• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الآية 143 من سورة البقرة  والوسطية في القرآن الكريم .
                          • الكاتب : علي جابر الفتلاوي .

الآية 143 من سورة البقرة  والوسطية في القرآن الكريم

قال تعالى: (( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلّا لنعلم من يتبّع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلّا على الذين هدى الله وما كان الله ليُضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم)) البقرة: 143.

الوسط لغة: مكان النصف بين الطرفين، ووسط القوم: توسطهم أي صار بينهم في الوسط، والوسط: المعتدل يقال شيء وسط أي بين الجيد والرديء.(1)     

 وقال الجوهري التوسيط: قطع الشيء نصفين، والتوسط بين الناس من الوساطة.. وواسطة القلادة: الجوهر الذي في وسَطِها وهو أجودها. ويقال: جلست وسْط القوم بالتسكين لأنه ظرف، وجلست في وسَط الدار بالتحريك لأنه اسم، وكل موضع صَلَحَ فيه (بين) فهو وَسْط بالتسكين، وإن لم يصلح فيه (بين) فهو وَسَط بالتحريك. (2)

وقد جاءت مع الآية 143 من البقرة، عدة آيات في القرآن الكريم فيها مفردة (وسط)، مثل الأية الكريمة: (( فوسطن به جمعا)) العاديات: 5، والأية:

((حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين)) البقرة: 238، والآية: (( قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون )) القلم: 28. وبعض المعاني اللغوية التي مرّت تتجسد في مفردات هذه الآيات وآيات غيرها، لكن الآية التي تتحدث عن الاعتدال والوسطية في منهج الفكر الاسلامي هي الآية 143 من البقرة، وسنتناول تفسير الآية والبحث فيها لنصل إلى رؤية عن منهج القرآن الوسطي الاجتماعي والفكري، ومسؤولية المسلمين في تبني هذا المنهج، جاء في تفسير الطبرسي في  بيان المعنى اللغوي: الوسط: العدل، وقيل: الخيار ومعناهما واحد، لأن العدل خير والخير العدل، قال الشاعر زهير بن أبي سلمة:

همُ وسَط يرضى الأنام بحكمهم     إذا طرقتْ إحدى الليالي بمعظم

قال صاحب العين: الوسط من كل شيء أعدله وأفضله، وقيل في صفة النبي (ص): كان من أوسط قومه أي من خيارهم. وأضاف الطبرسي شارحا معنى الآية: بيّن سبحانه فضل هذه الأمة على سائر الأمم فقال سبحانه: (( وكذلك جعلناكم أمة وسطا)) أنه جعل أمة نبيه محمد (ص) عدلا وواسطة بين الرسول والناس. وقوله: ((لتكونوا شهداء على الناس)) فيه ثلاثة أقوال: الأول: لتشهدوا على الناس بأعمالهم التي خالفوا فيها الحق في الدنيا وفي الآخرة، والثاني: لتكونوا حجة على الناس لتبينوا لهم الحق والدين، ويكون الرسول عليكم شهيدا مؤديا للدين إليكم، وسمي الشاهد شاهدا لأنه يبيّن، ولذلك يقال للشهادة بيّنة. والثالث: إنهم يشهدون للانبياء على أممهم المكذّبين لهم بأنهم قد بُلّغوا،وجاز ذلك لإعلام النبي (ص) إياهم بذلك.(3)

وذهب ابن كثير في تفسير الآية بالطريق الواسع، معتمدا على الروايات أيضا مفسرا الوسطية في القرآن، ونختصر بما يتناسب والبحث،  دون الاخلال بالمعنى الوسط: الخيار والأجود، كما يقال قريش أوسط العرب نسبا ودارا، أي: خيرها. وكان رسول الله (ص) وسطا في قومه، أي أشرفهم نسبا، ومنه الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات وهي العصر، كما ثبت في الصحاح وغيرها، ولما جعل الله هذه الأمة وسطا خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب. والوسطية عند ابن كثير أيضا، لنجعلكم خيار الأمم أي تكونوا يوم القيامة شهداء على الامم، لأن الجميع معترفون لكم بالفضل.(4)

كذلك نقل ابن كثير عدة روايات في تفسير الآية، نذكر منها، رواية عن الإمام أحمد وقد ذكر سلسة الرواة عن رسول الله (ص) قال : يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلّغت؟ فيقول: نعم: فيُدعى قومه فيقال لهم: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟  فيقول: محمد وأمته، قال: فذلك قوله: ((وكذلك جعلناكم أمة وسطا))، قال: الوسط: العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم.(5) وذكر روايات أخرى تدور وفق هذا المعنى.

