• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مسيرة التراث المهدوي الشيعي .
                          • الكاتب : مجتبى الساده .

مسيرة التراث المهدوي الشيعي

الثقافة المهدوية هي إحدى المسارات الفكرية الإنسانية المشتركة وليست المسار الوحيد ، لكن أثر التحولات الدينية والفكرية والسياسية المختلفة تكون واضحة على مستوى معارفه وفنونه بشكل جلي ، ففكرة المخلص (المهدوية) في كل مراحلها ومستجداتها التاريخية كانت متجهة لهدف واحد ونقطة محددة (تحقيق دولة العدل الإلهي) ، ولكن الأطروحات الزمنية تختلف وتتعدد حسب كل حقبة تاريخية والمؤثرات فيها ، وهكذا هي حركة التاريخ. 

إن البحث في الأصول التاريخية لفكرة المهدي قبل العصر الإسلامي ، نجد أن ملامحها العامة تكونت بما أطلق عليه لفظة (المخلص أو المنقذ) ، فقد ساهم في تكوين الفكرة ونشأتها كل الديانات السماوية والفلسفات البشرية ، فهي في الأساس وحي إلهي ومنهج رباني .. لقد اهتم بها الفكر الديني في مراحله المبكرة في الفترة الممتدة قبل ظهور الإسلام ، وكان التركيز الأساسي تجاهها ينصب على أنها أمنية كبرى وحلم للبشرية بظهور المنقذ الموعود ، ورغم أن المنطق الديني آنذاك قد لمح للمهدوية في إشارات عديدة في الكتب السماوية المقدسة ، إلا أنه قد غاب عنه تحديد هويتها ، فتحدث عن المبدأ العام وأساس الفكرة وأشار لدولة المخلص الفاضلة ، مما جعل الفكرة من المبادئ والمسلمات.

قد تطورت فكرة المخلص من مجرد أمنية إلى عقيدة ثابتة من خلال إسهامات الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته الأطهار (ع) ، حيث انتقلت فكرة المنقذ الموعود لمرحلة أكثر تطوراً في التراث الديني ، فقد تطورت ملامح الفكرة في العصر الإسلامي إلى أن أخذت الشكل النهائي وتحددت هويتها وشخصيتها ، ومع مرور الأيام في عهد الأئمة الأطهار تحولت من مجرد أفكار نظرية وأخبار مستقبلية غيبية إلى واقع ملموس في زمن الإمام العسكري (ع) حيث ولد الإمام المهدي عام 255 هـ ، وبإرادة إلهية احتجب عن الناس وتأجل ظهوره إلى آخر الزمان ، وبدأ الدور الفعلي للإمام المهدي (عج) بشكل غير مباشر عن طريق سفرائه في الغيبة الصغرى.

أسدل ستار نظام السفارة وبحوزة المسلمين رصيدٌ ضخمٌ من النصوص الشرعية التي تُهيئ للإمام المهدي القيام بدوره خلف الستار ، وقد آمن وتقبل المؤمنون بهذه الحقيقة ، وأخذ فقهاء الإمامية موقعهم الجديد ، وبدأت الثقافة المهدوية تُنشأ وتتطور تدريجياً.

تمثل المشهد الأول في التراث المهدوي في كتب ومصنفات بداية الغيبة الكبرى ، حيث أصلت للمعارف المهدوية عندما حدثت نهضة في الحرية الفكرية المتاحة للعلماء الشيعة في القرن الرابع الهجري في ظل ثلاث دول شيعية آنذاك (البويهية والحمدانية والفاطمية) فانعطف منحى مسار المعارف المهدوية للأعلى .. وللأسف حدث ركود فكري في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري في زمن السلاجقة ، فتغير المسار التصاعدي للمعارف المهدوية إلى التراجع نتيجة للظروف السياسية والتعصب الطائفي .. ومع انتشار التشيع في أوائل القرن العاشر الهجري بظهور الدولة الصفوية تميزت هذه الفترة بانفتاح المجال السياسي أمام فقهاء الشيعة ، والولاية العامة للفقيه بصفته نائباً للإمام المهدي (ع) ، ومع توسع العلوم الطبيعية والإنسانية بشكل عام ، أخذت المعارف المهدوية تتفرع وتتنوع أفقياً وتشكل قاعدة وحصيلة تراكمية للتراث المهدوي ، ولكن على مستوى المسار التصاعدي العمودي تزحف ببطء وبتثاقل .. ومن ناحية أخرى دخل الشيعة في عهد الدولة القاجارية في صراع ومواجهة مع الفرق الضالة والمنحرفة الجديدة كالبابية والبهائية والتي هي ربيبة الاستعمار الأجنبي والتي استغلت بعض سمات القضية المهدوية في بداية انطلاق حركتها ونشوئها ، فانبرى العلماء في الرد على إدعاءاتهم ومزاعمهم وتحصين الأمة عن مثل هذه الافتراءات الكاذبة .. وفي أواخر القرن الرابع عشر الهجري (العصر الحديث) حدثت تحولات فكرية وسياسية في غاية الأهمية ، أولا بظهور شخصيات عبقرية مبدعة رائدة في الثقافة المهدوية كالصدرين ومطهري والشيرازي ، فجاءت انعطافة تصاعدية بارزة في مسار المعارف المهدوية وعلامة فارقة تجديدية ابتكارية في التراث المهدوي بكتاباتهم الصغيرة الحجم الكبيرة المعنى ، وثانيا بظهور الجمهورية الإسلامية في إيران في بدايات القرن الخامس عشر ، فانتشرت الثقافة المهدوية كماً وكيفاً ، وأخذت المعارف المهدوية تتجدد وتبتعد عن الكتابات التقليدية وتنحى المنهج العقلي والتحليلي ، وتوسع التراث المهدوي بشكل لم يسبق له مثيل ، وصنفت الكتابات على أكثر من صعيد .

إن دراسة التراث المهدوي واستقراء التطور المعرفي في الثقافة المهدوية تعطي صورة واضحة عن فهم واستيعاب الإنسانية للمهدوية ، علما بأن فكرنا وإدراكنا في الوقت الحالي لازال قاصراً للإحاطة بجميع جوانبها ، حيث يخيم عليه ضباب وحجاب الغيبة ، وننتظر أن يأتي اليوم الموعود ، ونعيش في كنف الإمام المهدي ونسعد في ظل دولته الفاضلة وحضارته ، فنعرف حينها المهدوية على حقيقتها.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=119786
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 05 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29