• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (٢٥) .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الخامِسَةُ (٢٥)

    {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}.
   إِذن فإِنَّ معيارَ درجاتِ النَّاسِ في المُجتمعِ، كما في يَوْمِ القيامةِ، أَعمالهُم! وليس أَيُّ شَيْءٍ آخر! والعملُ هو المُعبِّر الحقيقي عن عقليَّةِ المرءِ وثقافتهِ وعلمهِ وفهمهِ ووعيهِ ودينهِ وطريقةِ تفكيرهِ!.
   ولذلك قَالَ الله تعالى {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وقولهُ تعالى {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقولهُ عزَّ وجلَّ {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ولَم يقُل أَيَّ شَيْءٍ آخر لأَنَّ العملَ هُوَ المِصداقُ الصَّادق الصَّدوق لشخصيَّة المرء، أَمَّا كلامهُ وزيَّهُ وانتماءهُ وخلفيَّتهُ وثقافتهُ وشهادتهُ وأُسرتهُ وعشيرتهُ وحزبهُ وغيرها فقد يَكُونُ مُجبراً عليها أَو ينافقُ فيها أَو أَنَّها وظيفتهُ أَو قد تكونَ عادتهُ التي تعوَّدَ عليها ولَم يستطِع أَن يتركَها!.
   يَقُولُ رَسُولُ الله (ص) {لَا تَغُرَّنَّكُمْ صَلَاةُ امْرِئٍ وَلَا صَوْمُهُ، وَلَكِنِ انْظُرُوا مَنْ إِذَا حَدَّثَ صَدَقَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ أَدَّى، وَإِذَا أَشْفَى وَرِعَ} وقولهُ (ص) {لَا تَنظُرُوا إِلى كَثرَةِ صَلاتِهِم وَصَومِهِم وَكَثرَةِ الحَجِّ والمَعرُوفِ وَطَنطَنَتَهُم باللَّيلِ، وَلكِن آنظُرُوا إِلى صِدْقِ‏ الحَدِيثِ وأَداءِ الأَمانَةِ}.
   وما أَروع ما لخَّص أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بهِ هَذِهِ الفلسفةِ بقولهِ {قِيمَةُ كُلِّ امْرِئٍ مَا يُحْسِنُهُ} والتي يصفَها الجاحظُ [أَبو عُثمان عمرُو بن بحْر (وُلد في البصرةِ عام ١٥٩ للهِجرة وتوفِّيَ فيها عام ٢٥٥ للهِجرة)] في كتابهِ المشهور [البيان والتَّبيين] بقولهِ [فلَو لم نقف من هذا الْكِتَابِ إِلَّا على هَذِهِ الكلمةِ لوَجدناها كافيةً شافيةً، ومُجزيةً مُغنيةً، بل لوَجدناها فاضلةً على الكفايةِ، وغَير مُقصِّرة عن الغايةِ].
   إِنَّها خُلاصة الفهمِ الحقيقي لبناءِ الأُممِ والتقدُّم الحضاري على مرِّ تاريخِ البشريَّةِ!. 
   لقد كتبَ أَميرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) في عهدهِ إِلى مالك الأَشتر لمَّا ولَّاهُ مِصر؛
   وَإِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلاَةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ، وَظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ! وَإِنَّهُ لاَ تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلاَّ بَسَلاَمَةِ صُدُورِهِمْ، وَلاَ تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلاّ بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلاَةِ الْأُمُورِ، وَقِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ، وَتَرْكِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ. فَافْسَحْ فِي آمَالِهِمْ، وَوَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، وَتَعْدِيدِ مَا أَبْلى ذَوُو الْبَلاَءِ مِنْهُمْ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ، وَتُحَرِّضُ النَّاكِلَ، إِنْ شَاءَ اللهُ.
   ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ مَا أَبْلى، وَلاَ تَضُمَّنَّ بَلاَءَ امْرِىءٍ إِلَى غَيْرِهِ، وَلاَ تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلاَئِهِ، وَلاَ يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِىءٍ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ صَغِيراً، وَلاَضَعَةُ امْرِىءٍ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلاَئِهِ مَاكَانَ عَظيِماً.
   لو أَنَّنا نلتزم فقط بهذا المعيارِ [العَمل] لتقييم النَّاس لتجاوزنا الكثيرِ من مشاكلِنا التي سببها معايير التَّقييم الخطأ كالإِنتماء ومدى الإِلتزام بالعباداتِ والخلفيَّة والوَلاء المُزيَّف وغيرها!.
   إِنَّ عِبارة [الرَّجل المُناسب في المكانِ المُناسب] لا تتحقَّق إِلَّا إِذا اعتمدنا مِعيار [العَمل] فقط عند التَّعيين وتحمُّل المسؤُوليَّة وملء المواقِع!.
   فعندما يَكُونُ معيار التَّقييم هو العملُ فقط فعندها سنبحث عن الإِنجاز والنَّجاح والأَداء والخُطط والمشاريع والبرامج! وهو سرُّ نجاح الأُمم وتقدُّمها! فإِذا تنافسَ مُتخصِّصان لشَغلِ موقعٍ ما فإِنَّنا سنمنحهُ [في هذه الحالةِ عِنْدَ تطبيق هذا المعيارِ] لِمن سجَّل نجاحاتٍ أَكثر وإِنجازاتٍ أَفضل! فهي دليلُ الخِبرة والتَّجربة ودليلُ النَّزاهة والإِخلاص والحرصِ على الإِنجازِ!.
   مُشكلتُنا أَنَّنا نثقُ بالمسؤُولِ وهو يحدِّثنا عن عبادتهِ! أَو عن تاريخِ عشيرتهِ وأُسرتهِ أَو عن تضحياتِ حزبهِ! وكلُّ هذا لا قيمةَ لَهُ إِذا تجاوزنا عملهُ وتغافلنا عن إِنجازهِ الحقيقي!.
   ونثقُ أَكثر إِذا كان السِّياسي والمتصدِّي [مُعمَّماً] ومِن أُسرةٍ عريقةٍ! عندها نهيمُ بهِ فيسحرنا خطابهُ لنتَّبعهُ اتِّباع العِميان ونطيعهُ طاعةَ العِميان! والله تعالى يَقُولُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.
   فكم من أَحبارِ السِّياسة ورُهبانها يأكلُونَ الْيَوْم أَموالَ النَّاسِ بالباطلِ ويتجاوزُونَ على حقوقِ الأُمَّة ويستخِفُّون بعقُولِ الرَّعيَّة؟!. 
   إِنَّ تغافُلنا عن المعيارِ الحقيقي في التَّقييم [العملُ] سبَّبَ بخسارةِ البلدِ للكثيرِ من الطَّاقاتِ الخلَّاقةِ التي إِن حصلت على الفُرص الحقيقيَّة والطبيعيَّة لتغيَّرَ الحالُ والواقعُ كثيراً نحوَ الأَفضلِ!.
   إِنَّ إِعتماد المعايير المُزيَّفة في التَّقييم هو الذي مكَّنَ {الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ} لتتبوَّءَ مواقِعَ ليسَ لها حقٌّ فيها بكلِّ المعايير الشَّرعيَّة والوطنيَّة وحتَّى العُرفيَّة!.      
   




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=120494
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 06 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16