• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هل ان الله يستحي ام لا يستحي؟…  .
                          • الكاتب : عبدالاله الشبيبي .

هل ان الله يستحي ام لا يستحي؟… 

 هل ان الله عزوجل يستحي ام لا يستحي؟. اذ انقسم الناس الى فريقين قسم قال ان الله يستحي، والقسم الاخر قال ان الله لا يستحي. وعليه نقول للذي يقول ان الله يستحي كيف؟ وللذي يقول ان الله لا يستحي كيف؟ وقد قال عزوجل: ﴿إِنّ اللّهَ لا يَستَحْىِ أَن يَضرِب مَثَلاً مّا بَعُوضةً فَمَا فَوْقَهَا...﴾. وقال: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ...﴾. ففي هذه الاسطر سنبين ما هو الاستحياء؟. وهل ان الله عزوجل يستحي ام لا يستحي؟. وما هو مقصود الاية؟.
 اذ قالوا: ان الاستحياء من الحياء ونقيضه الوقاحة. والضرب يقع على جميع الأعمال إلا قليلا يقال ضرب في التجارة وضرب في الأرض وضرب في سبيل الله وضرب بيده إلى كذا وضرب فلان على يد فلان إذا أفسد عليه أمرا أخذ فيه وضرب الأمثال إنما هو جعلها لتسير في البلاد يقال ضربت القول مثلا وأرسلته مثلاً وما أشبه ذلك والبعوض القرقس وهو صغار البق الواحدة بعوضة والمثل والمثل كالشبه والشبه. 
 والحياء بالمد: يعني الانقباض والاحتشام، غير أن صفات الحق عزوجل لا يطلع لها على ماهية، وإنما تمر كما جاءت. وقيل: معنى لا يستحيي: لا يترك، وعن بعض اللغويين أن معنى لا يستحيي: لا يخشى. ومثله: ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ أي تستحيي منه. فالاستحياء والخشية ينوب كل واحد منهما عن الآخر.
 وقيل: معنى لا يستحيي، لا يمتنع، وأصْلُ الاستحياء الانقباضُ عن الشَّيء، والامتناعُ منه؛ خوفاً من مُواقعة القبيح، وهذا محالٌ على الله تعالى.
 وقد قال صحاب التحرير والتنوير: بأن كلامه هو أعلى كلام في مراعاة ما هو حقيق بالمراعاة وفي ذلك أيضاً إبطال لتمويههم بأن اشتمال القرآن على مثل هذا المثل دليل على أنه ليس من عند الله فليس من معنى الآية أن غير الله ينبغي له أن يستحي أن يضرب مثلاً من هذا القبيل.
 ولهذا أيضاً اختير أن يكون المسند خصوص فعل الاستحياء زيادة في الرد عليهم لأنهم أنكروا التمثيل بنهايته الأشياء لمراعاة كراهة الناس ومثل هذا ضرب من الاستحياء، فنبهوا على أن الخالق لا يستحي من ذلك إذ ليس مما يستحي منه، ولأن المخلوقات متساوية في الضعف بالنسبة إلى خالقها والمتصرف فيها، وقد يكون ذكر الاستحياء هنا محاكاة لقولهم أما يستحي رب محمد أن يضرب مثلاً بالذباب والعنكبوت. المصدر: التحري والتنوير، ج1، ص180.
 وذكر جمع من المفسرين عن ابن عباس أن سبب نزول هذه الآية هو اعتراض المنافقين على ما ورد من أمثلة في الآيات السابقة ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوقَدَ نَاراً ... أَوْ كَصَيِّب مِنَ السَّمَاءِ ...﴾، وقالوا إن الله أسمى من أن يضرب مِثلَ هذه الأمثال، وبذلك راحوا يشككون في الرسالة وفي القرآن. 
 كما قال صاحب الميزان في قوله تعالى: ﴿إِنّ اللّهَ لا يَستَحْىِ أَن يَضرِب﴾، البعوضة الحيوان المعروف وهو من أصغر الحيوانات المحسوسة وهذه الآية والتي بعدها نظيرة ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾. الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل.
 وكيف كان فالآية تشهد على أن من الضلال والعمى ما يلحق الإنسان عقيب أعماله السيئة غير الضلال والعمى الذي له في نفسه ومن نفسه حيث يقول تعالى: ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الفاسقين﴾، فقد جعل إضلاله في تلو الفسق لا متقدماً عليه هذا.
 ويضيف العلامة الطباطبائي: ثم إن الهداية والإضلال كلمتان جامعتان لجميع أنواع الكرامة والخذلان التي ترد منه تعالى على عباده السعداء والأشقياء، فإن الله تعالى وصف في كلامه حال السعداء من عباده بأنه يحييهم حياة طيبة، ويؤيدهم بروح الإيمان، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويجعل لهم نورا يمشون به، وهو وليهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وهو معهم يستجيب لهم إذا دعوه ويذكرهم إذا ذكروه، والملائكة تنزل عليهم بالبشرى والسلام إلى غير ذلك. المصدر: تفسير الميزان.