تحدثت الآية عن الوسطية وعن القبلة، وعدّ بعض المفسرين الحديث عن القبلة هو جزء من الحديث عن الوسطية، وموضوع القبلة هو تغييرها من بيت المقدس إلى الكعبة، يقول صاحب الميزان: ((الظاهر ان المراد كما سنحول القبلة لكم لنهديكم إلى صراط مستقيم كذلك جعلناكم أمة وسطا، وقيل إن المعنى ومثل هذا الجعل العجيب جعلناكم أمة وسطا.))(6) 

يقول الطبري في تأويل قوله تعالى(( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها)): ولم نجعل صرفك عن القبلة التي كنت على التوجه إليها يا محمد فصرفناك عنها إلا لنعلم من يتبعك ممن لا يتبعك ممن ينقلب على عقبيه. وروى عن السّدي أن القبلة التي كنت تتوجه إليها قبل أن يصرفك إلى الكعبة ..يعني بيت المقدس(7)

الآية بمجملها وآيات أخرى في القرآن نستوحي منها مفهوم وسطية القرآن الكريم ودعوتها الى المسلمين أن يكونوا وسطا بين الناس حتى في قبلتهم، والوسط في كل شيء يكون موضع اهتمام ونظر جميع الاتجهات الاخرى، (( الآية تشير إلى جانب من أسباب تغيير القبلة، تقول أولا: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) أي كما جعلنا القبلة وسطا، كذلك جعلناكم أمة في حالة اعتدال، لا يشوبها إفراط ولا تفريط في كل جوانب حياتها.))(8)

أما سبب كون قبلة المسلمين قبلة وسطا، فذلك لأن النصارى الذين يعيش أغلبهم في الغرب يولون وجوههم نحو الشرق، حين يتجهون نحو بيت المقدس مسقط رأس المسيح (ع)، واليهود الذين يتواجدون غالبا في الشرق يتجهون نحو الغرب حين يقفون تجاه  بيت  المقدس، أما  الكعبة  بالنسبة للمسلمين المتواجدين في المدينة تجاه

الجنوب، بين المشرق والمغرب، أي خط الوسط. وهذا ما يفهم من عبارة ((وكذلك)) .. فالقرآن يؤكد أن المنهج الإسلامي في كل أبعاده لا في القبلة فحسب يقوم على أساس التوازن والاعتدال.(9)

الآية صريحة الحديث وواضحة المقصد أنها تتحدث عن الوسطية، وليس المقصود من الوسطية في جانب معين بل في كل شيء، حبّبها الله تعالى إلينا ودعانا إلى التمسك بها على مستوى السلوك الفردي والجمعي، وعلى مستوى الفكر والعقيدة. والوسطية هي أحدى مصاديق العدل في الإسلام، والعدالة والوسطية مطلوبتان في جميع الاتجاهات، يعاني المسلمون اليوم من بعضهم البعض أكثر من معاناتهم من أعدائهم التقليديين كالصهاينة مثلا، بل أصطف الخارجون عن الوسطية، وهم المتطرفون مع أعداء المسلمين من أجل أذى المسلمين، لو كان المسلمون متمسكين بمبادئ دينهم وقرآنهم لما بيعت فلسطين وتشرّد شعبها، ولو كان المسلمون اليوم سائرين على مبادئ القرآن، ومنها الوسطية في الفكر والعقيدة والسلوك لما تجرّأ أعداء المسلمين على سلب حقوقهم وخيراتهم، لكن البعض انحرفوا عن الوسطية في الفكر والعقيدة فانحرف السلوك، وزُرعت الاحقاد وتحّول العدو إلى صديق والصديق إلى عدو فأهينت المقدسات، وكان آخرها إعطاء القدس الى الصهاينة هبة من أعداء الاسلام إلى اليهود الصهاينة، والقدس مثل ما صرّحت الآية التي هي موضوع بحثنا قبلة المسلمين الأولى، كل هذه السلبيات سببها الابتعاد عن الوسطية التي دعى إليها القرآن، المنحرفون عن الوسطية من المسلمين هم الأشدّ خطرا على المسلمين والاسلام والمقدسات، المبتعدون عن الوسطية هم من يزرع الفرقة وينشر الكراهية والاحقاد، وهم من وهب ثروات المسلمين لأعدائهم، وهم من يمارس القتل والتشريد بحق الشعوب المسلمة نيابة عن أعداء الاسلام والمسلمين، وقد لقي هؤلاء المتطرفون التشجيع والترحيب والاحتضان من الصهاينة وحلفائهم أعداء الشعوب المسلمة، ولن نتخلص من هذا الوباء إلا بالرجوع الى وسطية القرآن.

