• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الطعام، مادي ومعنوي... .
                          • الكاتب : عبدالاله الشبيبي .

الطعام، مادي ومعنوي...

الانسان روح وبدن، الأول مصدر العلم والفضيلة، والرضا والغضب، والحزن والسرور، والجبن والشجاعة، والسخاء والبخل وما إليها.. والثاني مصدر الإدراك والذوق، والسمع والبصر، والشباب والهرم، والصحة والسقم وما إليها.. ولكل من هذين استقامة وانحراف: فانحراف الجسد: المرض، واستقامته: العافية، وانحراف الروح: البخل والجبن وما إليها، واستقامته: الكرم والشجاعة وما إليها. وكما أنّ بدن الإنسان لا يقوم إلا بالوقود، من أكل وشرب وهواء وضوء.. كذلك روح الإنسان لا تقوم، إلا بعلم وعدل، ومروءة وفضيلة. وكما أنّ المريض يحتاج إلى الطبيب الجسماني وإلا هلك. كذلك المريض النفسي يحتاج إلى الطبيب الروحاني، وإلا هلك.
والأخلاق إنّما وضعت لإصلاح الروح، كما إن الطب إنما وضع لإصلاح الجسم. فعلينا إذاً أن نزوّد أنفسنا بالوقود الخلقي، كما نزوّد أجسامنا بالوقود البدني. وعلينا أن نعالج أرواحنا المريضة، كما علينا أن نعالج أجسامنا المريضة. المصدر: الفضيلة الاسلامية، ص7.
قال تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ‏ إِلَى طَعَامِهِ﴾ والنظر إلى الطعام كاشفٌ عن قدرة الله سبحانه، كما أنَّ جميع الآيات الآفاقيّة كاشفةٌ عن قدرته سبحانه. وأشار السياق القرآني إلى حصّةٍ من الطعام، وهو الطعام الناشئ من النبات، أو قل: حصّة من النبات، وهو النبات المأكول؛ لأنَّه يمثّل أساس ما يتناوله الإنسان، بل الحيوانات المأكولة للإنسان تتغذّى على النبات أيضاً، وسائر المخلوقات من إنسانٍ ونباتٍ وحيوانٍ يعود إلى التراب. منة المنان، ج5، ص182.
وقال صاحب الميزان في معنى قوله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ‏ إِلَى طَعَامِهِ﴾ متفرع على ما تقدم تفرع التفصيل على الإجمال ففيه توجيه نظر الإنسان إلى طعامه الذي يقتات به ويستمد منه لبقائه وهو واحد مما لا يحصى مما هيأه التدبير الربوبي لرفع حوائجه في الحياة حتى يتأمله فيشاهد سعة التدبير الربوبي التي تدهش لبه وتحير عقله، وتعلق العناية الإلهية ــ على دقتها وإحاطتها ــ بصلاح حاله واستقامة أمره. المصدر: تفسير الميزان.
وعليه فان الغذاء من أقرب الاشياء الخارجية من الإنسان وأحد العوامل الرئيسية في بناء بدنه، ولولاه لتقطّعت أنفاس الإنسان وأسدلت ستارة نصيبه من الحياة، ولذلك جاء التأكيد القرآني على الغذاء وبالذات النباتي منه من دون بقية العوامل المسخرة لخدمة هذا المخلوق الصغير في حجمه.
ومن الجلي أنّ النظر المأمور به في الآية جاء بصيغة المجاز، واُريد به التأمل والتفكير في بناء هذه المواد الغذائية، وما تحويه من تركيبات حياتية، وما لها من تأثيرات مهمّة وفاعلة في وجود الإنسان، وصولاً إلى حال التأمل في أمر خالقها جلّ وعلا.
أمّا ما احتمله البعض، من كون النظر في الآية هو النظر الظاهري "أي المعنى الحقيقي للكلمة"، وعلى أساس طبي، حيث أنّ النظر إلى الغذاء يثير إلى الغدد الموجودة في الفم لإفراز موادها كي تساعد عملية هضمه في المعدة، فيبدو هذا الإحتمال بعيداً جدّاً، لأنّ سياق الآية وبربطها بما قبلها وما بعدها من الآيات لا ينسجم مع هذا الإحتمال.
وبطبيعة الحال إنّ الذين يميلون إلى هذا الإحتمال هم علماء التغذية الذين ينظرون إلى القرآن الكريم من زاوية تخصصهم لا غير.
