان داعش، وما ترتَّب عليها من ٱنتصارات عظيمة باهرة، وغير ذلك من مواقف كثيرة مختلفة؛ لذلك نرى الأستاذ الناظم يدعو له جزاء تلك الخدمات الجليلة؛ ليكون السيد المرجع هو الظل الذي يركن إليه المؤمنون في أمورهم عامة، وأبناء هذا الشعب خاصة في المهمات التي تواجه الوطن، وخصوصًا المؤامرات التي يقوم بها أعداء العراق، في كُلِّ حين.

          ثم نظم الأستاذ الكاظمي ما يتعلق بمقدمة النصائح والتوجيهات الصادرة والتي جاء فيها: ((أمَّا بعد: فليعلم المقاتلون الأعزَّة الذين وفَّقهم الله عزَّ وجلَّ للحضور في ساحات الجهاد وجبهات القتال مع المعتدين(( فقال بأسلوب رائع، وبيان بديع:

تَفَضَّلَ الْمَكْتَبُ بَعْدَ الْبَسْمَلَهْ
وَقَـــــــــالَ (أَمَّا بَعْـــــــــــدُ) فِــيْ الْمُقَــــــدِّمَهْ                                              

وَالْحَمْدُ – بِالنَّصَائِحِ الْمُفَصَّلَهْ
                    مُخَاطِبًا حُشُوْدَنَا الْمُكَرَّمَهْ


 * النصائح والتوجيهات / الفقرة الأولى.

ورد في الفقرة الأولى من نصائح وتوجيهات المرجعية بعد تلك المقدمة: ((إنَّ الله سبحانه وتعالى كما ندب إلى الجهاد ودعا إليه وجعله دعامةً من دعائم الدين، وفضل المجاهدين على القاعدين، فإنَّه عزَّ ﭐسمه جعل له حدودًا وآدابًا أوجبتها الحكمة، وﭐقتضتها الفطرة، يلزم تفقهها ومراعاتها، فمَنْ رعاها حق رعايتها أوجب له ما قدَّره من فضله، وسنَّه من بركاته، ومن أخلَّ بها أحبط من أجره ولم يبلغ به أمله)).

وقد نظم الأستاذ الأديب الكاظمي هذه الفقرة بقوله:

لِيَعْلَمِ الْمُقَاتِلُ الْعَزِيْزُ
              كَمَا دَعَا إِلَى الْجِهَادِ نَادِبَا
فَمَنْ رَعَاهَا سَيَنَالُ أَجْرَهْ
             مَا لا يُجِيْزُ الشَّرْعُ أَوْ يُجِيْزُ
فَصَّلَ حِفْظًا لِلْحُدُوْدِ وَاجِبَا
           وَمَنْ عَدَاهَا سَارَ عَكْسَ الْفِطْرَهْ


إنَّ هذه الفقرة من التوجيهات المباركة واضحة البيان، في طرقها القلوب والآذان، للتوجه نحو نداء الله تعالى في تطبيق أحكامه من خلال القرآن والسنة، التي تلائم الفطرة الإنسانية، فيجب على المجاهدين أنْ يعلموا أنَّ الجهاد على أهميته وعظمته ودعوة القرآن إليه ولكن هناك واجبات وآداب يجب مراعاتها، فمن الآيات الشريفة التي تدعو إلى هذه الفريضة المقدسة قوله تعالى: ﴿ٱنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ([4])، وقال تعالى في بيان منزلة المجاهدين: ﴿فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ ([5])، ومن الروايات الشريفة الواردة في الدعوة إليه ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِيْ بِالْمُتَقَلِّدِ سَيْفَهُ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ مَلَائِكَتَهُ، وَهُمْ يُصَلُّوْنَ عَلَيْهِ مَا دَامَ مُتَقَلِّدُهُ)) ([6]) فالرواية الشريفة تؤكد هذا المقام العظيم الذي يباهي الله تعالى به، وفي هذا دلالة على عظمة هذه الفريضة، التي بها عز الإسلام والمسلمين، فهل هناك فضل أعظم من مباهاة الله تعالى أنبياءه، وصلاة الملائكة عليهم. وروي عن الإمام علي (عليه السلام): ((إِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ، وَهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى، وَدِرْعُ اللهِ الْحَصِيْنَةُ، وُجُنَّتُهُ الْوَاقِيَةُ)) ([7]) فهذه مقامات أربعة مباركة يبينها الإمام لمقام المجاهدين، ولكن على الرغم ما لهذه المنزلة فهناك واجبات يجب عليهم معرفتها ومراعاتها؛ للحفاظ على ذلك الثواب العظيم الذي أعده الله تعالى للمجاهدين، والحذر من تعدي تلك الواجبات وضياع ذلك الثواب.

  وقد أبدع الناظم في أرجوزته لهذه الفقرة، وما تضمنته هذه الأبيات لألفاظ هذه النصيحة للمجاهدين من إيجاز وبيان، ودقة في الوصف والتعبير ..  وإلى لقاء قادم إنْ شاء الله تعالى


([1]) سورة آل عمران: الآية 33-34.

([2]) تفسير العياشي 1/191.

([3]) سورة الأحزاب: الآية 33.

([4]) سورة التوبة: الآية 41.

([5]) سورة النساء: الآيتان 95-96.

([6]) ميزان الحكمة، محمد الريشهري 2/590.

([7]) نهج البلاغة، الشريف الرضي 1/50.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=117594
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 04 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18