من العلماء الذين تكلموا عن الوسطية الشيخ محمد جواد مغنية تحت عنوان: (التكامل والتعادل في الإسلام) ننقل كلامه مختصرا وبتصرف من دون الاخلال بالمعنى: لما كان الانسان مكونا من جسم ترابي يفنى، ومن سرّ إلهي خالد هو الروح، قال تعالى في كتابه العزيز: ((ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)) الاسراء:85 . ولكل من الروح والجسد مطالب وحاجات فجاءت تشريعات الاسلام وتوجيهاته على أساس الأمرين، ولتنظيمهما معا دون أن يطغى أحدهما على الآخر، يقول الشيخ محمد جواد مغنية: للانسان جزءان إهمال أحدهما إهمال له بالذات. يقصد اهمال الروح اهمال للجسد وبالعكس. 

لقد حرّم الاسلام الرهبانية، لأن في الرهبنة قضاء على بعض الصفات الانسانية والغرائز التي أجاز الله تعالى اشباعها بالطرق التي أباحها وشرّعها، فالرهبنة مخالفة للطبائع الانسانية،  كذلك حرّم الله الاسراف في الشهوات  واشباعها  بالطرق

غير المشروعة، كما حرّم سبحانه الترف على حساب الغير .. وكل هذه المظاهر المحرّمة هي خلاف الوسطية، أحلّ الله زينة الحياة والتمتع بطيباتها وفق معيار الوسطية، أحلّ اللبس الطيب، والأكل الطيب وجميع الطيبات فلا تقاطع مع ميزان الوسطية القرآنية، من يستعرض آيات القرآن يجد أن الدنيا كلّها خلقت من أجل حياة راضية مرضية عند الجميع، وأن العزوف عن الحياة هو انزواء عن الدين الذي يدعو للوسطية، كما أن التكالب على الحياة بخيراتها التي هي للجميع وفق معيار العدالة، واحتكار الخيرات من قبل البعض وحرمان الآخرين منها، هو فساد في الأرض، وخطر على المجتمع، وخروج عن الوسطية القرآنية، وأفضل الارزاق في الاسلام ما كان بكد اليمين، وعرق الجبين. وهنا تسقط جميع الوسائل غير الشرعية وغير الطبيعية، من حيازة المال والخيرات بالطرق غير الطبيعية من غش في التعامل، أو سرقة ...الخ.

قال أنس: كنا مع رسول الله (ص) في سفر، ومنا الصائم ومنا المفطر، فنزلنا منزلا في يوم حار، فسقط الصائمون، وقام المفطرون بخدمتهم، فقال رسول الله (ص): ذهب المفطرون اليوم بالأجر كلّه.

هذا هو الوسط والعدل الذي يرتكز عليه الاسلام ويدعو إليه، لا عبادة تقعد بك عن السعي والعمل، ولا شراسة في التكالب تصرفك عن الله وعبادته.

قوله تعالى: (( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)). معاني الكلمات المفردة واضحة، وكذا المعنى العام للآية .. لكن الاشكال والغموض في تعيين ما نشهد به نحن المسلمين على غيرنا .. أي شيء هو؟ هذا السؤال يسأله الشيخ محمد جواد مغنية ويجيب عليه: إن الرسول يشهد غدا على من خالف منا بأنه لم يعمل بالاسلام وأحكامه، فهل نشهد نحن على غير المسلمين بأنهم خالفوا الكتاب والسنة؟ يقول الشيخ محمد جواد مغنية، وقد تعددت أقوال المفسرين في ذلك وتضاربت، لكن الشيخ مغنية لا تطمئن نفسه إلى أقوال هؤلاء المفسرين.

الرأي الذي يميل إليه المفسر محمد جواد مغنية هو: أن علماء المسلمين خاصة مكلفون دينيا أن يبلغوا رسالة نبيهم محمد (ص) على وجهها للناس، سواء منهم المسلم الجاهل وغير المسلم .. فمن قام بهذا الواجب المقدس من العلماء يصبح شاهدا على من بلّغه الرسالة ولم يعمل بها، ومن أهمل من العلماء ولم يبلّغ فإن محمدا (ص) يشهد عليه غدا أمام الله أنه قد خان الرسالة بعد أن عرفها وحملها..

