• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (٦) .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (٦)

   {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}.
   قد تبدُو فرصَ النَّجاحِ أَحياناً واضحةٌ لا تحتاجُ إِلى كثيرِ عناءٍ لاكتشافِها، إِلّا أَنَّها في أَغلبِ الأَحيان تَكُونُ خافيةً تحتاجُ إِلى أَن يتتبَّعها المرءُ خطوةً فخطوةً ليلمِس رأسَ الخيطِ كما يُقال!.
   مشكلتُنا أَنَّنا نبذلَ القليلَ من الجُهدِ لإِكتشافِ فُرصَ النَّجاح فإِذا لم نحصَل عليها ندعَها يائِسين ثمَّ نجلس على قارعةِ الطَّريقِ نندب حظَّنا!.
   ليست كلَّ فُرص النَّجاح في مُتناول اليد، وإِنَّما أَغلبها خافيةٌ وهي بحاجةٍ إِلى جُهدٍ سريٍّ وعلنيٍّ، فرديٍّ وجماعيٍّ، عامٍّ وخاصٍّ للحصُولِ عليها!.
   فعندما عادُوا إِخوة يوسُف (ع) إِلى أَبيهم بخفِيِّ حَنينِ من دُونِ خَبرٍ أَو معلُومةٍ عَنْهُ حثَّهُم أَبوهم يعقوب (ع) على أَن يعودُوا ويتحسَّسوا منهُ ومن أَخيهِ، فرُبما لا ينفعُ البحث العلني أَو العام للوصُولِ إِلى المعلُومةِ الدَّقيقةِ التي تهديهِم إِلى أَخيهم يوسُف وأَخيهِ! فليست كلَّ النَّتائج يُمْكِنُ الوصول إِليها بالبحثِ العام والعلني! وإِنَّما هناكَ نوعٌ من النَّتائج تحتاجُ إِلى بحثٍ تفصيليٍّ خطوةً فخطوةً للتوصُّلِ إِليها!.
   صاحبُ الهدفِ السَّامي والنَّبيل لا ييأَس فيظلُّ يبحثُ! أَمَّا المُستأَجر والموظَّف فليسَ كذلك!.
   كما أَنَّها [النَّتائج] تحتاجُ عادةً إِلى التَّأَنّي وعدم الإِستعجال، فليسَ كلَّ النَّاسِ على مستوىً واحدٍ من الإِستيعاب! ولذلكَ فقد تُنتج العجلة إِنحرافَ الجماعةِ كما حصلَ لقومِ موسى (ع) {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَىٰ* قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ* قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ}.
   هذا الأَمرُ يصدُق على الإِنسانِ الفرد والإِنسان المُجتمع! وهو نوعٌ من البحثِ يحتاجُ إِلى صبرٍ وأَناةٍ وسعةِ صدرٍ وطُولِ نفسٍ ليُؤتي ثمارهُ!.
   فللتأثيرِ على سلوكِ الطِّفل المُتمرِّد مثلاً والمُشاكس يحتاجُ الوالِدان إِلى طُولِ أَناةٍ معهُ وعدم الإِستعجال أَمّا الطُّرق العُنفيَّة والحادَّة والمُستعجَلة التي قد يتصوَّر الأَبُ أَنَّها أَسرعُ تأثيراً من غيرِها، فهي لا تعدُو أَكثر من أَن تكونَ ذَا أَثرٍ موضعيٍّ فقط وَلَيْسَ جذريٌّ يستقرُّ في النَّفس مع التَّربية!.
   كذلك الحال بالنِّسبةِ إِلى التَّغيير والإِصلاح الإِجتماعي فالطُّرق العُنفيَّة المُتسرِّعة لا تُنتجُ إِلّا أَحدُ أَمرَين؛
   إِمّا زيادة التمرُّد والفشل والإِنحراف أَو النِّفاق عندما لا يجدُ المُجتمع بُدّاً من الإِستسلام والإِنحناء أَمام العاصِفةِ كما يقولُونَ إِلى حينِ أَن تمُرَّ بسلامٍ ليعُودَ كلَّ شَيْءٍ إِلى ما هُوَ عَلَيْهِ!.