 وعليه إن الناس في كثير من الأمور يعدّون الكبير دليلاً على العظمة والصغير دليلا على قلة الأهمية، لكن الواقع ليس كذلك فالمهم هو الخطاب الذي يحمله ذلك الشيء أو يستهدف المتكلم بيانه. والأمر كذلك في القرآن فالمهم هو الخطاب الذي يوجهه ويهدفه من خلال المثل لا عظمة او حقارة الممثل به. ولهذا قال عزوجل: ان الله لا يَسْتَحْىِ، اي لا يترك، أو لا يخشى، أو لا يمنع، أصل الاستحياء: الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفاً من مواقعة القبيح.
 يقول الإِمام الصادق(عليه السلام) بشأن خلقة هذا الحيوان الصغير: انما ضرب الله المثل بالبعوضة لان البعوضة على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين فاراد الله سبحانه ان ينبه بذلك المؤمنين على لطف خلقه وعجيب صنعه.
 يريد الله سبحانه بهذا المثال أن يبين للمؤمنين دقّة الصنع في الخلق، التفكير في هذا الموجود الضعيف على الظاهر، والشبيه بالفيل في الواقع، يبيّن للإِنسان عظمة الخالق. المصدر: الامثل، ج1، ص134.
 اضف الى ذلك ان الاستحياء من الله تعالى بمعنى التَرْك، فإِذا وصف نفسه بأنه يستحي من شيء فمعناه أنه لا يفعل ذلك وإذا قيل لا يستحي فمعناه لا يبالي بفعل ذلك.
 وقد قيل ان الحياء قسمان ممدوح ومذموم: الحياء الممدوح هو الاستحياء من الأمر القبيح كالسباب والاهانة والحياء المذموم هو الاستحياء من الأمر الحسن أو الواجب كمن يحتلم ثم لا يغتسل استحياءً من أهله في البيت مخافة أن يعرفوا بذلك، وكمن يستحي من السؤال عن واقعة محل ابتلاء له خوفاً من أن يعرف صاحبه بأنه جاهل بالمسألة وقد وردت روايات تشير إلى الحياء القبيح الذي من هذا القبيل.
 قال رسول اللَّه(ص): الحياء حياءان: حياء عقل وحياء حمق، فحياء العقل هو العلم وحياء الحمق هو الجهل.
 والحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يعاب به ويذم. واشتقاقه من الحياة. يقال: حيي الرجل، كما يقال: نسي وحشي وشظي الفرس إذا اعتلت هذه الأعضاء جعل الحيي لما يعتريه من الانكسار والتغير، منتكس القوّة منتقص الحياة، كما قالوا: هلك فلان حياء من كذا، ومات حياء، ورأيت الهلاك في وجهه من شدّة الحياء. وذاب حياء، وجمد في مكانه خجلاً. 
 فإن قلت: كيف جاز وصف القديم سبحانه به ولا يجوز عليه التغير والخوف والذم، وذلك في حديث سلمان قال: قال رسول الله(ص): إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع إليه العبد يديه أن يردّهما صفراً حتى يضع فيهما خيراً قلت: هو جار على سبيل التمثيل مثل تركه تخييب العبد وأنه لا يردّ يديه صفراً من عطائه لكرمه بترك من يترك ردّ المحتاج إليه حياء منه. 
 وكذلك معنى قوله: ﴿إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْىِ﴾ أي لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيي أن يتمثل بها لحقارتها. ويجوز أن تقع هذه العبارة في كلام الكفرة، فقالوا: أما يستحيي رب محمد أن يضرب مثلاً بالذباب والعنكبوت فجاءت على سبيل المقابلة وإطباق الجواب على السؤال. وهو فنّ من كلامهم بديع، وطراز عجيب. المصدر: تفسير الكشاف، ج1، ص70.
 وهناك أمور لا يجمل فيها الحياء وليس مرغوباً فيه عدّدها أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: ثلاث لا يستحى منهن: خدمة الرجل ضيفه، وقيامه عن مجلسه لأبيه ومعلمه، وطلب الحقّ وإن قلّ. وعنه عليه السلام: من استحى من قول الحق فهو أحمق.
 والرجال المؤمنون يتبعون أوامر الله عز وجل ويقولون الحق بكل صراحة وصرامة ويصرّون عليه دون حياء أو خوف. إن الرجال المؤمنين لا يخافون لومة لائم في طريق الحق والواقع... ولذلك فقد وصفهم الله تعالى في كتابه المجيد حيث قال: يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم.
 والرجال المؤمنون لا يستحون أن يتعلموا ويتزودوا بالمعرفة في أي سن كانوا، ففي الحديث: ولا يستحين أحد إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه.
 والرجال المؤمنون لا يستحون أن يعترفوا بجهلهم إذا بجهلهم إذا سئلوا عن شيء وكان يجلهونه، فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ولا يستحين أحد منكم إذا سئل عمّا لا يعلم، أن يقول: لا أعلم. 
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=120374
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 06 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19