وقيل أيضاً: نظر الإنسان إلى غذاءه في حال جلوسه حول مائدة الطعام، النظر إلى كيفية حصوله... فهل كان من حلال أم من حرام؟ هل هو مشروع أم غير مشروع؟ أيْ ينظر إلى طعامه من جانبيه الأخلاقي والتشريعي.
وقد ذُكِرَ في بعض روايات أهل البيت(عليهم السلام)، إنّ المراد بـ الطعام في الآية هو العلم لأنّه غذاء الروح الإنسانية.
ومن هذه الروايات ما روي عن الإمام الباقر(عليه السلام) في تفسير الآية، إنّه قال: علمه الذي يأخذه عمن يأخده.
وإذا كان المستفاد من ظاهر الآية هو الطعام الذي يدخل في عملية بناء الجسم، فلا يمنع من تعميمه ليشمل الغذاء الروحي أيضاً، لأنّ الإنسان في تركيبته مكوّن من جسم وروح، فكما أنّ الجسم يحتاج إلى الغذاء المادي فكذا الروح بحاجة إلى الغذاء المعنوي.
وفي الوقت الذي ينبغي على الإنسان أنْ يكون فيه دقيقاً متابعاً لأمر غذائه وباحثاً عن منبعه: وهو المطر المحيي الأرض بعد موتها، فعليه أيضاً أنْ يهتم في أمر غذاءه الروحي وباحثاً في منشئه. المصدر: تفسير الامثل، ج19، ص326.
انّ شخصية الإنسان وحقيقته بروحه، وإن غذاء الروح هو العلم، فلو حصر الإنسان تفكيره في منامه ومأكله ومسكنه ومعاشه على حدّ تعبيرك، فما هو فرقه عن سائر الحيوانات؟! فالبقرة مثلاً تأكل أكثر من كل إنسان كما أنها أقوى منه، وإنّ الأسد والنمر أقوى من كل انسان والجميع يخافونهما ، وهناك الكثير من الحيوانات تفوق الإنسان في غريزتها الجنسية، فلو كانت هذه الصفات ملاكاً في الفضيلة والكمال كان الإنسان أدنى من الكثير من الحيوانات.
إن فضيلة الإنسان وقيمته بفكره وعلمه وأخلاقه الحسنة وأعماله الصالحة، فعليه أن يسعى في طلب العلم، وأن يتحلى بالأخلاق والصفات الفاضلة، وأن يبادر إلى الأعمال الصالحة، وأن يتجنب الأفعال الرذيلة، لكي يسمو على الموجودات الأخرى. المصدر: من المبدأ الى المعاد، ص25.
يحتاج الإنسان كسائر الأحياء إلى الغذاء، فبالغذاء يستطيع أن يستمر في حياته، وإذا لم يتناول طعاماً فانه يموت. إن جميع الشهوات والميول الإنسانية التي هي مصدر النشاطات المختلفة تستيقظ بعد تناول الطعام وتدفع الإنسان إلى الحركة والعمل والسعي. وفي العصور المظلمة كان بعض الناس يتوهمون أن الأنبياء لا يحتاجون إلى الطعام لمنزلتهم السامية، ولذلك فقد جاء القرآن الكريم مفنداً هذه النظرة بصراحة: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾. المصدر: الطفل بين الوراثة والتربية، ج1، ص203.
إن جسم الإنسان يشبه قلعة محكمة الأسوار، يحيط به الجلد كجدار يقوم حولها، والعروق التي تعتبر بمثابة الطرق الرئيسية والفرعية في هذه القلعة لا ترتبط بالمحيط الخارجي، أما المواد التي يحتاجها فانها تدخل فيه بواسطة طريقين رئيسيين هما: الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي. إن البدن يتصل بالبيئة الخارجية عن هذين الطريقين فهو يتلقى بهما المواد الغذائية والعناصر الضرورية للحياة ويستمر في القيام بأعماله.
إن الجهاز الروحي للانسان ـ بما فيه من الروح، والنفس، والمخ، والعقل ـ ليس متصلاُ مع المحيط الخارجي بصورة مباشرة. فهناك طريقان رئيسيان تربطان من الجهة المعنوية بين البيئة الخارجية والجهاز الروحي للانسان، هما: العين والأذن. فإن القسم الأكبر من الواردات الفكرية والتغذية المعنوية عند الإنسان يحصل من هذين الطرقين. 
