• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هل تنفع أنصاف الأفكار في مجابهة الرجعية الدينية؟ .
                          • الكاتب : محمد الحمّار .

هل تنفع أنصاف الأفكار في مجابهة الرجعية الدينية؟

 ما زلت مُصرا على أنّ مجتمع مثل مجتمعنا التونسي ليس ناقص دين وإنما ناقص عقل. وإذا أردنا تحديد موقع الداء العقلي الذي يتألم منه المسلم بصفة كامنة ولاواعية فلا مفر من الحيرة بخصوص إيجاد اسم له. فالمحنة مستفحلة وضلت بلا تشخيص إلى درجة أن بقيت بلا اسم. بل إنّ العجز على إلحاقها اسميّا بمفاهيم ثقافتنا دليل على العسر في تشخيصها.

وتبرز العاهة اللقيطة من خلال الطريقة التي تتم بها الردود على إثر سلوك غير مسؤول يصدر عن الظلامية الدينية. فبقدر ما هنالك مشكلة في السلوك موضوع الاستنكار والتنديد، بقدر ما هنالك مشكلة في محتوى الرسالة نفسها وكذلك في منهجية إرسالها. فكل الردود تقريبا متجانسة إلى حدّ الاستنساخ، ممّا يبرهم على نقص رهيب في الخيال وفي التفكير وفي التشخيص وفي التعبير:
 "لا بد من احترام مجلة الأحوال الشخصية وسائر مكتسبات المجتمع"؛ "لا لقمع الحريات الفردية"؛ "هل الإسلام يأمرنا بأن نفعل كذا وكذا؟"؛ "هل هذا الإسلام  الصحيح؟"؛ "الإسلام ليس دين عنف" وما إلى ذلك من عبارات إن دلت على شيء فتدل على الاحتباس التواصلي.
ماذا يقول الإسلام إذن؟ ما الإسلام الصحيح؟ كيف نعبر عن الأحوال الشخصية بلغة الإسلام؟ ما هي سائر مكتسبات المجتمع، بلغة المسلمين؟". مثل هذه الأسئلة تتطلب إجابات فورية من طرف المستنكرين والمنددين بالسلوك المتطرف، فضلا عن كون لزوم الإجابة ينسحب بطبيعة الحال على أصحاب السلوك المنبوذ. بالأحرى، الذين ينفعلون على إثر السلوكيات المشينة، بالرغم من أنهم على حق، وبالرغم من أن نصف المجتمع يشاطرهم الموقف، إلا أنهم أنفسهم مخطئون.
إنهم مخطئون في عدم فهمهم العلة الأصلية التي دفعت أصحاب السلوك المشين إلى أن يُقْدموا على مثل تلك المواقف والخزعبلات والتراهات. بل لو كان المنتقدون مستوعبين لدواعي الرجعية لَما كانت هنالك مشكلات اسمها "الرجعية" و"الظلامية" و"التحجر".
والعقل الرصين يتطلب فهم العلة ثم اتخاذ الموقف حتى يضمن أصحابُ الرأي المنتقد صحة ما يزعمون. وإلا فسيكون خصاما بلا ظالم وبلا مظلوم. بل سيكون مَن يسلك طريق الرجعية كمَن يستنكره. سيُعتبر كلاهما ظالما وكلاهما مظلوما. والمجتمع كله مسؤول عن هاته الحالة . ويبقى الإسلام مظلوما. وهل ينال المجتمع بهذا الصنيع رضا الله ؟
إنّ هذا البعد الثالث، بُعد الشعور بالآخر والاعتراف بالضلوع في ارتكاب خطأ مشترك، هو الذي يوعز المجتمع المسلم اليوم. وهو بُعد سياسة الأنفاق إن صح التعبير. وهو بُعد ما تحت الاجتهاد إن شئنا مزيدا من التدقيق. وهو بُعد الاجتهاد السياسي الشعبي الذي يتطلب  تأصيل المفاهيم والقيم الحداثية في الثقافة المحلية والإسلامية عموما.
زد على ذلك أن الواقع الجديد، الديمقراطي الانتقالي، بدأ يثبت لنا أن لا يتلاقى مَن يُبدي الموقف المستفِز مع مَن يستنكر موقف هذا الأخير من دون بيداغوجيا. وليست التعددية الحزبية هي البيداغوجيا المطلوبة. حيث إننا انتظرنا طويلا أن "يتصادم" القطبان، القطب الإسلاموي المتشنج والقطب الحداثوي المتبرج، عبر نظام التعددية الحزبية والانتخابات. وانتظرنا ذلك لنتأكد من طوبوية الرأي القائل بالتلاقي على إثر التصادم. وها أنّ كل المؤشرات تدل على أنّ الوعي بضرورة ضخ الحياة الفكرية بالبيداغوجيا غير متوفر. 
وهل البيداغوجيا نفسها متوفرة؟ طبعا الوعي بضرورتها هو الذي يساهم في بلورتها. لكن بالرغم من غياب الوعي، إلا أنّ بوادر الحلول متوفرة. في هذا السياق يتمثل الخط العام للبيداغوجيا الناقصة تحديدا في تكميل  البُعد "الانتقادي" ببُعدٍ بنائي. ولكل خبير حسب تخصصه. و يا حبذا لو تضافرت جهود كل الأخصائيين من أجل هذا البناء. الطبيب والمهندس والحقوقي والمحاسب مَعنيون بمدّ يد المساعدة في هذا العمل الإيديولوجي الشعبي. كل أخصائي في المعرفة والعلم ينبغي أن يكون ضالعا في إيجاد الحل. 
وتؤول وظيفة الرعاية، من تنسيقٍ وتسهيلٍ للعمل الإيديولوجي البنائي الشعبي، للألسني ثم للمعلم. فالأول بيده مفاتيح اللغة، حيث إنها أمّ الاختصاصات وتعبّر عن الاختصاصات كافة. أمّا الثاني فهو المُنزّل والمُبلغ والمُجرّب. 
خلاصة الأمر أنّ التعددية الحزبية ضرورية لكنها ليست كافية لدفع المسار الديمقراطي الثوري إلى الأمام. فالمطلوب عاجلا وآجلا العمل التحتي، "الاجتهادية"، لمساندة التعددية.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=11865
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 12 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29