هنا الشيخ مغنية يحمّل علماء الدين مسؤولية توعية الأمة، وأنهم شهداء على أمتهم يوم القيامة والرسول شاهد عليهم عند الله تعالى يوم الحساب الأعظم، فقوله تعالى: ((لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)) تخص العلماء لا عموم الناس على تفسير الشيخ مغنية، ولتقريب الفكرة ضرب لذلك مثلا: رجل عنده مال وله ولد لم يبلغ الرشد، وحين شعر الرجل بدنو اجله، أوصى  جاره  الذي يثق به أن

ينفق من المال على تربية ولده وتعليمه، فإن فعل ونجح الولد كما أراد الوالد فهو المطلوب، وإن اهتمّ الوصي بشان الولد ولكنه تمرد ورفض التعليم، كان الوصي شاهدا على الولد، وإن أهمل الوصي وقصّر في الوصية كان الوالد شاهدا على الوصي، والوصي مسؤول أمام الله والوالد. يقول المفسّر محمد جواد مغنية: وهكذا نحن العلماء مسؤولون أمام الله ورسوله عن بث الدعوة الاسلامية بين أهل الأديان بالحكمة والموعظة الحسنة، وعن تعليم الاحكام لمن يجهلها من المسلمين .. ومن قصّر في هذا الواجب شهد عليه غدا سيد الكونين شهادة صريحة واضحة بين يدي العزيز الجبار. والويل لمن يشهد عليه الرسول (ص)، هذا إذا أهمل ولم يبشر فكيف إذا أساء وكان هو السبب الباعث على التشكيك في الدين واهله.(10)

 أرى تفسير الشيخ محمد جواد مغنية هو الأقرب للواقع، في جزء الآية المتعلق بالشهادة، كما أراه واقعيا وهو يحمّل علماء الدين مسؤولية الشهادة أمام الله يوم الحساب، هذا إذا كان العلماء صالحين مستوعبين لرسالة الاسلام الصحيحة في الحياة، العالم يكون خادما للمجتمع إذا فهم الاسلام فهما صحيحا، ويكون وباء على المجتمع إذا كان شاذا في الفهم، أي إذا خرج في فهمه عن الوسطية القرآنية التي تبني الانسان الوسط في جميع الاتجاهات، كي يكون متوازنا في حياته يعمل للدنيا من غير أن ينسى الله، ويعمل لله من دون أن ينسى الدنيا، والحديث المروي عن نبينا (ص) يقول: ((اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)) هذه هي وسطية القرآن، لا تضحي بالآخرة من أجل الدنيا، ولا تسترخص بالدنيا بحجة الآخرة، بل التوازن والوسطية هي المطلوبة.

والطبقة العامة من الناس الذين يشكلَون الأغلبية يسيرون في خط الوسطية، أو التطرف إلى هذا الجانب أو الجانب الآخر اقتداء بعلماء الأمة، فهم القدوة الى الآخرين، إذا انحرف العالم انحرفت الأمة، لأن القدوة الحسنة في التربية أشدّ تأثيرا من النصح والارشاد، ما فائدة أن ينصح المدرّس الطالب أن لا يدخّن وهو داخل الصف، وعندما يخرج من الصف يرى السيكارة في فم استاذه، هنا لا أثر للنصيحة كذلك العلماء أن لم يكونوا قدوة للآخرين لا فائدة في نصائحهم أو محاضراتهم، والله تعالى يقول: ((إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) الرعد:11

مصائب المسلمين اليوم نتيجة للخروج عن خطّ الوسطية التي أمر بها الله تعالى وأول الخارجين عن خط الوسطية الذين سيتحملون الوزر الأكبر أمام الله تعالى، هم المحسوبون على خط العلماء الذين يفتون بما يشتهي السلطان، فأوجدوا الاتجاهات العقائدية المنحرفة البعيدة عن خطّ الإسلام، دين الوسطية، البعض ممن يُحسبون  على العلماء أفتوا بالتكفير، تكفير المسلم الآخر، وأخذوا يشيعون ثقافة الكراهية وانحرفوا بعقول الناس عن طريق الوسطية التي أرادها الله تعالى لنا ورسوله الكريم، فشاع  التطرف  والتكفير  والارهاب، فذُبح  المئات  من  المسلمين وشرّد الآلاف، وهدمت البيوت والجوامع والمدارس باسم الجهاد المزيف، هؤلاء من  يشهد