وكما وجدنا إمكان مرور المواد المضرة من حدود الأمعاء وحويصلات الرئتين أحياناُ بالرغم من وجود القوى الدفاعية التي تراقب الواردات الغذائية والتنفسية، يشتد هذا الخطر بالنسبة إلى الواردات الفكرية والتربوية عن طريق العين والأذن بلا رقابة أو تمييز بين الصحيح والفاسد منها، حيث تنفذ هذه الواردات بواسطة هذين الطريقين إلى النفس وتصل إلى أعماق الفكر وتؤثر آثارها الصالحة أو الفاسدة.
أول نقطة مهمة لافتة للنظر في أدوية حجب العلم والحكمة هي أن هذه الأدوية هي غذاء للروح ومبادئ للإلهام، مضافاً إلى تمزيقها حجب المعرفة من الفكر والقلب. بعبارة أخرى، لا منافاة بين تطبيب هذه الأمور، وكونها مبدأ للإلهامات الغيبية الإلهية، كما نلحظ في أدوية الجسم أن غذائية الدواء كمال له. وهكذا في أدواء الروح، فإن أدوية حجب المعرفة تمتاز بهذه الخاصية المهمة. المصدر: العلم والحكمة في الكتاب والسنة، ص194.
إن عظمة الإنسان هي بروح الإنسان والشيء المنفصل عن روح الإنسان هو أداة تنفيذية فقط. بناء على هذا فإذا كان شخص يتمتع بمزايا خارج النفس فقط، فنفسه لم تتكامل والشيء الذي هو عامل كمال النفس يجب أن يكون مزايا روحية وهو غذاء الروح، وغذاء الروح تشكله المعارف والعلوم والأخلاق والمزايا الفاضلة. المصدر السابق نفسه.
وقيل: أليس المريض إذا منع الطعام والشراب والدواء يموت؟ قالوا: بلى، قال: كذلك القلب إذا منع عنه الحكمة والعلم ثلاثة أيام يموت. 
ولقد صدق فإن غذاء القلب العلم والحكمة وبهما حياته، كما أن غذاء الجسد الطعام، ومن فقد العلم فقلبه مريض وموته لازم ولكنه لا يشعر به؛ إذ حب الدنيا وشغله بها أبطل إحساسه؛ كما أن غلبة الخوف قد تبطل ألم الجراح في الحال وإن كان واقعاً؛ فإذا حط الموت عنه أعباء الدنيا أحسَّ بهلاكه وتحسر تحسراً عظيماً ثم لا ينفعه وذلك كإحساس الآمن خوفه والمفيق من سكره بما أصابه من الجراحات في حالة السكر أو الخوف، فنعوذ بالله من يوم كشف الغطاء فإن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا. المصدر: إحياء العلوم.
وقوله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ‏ إِلَى طَعَامِهِ﴾ أي: الحسي والمعنوي، وهو قوت القلوب والأرواح، أنَّا صببنا الماء صبًّا، أي: صببنا ماء العلوم والواردات على القلوب الميتة فحييت. 
قال القشيري: صَبَبْنا ماءَ الرحمة على القلوب القاسية فَلاَنتْ للتوبة، وماء التعريف على القلوب الصافية فنبتت فيها أزهار التوحيد وأنوارُ التجريد. ثم شققنا أرض البشرية بأنواع العبادات والعبودية، شقًّا، فأنبتنا فيها: في قلبها حَبَّ المحبة، وكَرْمَ الخمرة الأزلية، وقَضْب الزهد في زهرة الدنيا وشهواتها، وزيتوناً يشتعل بزيتها مصابيح العلوم، ونخلاً يجنى منها ثمار حلاوة المعاملة، وحدائق، أي: بساتين المعارف متكاثفة التجليات، وأبًّا، أي: مرعى لأرواحكم، بالفكرة والنظرة في أنوار التجليات الجلالية والجمالية، فيأخذ النصيب من كل شيء، ويعرف الله في كل شيء. المصدر: البحر المديد.
وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: مالي أرى الناس إذا قُرّب إليهم الطعام ليلاً تكلّفوا إنارة المصابيح، ليبصروا ما يدخلون بطونهم، ولا يهتمّون بغذاء النفس، بأن يُنيروا مصابيح ألبابهم بالعلم، ليسلموا من لواحق الجهالة والذنوب، في اعتقاداتهم وأعمالهم!
