• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فوز الإسلاميين، نعمة أَمْ نقمة؟ .
                          • الكاتب : د . عبد الخالق حسين .

فوز الإسلاميين، نعمة أَمْ نقمة؟

يبدو أن فوز الإسلاميين في الانتخابات الديمقراطية الأخيرة واللاحقة في البلدان العربية، والتي أعقبت انتفاضات الربيع العربي بات مؤكداً، فإذا لم يحصلوا على الأغلبية المطلقة (51%+)، فإنهم بالتأكيد سيفوزون بالأغلبية النسبية، أي بالمركز الأول على منافسيهم من القوى الديمقراطية العلمانية، فهذا ما حصل في تونس، وفي المغرب، ومن المتوقع أن تتحقق نفس النتيجة في مصر، وليبيا وغيرها، وكما حصل في الجزائر وغزة من قبل. 
 
أسباب انتصار الإسلاميين  
الأسباب عديدة، أهمها ما يلي: 
أولاً، أن الحكومات التي حكمت الشعوب العربية كانت علمانية مستبدة، وفاسدة إلى أبعد الحدود، وفشلت في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتفاقمة، لذلك شوهت سمعة العلمانية، الأمر الذي استغله الإسلاميون، ولتفشي الجهل والأمية بين الشعوب العربية، صوروا لهم أن العلمانية تعني الإلحاد والإباحية، ومعاداة الإسلام، وفساد السلطة، فطرحوا شعارهم المعروف (الحل في الإسلام). كما ويجب أن لا ننسى أن الجماهير الواسعة من الشعوب العربية هي محافظة ومتدينة وخاضعة لتأثير التراث العربي- الإسلامي، كما وصور لهم الإسلاميون أن سبب تخلف العرب هو تخليهم عما كان عليه السلف الصالح، وأنهم لن يعيدوا مكانتهم المرموقة في العالم إلا بالعودة إلى الماضي "المجيد" والتمسك بالتراث وإحيائه.
 
ثانياً، وكما بينا في مقال سابق لنا، أن الإسلاميين اكتسبوا خبرة هائلة في مخاطبة الرأي العام العالمي الغربي، والشارع العربي، فطرحوا أنفسهم على أنهم ديمقراطيون حقيقيون، وأنهم سيلتزمون بالديمقراطية، والتعددية، واحترام الحقوق...الخ إذا ما استلموا السلطة. 
 
ثالثاً، إن الحكومات العربية العلمانية الفاسدة كانت تخاف على كراسيها في الحكم من القوى الديمقراطية الليبرالية أكثر من خوفها من الأحزاب الإسلامية، لذلك كان هناك نوع من التحالف غير المعلن بين الإسلاميين والحكومات المستبدة الفاسدة في محاربة العلمانيين الديمقراطيين، فضيقت السلطات الخناق عليهم في التبشير برسالتهم، وتصفيتهم إعلامياً، وحتى جسدياً، وهناك قوائم طويلة بأسماء قوافل الشهداء الديمقراطيين العرب الذين اغتيلوا على أيدي الإسلاميين والسلطة، ودون مقاضاة الجناة. 
 
رابعاً، يمتلك الإسلاميون آلاف المنابر المنتشرة في طول البلاد العربية وعرضها مثل المساجد والمدارس الدينية، وحتى الشوارع والساحات العامة يستغلونها للتواصل مع الجماهير لنشر أفكارهم وأيديولوجيتهم بمنتهى الحرية، والعمل على تشويه سمعة الديمقراطيين الليبراليين، وإصدار الفتاوى بمحاربتهم، ودعوة الجماهير للتصويت للإسلاميين في الانتخابات العامة، وآخرها كانت فتوى الشيخ يوسف القرضاوي في هذا الصدد.
 
خامساً، يتمتع الإسلاميون بالدعم المالي الهائل من الدول الخليجية الغنية، وبالأخص من المملكة العربية السعودية التي تلعب على الحبلين، فتحارب الإسلام السياسي والإرهاب في بلادها، ولكنها تدعمهما بكل الوسائل في الخارج وخاصة في البلاد العربية. وبهذه الأموال الهائلة استطاعت أحزاب الإسلام السياسي في العالم العربي فتح مؤسسات خيرية من أسواق، وجمعيات، ومراكز صحية لمساعدة الشرائح الفقيرة في هذه المجتمعات، وبذلك كسبت عطف الجماهير البائسة. كما وساعدت هذه الأموال الإسلاميين على فتح مؤسسات إعلامية من صحافة وفضائيات ومواقع انترنت، والاستفادة من تقنية الثورة المعلوماتية، وتدريب كوادرها على فن الخطابة والتواصل مع الجماهير لبث رسالتهم، وإقناع الآخرين بها، كما واستغلوا رحابة صدر مسؤولي شبكات الديمقراطيين في نشر دعاياتهم ضد منافسيهم من العلمانيين.
 
