يترقب الشارع الرياضي اليوم ما سوف تتمخض عنه الممارسة الديمقراطية المهمة المتمثلة في أنتخابات اتحاد كرة القدم العراقي، وما تسفر عنه من نتائج نتمنى مخلصين وبعيدا عن كل ما جرى خلال المدة المنصرمة من تجاذبات ومشاكل كادت تدخلنا في أزمة معقدة ونفق مظلم، أن تضع الكرة العراقية على أعتاب مرحلة جديدة تضع مرتكزات حقيقية لبناء صحيح وتخطيط سليم على المدى القريب في الأقل، بعد إستلهام تجارب الأمس بكل ما حفلت به من سلبيات وأيجابيات, كذلك ما زلنا ننتظر أنفضاض سامر دوري الكرة وأستراحة المتحاربين، بعد أن ينقضي أطول موسم كروي في العالم وأصعب مسابقة كروية في مشارق الأرض ومغاربها, أطول مسابقة لأنها أحرقت أربعة فصول كاملة تمثل عمر الزمن في سنة واحدة. وهي أطول مسابقة لأن دوريات العالم المتحضر والمتخلف على حد سواء أطلقت مسابقاتها بعد موعد اطلاق مسابقتنا المحروسة وأنتهت منها، بل ان بينها من يتأهب لانطلاق مسابقات الموسم الجديد ونحن لم ندرك خط النهاية بعد، وهي أصعب مسابقة لأن لا أحد في العالم يلعب الكرة في ظل درجة حرارة تجتاز نصف معدل درجة الغليان، وكل انسان بسيط يعيش على هذه الأرض الطيبة يعرف جيدا - حلاوة - الركض واللهاث أكثر من 90 دقيقة في عز الحر قريبا من معدل 50 درجة مئوية, وتجدد الركض في رمضان المبارك ولم تقل درجة الحرارة فيه عن 35 درجة مئوية بكل تأكيد.
لا أريد الخوض في تفاصيل أكثر سوداوية ودلالة على بؤس وشقاء دورينا العتيد، في ظل إفتقادنا الى الملاعب الصالحة، وفي واقع تلظي أكثر أنديتنا العيش تحت خط الفقر المالي، نتيجة خواء ميزانياتها لضعف الدعم والتمويل من جهة، ولتفشي أمراض الفساد المالي والأداري الراسخ في رياضتنا كرسوخه وتجذره تماما في واقعنا السياسي من جهة ثانية, لكن الغريب بل والعجيب أن نجد معظم أعضاء اتحاد الكرة ليست لديهم الحماسة، بل وأدنى رغبة في ترشيق أو تغيير أو إعادة هيكلة مسابقة الدوري، وتراهم حريصين على إبقاء الأمور على ما هي عليه بكل ما يعتمل فيها وما ترشح عنها من أضرار ومساوئ تضاعف مشاهد البؤس الكروي العراقي، وتلحق المزيد من التدهور والضياع بكرتنا التي صارت في مهب الريح على شتى الأصعدة، نتيجة تفشي النزعة المصلحية وسيادة منطق الذات وأيداع شيء اسمه المصلحة العامة في سلة المهملات!.
عاجلا أم اجلا سوف تنتهي مسابقة الدوري بكل صفحاتها المزعجة والمؤذية، حتى وان حضرت فيها بعض النماذج المشرقة واللمحات الجميلة والصور الأيجابية، لكنها تبقى على قلتها إستثناء طالما أن السلبيات والأضرار المتولدة عن نظام والية هذا الدوري صارت هي القاعدة التي تستند اليها كامل منظومتنا الكروية البائسة. وبعد إنتهاء هذه المسابقة سوف يتصاعد الجدل وتتداخل الاراء وتتقاطع وجهات النظر بكل تأكيد بين من يريد بقاء الحال على ما هو عليه بكل مساوئه وأضراره، وبين من يريد التغيير نحو الأفضل. الفريق الأول ويمثله عدد كبير من أعضاء اتحاد الكرة الذين تضررت مصالح أنديتهم وسوف تهبط الى درجة أدنى، يريد أصحابه زيادة عدد الفرق في مسابقة الممتازة وبقاء نظام الدوري على حاله لأنه يضمن لأنديتهم البقاء تحت الأضواء وما يعنيه هذا البقاء من حسابات ومصالح. والفريق الاخر الباحث عن التغيير والأصلاح يستند في مطالبه الى أجندة مصلحية خاصة وليس هدفا أسمى أو غاية نبيلة. وصراع الفريقين أو الجناحين المتضادين المتناقضين هو بالنتيجة يعكس صورة الواقع الكروي المرير الذي نعيش والذي إذا لم تكتب له نهاية وتبدأ النفوس بتطهير دواخلها وتتخذ مواقف وتتبنى اراء وأفكار تضع مصلحة اللعبة أولا، وأخيرا فسوف نبقى نجتر ونكرر ذات الأسطوانة النشاز التي تقدم لنا المزيد من النغمات البائسة والهزيلة، ليس في سمفونية الدوري الفاشل وحده، بل وفي سيمفونيات كروية أخرى لا تقل بؤسا وهزالة وشقاء.
ما نتمناه أخيرا ونحن في شهر الصوم والتقوى والعبادة، أن تكون قضية الدوري وأعادة النظر الجذرية فيه شكلا ومضمونا في أولوية القضايا المهمة والحيوية على مائدة عمل مجلس الأدارة الجديد الذي ينبثق اليوم في قيادة جمهوريتنا الكروية.
السطر الأخير
** إذا جاءك المهموم أنصت, وإذا جاء المعتذر أصفح, وإذا قصدك المحتاج أنفق, ليس المطلوب أن يكون في جيبك مصحف ولكن المطلوب أن يكون في أخلاقك اية.
مصطفى محمود
|