قال المحقّق الكاشاني في الصافي عن الباقر(عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ‏ إِلَى طَعَامِهِ﴾ أي علمه الّذي يأخذ عمّن يأخذه. أقول: وذلك لأنَّ الطعام يشمل طعام البدن وطعام الروح جميعاً، كما أنّ الإنسان يشمل البدن والروح، فكما أنّه مأمور بأن ينظر إلى غذائه الجسماني ليعلم أنّه نزل من السماء من عند الله سبحانه بأن صبَّ الماء صبّاً إلى آخر الآيات، فكذلك مأمور بأن ينظر إلى غذائه الروحاني الّذي هو العلم، ليعلم أنّه نزل من السماء من عند الله عزَّوجلَّ بأن صبّه أمطار الوحي إلى أرض النبوّة وشجرة الرسالة وينبوع الحكمة، فأخرج منها حبوب الحقائق وفواكه المعارف ليغتذي بها أرواح القابلين للتربية. 
فقوله(عليه السلام): علمه الّذي يأخذ عمّن يأخذه أي: ينبغي له أن يأخذ علمه من أهل بيت النبوّة الّذين هم مهابط الوحي وينابيع الحكمة الآخذون علومهم من الله سبحانه، حتّى يصلح لأن يصير غذاء لروحه دون غيرهم ممّن لا رابطة بينه وبين الله تعالى من حيث الوحي والإلهام، فإنّ علومهم إمّا حفظ أقاويل رجال ليس في أقوالهم حجّة، وإمّا آلة جدال لا مدخل لها في المحجّة، وليس شيء منهما من الله عزَّوجلَّ بل من الشيطان، فلا يصلح غذاء للروح والإيمان. المصدر: مستدرك سفينة البحار. 
إن كلا من الروح والجسد يحتاج في تأمين سعادته ووصوله إلى كماله اللائق به إلى الغذاء الكامل والجامع. وإن فقدان أي عنصر من الغذاء يهيئ تربة مساعدة للانحراف أو الضعف في الروح والجسد.
إن نظرة أئمة الهدى إلى الأطعمة كانت تشمل جميع منافعها ومضارها الروحية والبدنية، وقد صرحوا في بعض الموارد بالمفاسد الروحية والنفسية لها عند التعرض لذكر إضرارها البدنية. وها هو كلام الإمام الرضا عليه السلام في علة حرمة شرب الدم بعد ذكر الأضرار البدنية لذلك: ويسيء الخلق، ويورث القسوة للقلب، وقلة الرأفة والرحمة، ولا يؤمن أن يقتل ولد والده.
ولقد أعطى القران الكريم وبالخصوص في هذه الآية كلّ هذه الأهمية لغذاء البدن، فهي تدفع الإنسان للتحري عن سلامة غذاءه الروحي، لأنّ فعل التعليمات المنحرفة والتوجيهات الفاسدة الباطلة كفعل الغذاء المسموم، فهي تنخر في البناء الروحي وتعرض حياة الإنسان للخطر.
وممّا يحزُّ في نفوس المؤمنين أن يروا قسماً من الناس وقد تكالبوا على غذاء البدن بكلّ دقة واعتناء، وأهملوا الغذاء الروحي فترى مثلاً، من يقرأ أيّ كتاب وإن كان فاسد ومفسِّد، ويستمع لأيّ حديث وإن كان ضالاً مضلاً، دون أن يضع لتوجيهاته أيّ ضابط بقيد أو شرط!.
إذ شبه الإمام الحسن عليه السلام هذا الأمر بالقول التالي: عجبت لمن يتفكر في مأكولة، كيف لا يتفكر في معقولة، فيجنب بطنه ما يؤذيه، ويودع صدره ما يرديه.
ان الذي يهتم بصحته لا يتناول طعاماً من يد شخص مصاب بالسل أو الجدري لأنه لا يطمئن إلى سلامة الطعام ونظافته. هناك أفراد مصابون بالأمراض الروحية والخلقية ولذلك فإن أقوالهم وكتاباتهم التي تعبر بمثابة غذاء روحي للناس ليست مأمونة، وذلك لأن من الممكن أن يلوث فساد الفكر ألسنتهم وأقلامهم أيضاً ويؤدي ذلك إلى انتشار الانحراف والفساد في المجتمع.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=118851
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 05 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28