سادساً، الإسلاميون متماسكون في أحزاب منظمة موحدة بشكل جيد، بينما الديمقراطيون الليبراليون متشرذمون إلى عشرات الأحزاب المتنافسة فيما بينها، وأغلبها قيادات بلا قواعد كما الحال في العراق. أما شباب الانتفاضة الذين يشكلون القطاع الأوسع فهم غير منتمين إلى أي تنظيم، ودون قيادة كارزماتية معروفة، أو حتى برنامج سياسي واضح، والشيء الوحيد الذي دفعهم للثورة هو وعيهم بظلم الحكومات المستبدة، والبطالة، وحاضرهم المؤلم، وقلقهم من المستقبل المجهول، وطموحاتهم في حياة أفضل. لذلك فالأقلية المنظمة المتماسكة تنتصر على الأغلبية المشتتة.
 
سابعاً، امتناع نسبة كبيرة من الذين يحق لهم التصويت من المساهمة في الانتخابات، وعلى سبيل المثل، امتنع 55% من الشعب التونسي عن المشاركة في التصويت، ومعظمهم ليسوا من أنصار الإسلاميين، لأن الإسلاميين مستميتون للمشاركة في أي انتخاب كفرض عين على المسلم. ولذلك فلو شاركت هذه الأغلبية في التصويت لصوتوا لصالح العلمانيين وفوتوا الفرصة على الإسلاميين. وهذا يعني أن 45% فقط شاركوا في الإدلاء بأصواتهم، أي الأقلية هي التي قررت من سيحكم الشعب التونسي. وبذلك فاللوم هنا يقع على الذين رفضوا المشاركة في الإدلاء بأصواتهم، واستخدام حقهم الديمقراطي في تعيين من سيحكمهم، وبذلك عليهم أن لا يلوموا إلا أنفسهم. 
 
فوز الإسلاميين نعمة أم نقمة؟
قبل أربعة أعوام نشرتُ مقالاً على حلقتين، بعنوان: (خوف الديمقراطيين من الديمقراطية)، بينت فيه خوف الديمقراطيين من فوز الإسلاميين إذا ما جرت انتخابات حرة ونزيهة في البلاد العربية، وأن هذا الخوف استغلته الحكومات المستبدة لصالحها، لتقول لشعوبها، أبقونا نحكمكم رغم سيئاتنا، لأن البديل أسوأ، أي حكم إسلامي قروسطي سيفرض عليكم حكم الشريعة، ويفرض الحجاب والنقاب على المرأة ويعيدها إلى عهد الجواري والحريم، سجينات البيوت (وقرن في بيوتكن). ولكن بعد ثورات الربيع العربي تغير الموقف، فصارت الانتخابات حتمية وحرة ونزيهة بالمعايير العربية وحتى الدولية، لا مناص منها، وبالتالي تحققت مخاوف العلمانيين الديمقراطيين بفوز الإسلاميين.
 