على بطلانهم يوم الجزاء، تشهد الأمة والضحايا والعلماء السائرون في خط الوسطية القرآنية، ويشهد عليهم رسول الانسانية محمد (ص). الوسطية هي نقيض التطرف والغلو، وخير الأمور أوسطها، التكفير الذي تبنته المنظمات الارهابية خروج عن الوسطية، وتشويه لصورة الإسلام الانسانية وتمزيق لوحدة المسلمين وخدمة لأعداء الإسلام وأعداء الشعوب من صهاينة وأمريكان، لقد نهى الاسلام عن الغلو والتطرف لأنهما يتقاطعان مع الوسطية القرآنية، قال تعالى: ((يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم)) النساء: 171 وقد فسّر الطبري الغلوّ أي لا تجاوزوا الحقّ في دينكم فتفرطوا فيه.(11) وروي عن ابن عباس: ((يا أيها الناس، إياكم والغلو ّ في الدين، فإنه أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدين.)) (12)

الوسطية القرآنية التي يريدها الله تعالى أن تكون معتدلا في جميع أمورك، معتدلا في عقيدتك بعيدا عن التطرف والغلو، وبعيدا عن التقصير والشرك، ومعتدلا (( في القيم المادية والمعنوية، لا تغطّ في عالم المادة فتنسى المعنويات، ولا تغرق في المعنويات وتتناسى الماديات. ليست كمعظم اليهود لا يفهمون سوى المادة، وليست كرهبان النصارى يتركون الدنيا تماما))(13)

الاعتدال والوسطية يجب أن يكون في العقيدة والسلوك والتعامل، في الروابط الاجتماعية والأخلاقية، وفي جميع الاتجاهات الحياتية الأخرى، حينئذ يعيش الانسان مستقرا متقدما نحو مستقبل أفضل.

مشكلة المسلمين اليوم هي الخروج عن جادة الوسطية، خاصة من بعض القيادات الحاكمة باسم الدين التي تحتضن التطرف والتكفير وتدعم العاملين في هذا الاتجاه. التكفير اليوم أصبح شعار المتطرفين، ووسيلة لقتل المسلم الآخر غير السائر في نفس طريق التطرف، والقتل عام شامل للمسلم السني بحجة أنه مرتد، وللشيعي بحجة أنه كافر، والمستفيد من هوس المتطرف هم أعداء العرب والمسلمين وأعداء الاسلام، وردت أحاديث كثيرة تنهى عن تكفير المسلم الناطق والمقرّ بالشهادتين فكيف إذا كان يمارس ويؤدي الواجبات الدينية، قال الرسول (ص) (14):

((بُني الاسلام على خصال:  شهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله والإقرار بما جاء من عند الله، والجهاد ماضٍ منذ بعث رسله إلى آخر عصابة تكون من المسلمين... فلا تكفّروهم بذنب ولا تشهدوا عليهم بشرك.))

وحيث آخر:(( لا تكفّروا أهل ملتكم وإن عملوا الكبائر))

وحديث آخر: (( لا تكفّروا أحدا من أهل القبلة بذنب وإن عملوا الكبائر.))

أخيرا نتمنى أن نكون قد وفقنا في بحثنا، طلبا لمرضاة الله أولا، ولفائدة القراء الكرام ثانيا، وندعو ربّنا أن يوفق ويحفظ جميع المسلمين، ويبعد عنهم كل سوء.

 

المصادر والمراجع

(1): قاموس الألفاظ والأعلام القرآنية، ص412، محمد اسماعيل إبراهيم.

(2):معجم الصحاح،ص1216، اسماعيل بن حماد الجوهري.

(3): مجمع البيان في تفسير القرآن،ج1، ص217-218، الفضل الطبرسي.

(4): تفسير القرآن العظيم، ج2، ص454،  ابوالفداء اسماعيل بن عمر بن كثير.

(5):م.ن.

(6): الميزان في تفسير القرآن،ج1،ص237، محمد حسين الطباطبائي.

(7): جامع البيان في تأويل القرآن، ج1، ص412، محمد بن جرير الطبري.

(8): الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل،ج1،ص289، ناصر مكارم الشيرازي.

(9):م.ن.

(10): التفسير الكاشف، م1، ص225، محمد جواد مغنية.

(11):  المصدر السابق، محمد بن جرير الطبري، ج7، ص700.

(12): صحيح ابن ماجة، محمد الالباني، حديث: 2455 .

(13): المصدر السابق، ج1،ص291، ناصر مكارم الشيرازي.

(14): كنز العمال، ج1، المتقي الهندي.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=118540
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 05 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18