• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : نساء اليوم والأمس! .
                          • الكاتب : ابن الحسين .

نساء اليوم والأمس!

تشرّفت ووالديّ بالسكن في مدينة النجف الأشرف سنة 1976م، وسكنّا في بيت صغير المساحة كثير البركة يقع في عكد البهاش الواقع في شارع الإمام زين العابدين (ع) في النجف الأشرف، وهو مقابل حرم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام  بنحو مئة متر من جهة الشمال الشرقيّ، وكنّا وجميع من يسكن ذلك الفرع كأسرة واحدة بمعنى الكلمة، فالدور متعددة  والباب واحد، وكان الكثير من الرجال قد غابوا عن تلك البيوت في تلك الفترة بسبب الحروب والظروف القاسية فهم ما بين سجين وعسكري وهارب ومهاجر وو...، وكنّا يومها كأطفال نقوم بقضاء حوائج جميع من يحوطنا، وكنا ندخل في بعض البيوت كبيت السادة آل السلطانيّ وفيه ثلاث عجائز كنا ندلك أرجلهن بطلب منهن لآلام القدم في الكبر، وحين التدليك يقلن: إقرأوا  لنا دعاء التوسل، فنقرأ من كتاب عندهن صغير، وهن يرددن معنا ويسبقننا بالكلمات عن ظهر خاطر، وكذا زيارة عاشوراء والزيارة الجامعة الكبيرة وأدعية الأيام وغيرها من الأدعية والزيارات، وكنّا نتعجب من أين حفظن هذا وهن لا يقرأن ولا يكتبن،  فالجواب البديهي أنّ هذا شيء قد أعتدن عليه في الحرم العلويّ والمجالس.

 وأمّا جارتنا الحجّية جميلة ذات النظارات الكبيرة فكرسي القرآن عند رأسها  لا تفارقه، فهي تقرأ فيه في كل حين، وتأمرنا بالقراءة وهي تصحح لنا، وقد تعلمت هي القراءة من الملالي.

 وأمّا بيت السادة آل الخرسان ففيه مجموعة من العلويات، كان من شأنهن أنهن يرتدين جادر الصلاة قبل وقتها بساعة ويعقبن بعدها بساعة، ويقرأن في كتب الأحاديث والتاريخ وخصوصا في كتاب الملاحم والفتن، وكانت الكتب توضع في صرة من القماش ؛خوفا من الطغاة، ولا ترى لهن وجهًا خارج البيت وعند الدخول لبيتنا أو  لأي بيت قريب فإنهن لا يخرجنّ من العباءة إلّا فتحة صغيرة تنظر فيها الدرب من عين واحدة لا غير،  وأوّل التأكيد منهن لأخواتي بالحجاب والصلاة ومن السنة الخامسة والسادسة، وأوّل الدرس هو خفض الصوت بمحضر الكبار، والكتمان،  والويل لمن يفشي سرا، فيمنع من الدخول ومن العطاء.

 وأمّا العلوية .. زوجة السيّد حسان القابجي فهي حمامة الحضرة كما يقال، تخرج فجراً للحرم العلوي وتأتي ضحى، وثمّ عصراً وتأتي ليلا، وهكذا دأبها  في كل يوم من حياتها.

ولا أنسى أن بعضهن كن قد دأبن على الختومات لسور القرآن ( ختم سورة الأنعام المعروف لقضاء الحوائج ، وختم سورة يس)، فكان القرآن رفيق النساء بلا مفارقة، ودعاء التوسل فاكهتهن المعتادة خاصّة قبل غروب الشمس من كلّ يوم، ودعاء السمات عصر يوم الجمعة والعشرات،  وسورة يس تقرأ عصر الخميس قبيل الغروب، ويعقد خيط في كلّ كلمة (مبين) لدرء الأذى من الأعداء، وهكذا كانت الحياة. فكل هذه البيوت الطاهرة أصبحت مدرسة لنا ولمجموعة من الأطفال فيما بعد، فرحم الله الماضيات منهن والباقيات، وجعل نساءنا تسير كسيرهن.
آمين آمين..
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=121017
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 06 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16