فما موقف الديمقراطيين من ذلك؟ 
إذا كنا حقاً نؤمن بالديمقراطية، فيجب علينا أن نقبل بنتائجها حتى ولو كانت ضد طموحاتنا وتوقعاتنا، ولا أرى في فوز الإسلاميين مبرراً للخوف والتشاؤم، خاصة وإن انتصارهم جاء جزئياً، أي لم يتمكنوا من الإنفراد بالسلطة لوحدهم، بل لا بد وأن يشكلوا حكومة إئتلافية مع القوى العلمانية، وهذا ما حصل في العراق، وحصل في المغرب وتونس، وسيحصل في البلاد العربية الأخرى. ولذلك، أعتقد أن مرحلة ما بعد الاستبداد هي ليست إسلامية بالكامل، ولا علمانية بالكامل، وإنما مزيج من هذه وتلك. فلو درسنا تاريخ الشعوب الغربية التي سبقتنا في هذا المجال لوجدنا أنه من المستحيل الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية الناضجة بسهولة وسلاسة دون المرور بمرحلة انتقالية من الديمقراطية الناشئة. وبنفس المنطق، فمن المستحيل انتقال الشعوب العربية بكل ما عرف عن تاريخها الدموي المعقد، إلى الديمقراطية الناضجة بين عشية وضحاها. لذلك نعتقد أن صعود الإسلاميين إلى السلطة في هذه المرحلة مسألة حتمية، وربما مفيدة. نقول مفيدة لأنها توفر الفرصة الذهبية لوضع الإسلاميين على المحك، واختبار إمكانياتهم وادعاءاتهم في قدرتهم على حل مشاكل شعوبهم. فطالما ردد الإسلاميون شعارهم المعروف (الإسلام هو الحل)، وراحوا يمجدون السلف الصالح، وينكرون ما في التاريخ العربي- الإسلامي من جرائم، ومظالم، وعبث، وجور وفجور الخلفاء والسلاطين، بل وحتى الأمجاد معظمها مختلقة وزائفة. 
فإذا نجح الإسلاميون في حل مشاكل شعوبهم، وحكموا بالعدل، وتمسكوا بالديمقراطية والدولة المدنية، من دون أن يفرضوا قوانين الشريعة على الناس، كما وعدوا شعوبهم والعالم، ففي هذه الحالة يجب أن نرحب بهم، لأن الغاية هي تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. 
 
أما إذا فشلوا، وهو الاحتمال الأرجح، فعندئذ، سيواجهون انتفاضات شعوبهم مرة أخرى كما واجهت الحكومات العلمانية المستبدة من قبل. وعلى الأغلب، فالإسلاميون سيفشلون في حل مشاكل شعوبهم، لأنهم يريدون فرض حلول وقوانين القرون الغابرة لحل مشاكل القرن الحادي والعشرين، وإعادة شعوبهم إلى الوراء لـ 1500 سنة بدلاً من دفعها إلى الأمام لمواكبة الشعوب المتطورة. 
 
ولذلك، أعتقد أن فوز الإسلاميين نعمة ونقمة في آن واحد. نعمة للعلمانيين الديمقراطيين، ونقمة على الإسلاميين أنفسهم، لأن ليس لدى الإسلاميين برنامج عصري واضح لمواجهة مشاكل العصر. ففي ظل ما يشهده عالمنا اليوم في عصر العولمة من تحولات حضارية سريعة وتداخل المصالح في مختلف المجالات، وبروز مشاكل جديدة تحتاج إلى حلول علمية جديدة، فإن سياسة الإسلاميين الرجعية محكوم عليها بالفشل الذريع. ومن هنا سيقدم الإسلاميون للجماهير الدليل العملي على فشل حلولهم الخيالية الطوباوية، وشعاراتهم البراقة التي تمسكوا بها طويلاً، وسيسقطون كما سقطت من قبل الأنظمة الشمولية القمعية: الاشتراكية، والشيوعية، والقومية العربية، والبعثية الفاشية.
 
هناك من يعتقد من العلمانيين الديمقراطيين بأن هذا التحليل المتفائل هو الآخر خيالي ومجرد تمنيات وأفكار رغبوية، ويرون أنه إذا ما وصل الإسلاميون إلى السلطة فإنهم سيتمسكون بها، ويعملون على أسلمة المجتمع، ولن يتخلوا عن السلطة إلا على أسنة الحراب، ويستشهدون بالأنظمة الإسلامية المستبدة في السعودية، وإيران، والسودان، وأفغانستان في عهد طالبان. وجوابنا على هذا الاعتراض رغم وجاهته، أن الأوضاع في البلاد العربية قد تغيرت، فحاجز الخوف قد انهار، ومعظم الذين ثاروا هم من جيل الشباب، خاصة وأن 70% من الشعوب العربية دون الثلاثين من العمر. وإذا ما فشلت الأحزاب الإسلامية في تحقيق طموحات الشباب فلن يتردد هؤلاء في العودة إلى ميادين التحرير، وإعلان الثورة والعصيان مرة أخرى على الحكومات التي يقودها الإسلاميون الذين تنكروا لوعودهم وعهودهم، وسيتم إزاحتهم عبر صناديق الاقتراع. وهكذا تتطور المجتمعات باختيار البديل الأفضل وفق القاعدة الداروينية الاجتماعية: البقاء للأصلح. 
 