   إِذا أَردنا أَن نُحقِّقَ تغييراً حقيقيّاً وإِصلاحاً طبيعيّاً ينبغي أَن نتحسَّس الأَثر خُطوةً فخُطوةٍ كمَن ينوي صعُود السلَّم! أَمّا القفز والإِستعجال فلن يُنتجَ أَيَّ تغييرٍ حقيقيٍّ أَو إِصلاح ثابتٍ! وهُنا بالضَّبط يكمُن الفرق بيننا، وأَقصد شعوب البِلاد النَّامية، وبينهم وأَقصد شعُوب البِلاد المُتقدِّمة!.
   إِنَّهم؛
   ١/ يأخذُون بكلِّ أَسباب التَّغيير وأَدواتهِ من دونِ إِغفالِ أَبسطِها ورُبما أَتفهِها! فلا زال السَّببُ جزءً من عمليَّة الإِصلاح والتَّغيير فلابدَّ من التَّعامل معهُ والأَخذ بهِ.
   ٢/ لا لليأس! هذا هُوَ شعارهُم! ولذلك تميَّزُوا بصفةِ المُثابرةِ ومُواصلة الطَّريق مهما صعُبت شروطهُ وتعقَّدت مراحلهُ! أَمّا نَحْنُ ففي كلِّ قضيَّةٍ خاصةً كانت أَو عامَّةً لا نواصلها بمجرَّد أَن تصادفنا عقبةٌ أَو معضلةٌ! بدلاً من أَن نجدَ لها حلاً أَو بديلاً رُبما.
   فالنَّاجحُون لا يستسلمُون أَبداً، أَمّا المُستسلمُونَ فلا ينجحُون أَبداً! ولذلكَ قَالَ لهم أَبوهُم {وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ} ولهذا نجحُوا في مسعى البحثِ عن أَخوهم يوسُفَ وأَخُوهُ!.
   لقد سمعتُ مرَّةً أَحد الفُقهاء المراجِع يشرح حديثَ رسول الله (ص) {أَلمُؤمِنُ كالمَاءِ} يَقُولُ؛
   أَرأَيتم الماءَ إِذا جرى في أَرضٍ ما؟! إِذا صادفتهُ حفرةً نزلَ فيها وملأَها ليعبرَها بلا توقُّف! وإِذا صادفتهُ تلَّةً صغيرةً أَو مُرتفعاً من الأَرْضِ تجمَّع خلفها ليقفِزَ مِن عليها من دونِ أَن يقفَ وراءَها أَو تُعرقِلَ مسيرهُ وتقدُّمهُ!.
   هكذا هُوَ المُؤمنُ [صاحبُ القضيَّة] لا تعجزهُ الأَسباب ولا تُثنيهِ العقبات ولا تُوقف جُهدهُ وسعيهُ الظُّروف مهما صعُبت وتعقَّدت!. 
   وصدقَ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) الذي يَقُولُ {اَلْعَجْزُ آفَةٌ وَ اَلصَّبْرُ شَجَاعَةٌ وَ اَلزُّهْدُ ثَرْوَةٌ وَ اَلْوَرَعُ جُنَّةٌ وَ نِعْمَ اَلْقَرِينُ اَلرِّضَا} ولا يتحقَّقُ ذَلِكَ إِلّا بالأَملِ وطردِ اليأسِ فإِنَّهُ بداية البُؤس.
   يَقُولُ (ع) {قُرِنَتِ الْهَيْبَةُ بِالْخَيْبَةِ، وَالْحَيَاءُ بِالْحِرْمَانِ، وَالْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ} فلولا إِيمانُ يَعْقُوبَ (ع) وإِصرارهِ على التوصُّل إِلى النَّتائج المُرضية لاستسلمَ أَبناءهُ وضاعت المعلُومة الصَّحيحة على الجميعِ ولما تغيَّر وجهُ التَّاريخِ!.
   ٢١ مايس [أَيَّار] ٢٠١٨
                            لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=119343
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 05 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18