عنوان المراسلة: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
 الموقع الشخصي: http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــــــ
مقال ذو علاقة بالموضوع
د. عبدالخالق حسين: خوف الديمقراطيين من الديمقراطية(1-2)
 
د. عبدالخالق حسين: خوف الديمقراطيين من الديمقراطية (2-2)

كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : وفاء الزاغة ، في 2011/12/07 .

راشد الغنوشي …بل اخذ البيعة من القرضاوي .. قال زعيم حركة النهضة الاسلامية في تونس راشد الغنوشي أن «العام المقبل سيكون عام انتهاء النُظُم الملكية العربية….. اعتراض هذا الاخ الكريم بدأ يتبنأ بسقوط من ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟». واوضح الغنوشي في حوار في «معهد واشنطن» خلال زيارة الى العاصمة الاميركية أن «الثورات تفرض على الملكيات العربية إتخاذ قرارات صعبة. فإما أن تعترف بأن وقت التغيير قد حان، أو أن الموجة لن تتوقّف عند حدودها لمجرّد أنها نُظم ملكية»، مضيفا ان «الجيل الشاب في بعض دول الخليج لا يعتقد أنه أقل جدارة بالتغيير من رفاقه في تونس أو سورية»! واعتبر ان «العالم العربي أمة واحدة، والشعب العربي يملك ثقافة مشتركة. ما يحصل في المغرب يعطي الأمل بأن بعض الملكيات قد فهمت رسالة اليوم الحاضر، وهي وجوب إعادة السلطة إلى الشعب». وتجنّب الغنّوشي الرد على أسئلة حول «تأييده الغزو العراقي للكويت». وانكر الغنوشي ان يكون قد وصف الولايات المتحدة التي كانت تمنعه من الدخول اليها بانها «الشيطان الاكبر»، مضيفا: «رفضت مراراً اللغة التي استخدمها الإمام الخميني لتشبيه أميركا بالشيطان. أنا لا أؤمن بلغة الخميني». وردا على سؤال، اوضح ان «البرنامج الإنتخابي لحزبه لا يتضمن أية إشارة إلى قطع العلاقات مع إسرائيل. والمفروض هو ألا يتعرّض الدستور سوى للسياسات الطويلة الأمد التي تؤثّر في تونس، والنزاع العربي الإسرائيلي ليس واحداً منها». وعن «الخلافة السادسة» التي أعلن الرجل الثاني في حزبه رئيس وزراء تونس احمد الجبالي قيامها ومعها «تحرير القدس»، قال ان «السيد الجبالي، لم يكن يتحدت عن النظام السياسي الذي يريد أن تتبنّاه تونس… وهو بالتأكيد يعرف أنه يريد أن يصبح رئيس وزراء تونس وليس رئيس وزراء الإمبراطورية العثمانية. وحتى (رئيس الوزراء التركي رجب طيب) إردوغان ليس خليفة المسلمين. فما كان السيد الجبالي يتحدث عنه هو بالأحرى الأخلاقية السياسية- بكلمات أخرى، المزايا الأخلاقية لأي حاكم انتهى الاقتباس فها هو ينسحب ويلاطف الكيان الاسرائيلي لن نقترب منكم وبنفس الوقت يعلنها خلافة وبنفس الوقت ينسحب عن قوله ومعلمه اردوغان مشاريعه مع اسرائيل تسير بالتجارة وغيرها بطريقة مريحة بل انها اكثر العلاقات الاسترايجية مع تركيا تلاحما فمن المتقولي والمتشقلب وقصص اللحى وادانة اللحى كما تقول فلم تعد تنفع لان الانسان العاقل العربي المسلم والمسيحي والعلماني عليه ان يقرا الموقف بشكر عام فهناك شعار يسوق ويعمل عليه ويطبق اسمه الاسلام المعتدل وهو اسلام سياسي يقولب الاشخاص وفق اجندة اوراق السياسية والاقتصاد وهذا فتنة عقول وفتنة صور وفتنة امريكية صهيونية … لكن يا خسارة انا ارى هذه الثورات وهذه التغييرات تصب بمصلحة ما اسميه الان ثورة قابيل وهابيل .. لان اسرائيل هادئة راضية باصوات وابواق وسلطت الفتنة بين قابيل وهايبل .وفاء الزاغة



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=11826
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 12 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28