• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : سوائل الحداثة..وهشاشة النزعة السلفية .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

سوائل الحداثة..وهشاشة النزعة السلفية

 لا يفعل باومان في سوائله سوى أن يصف مآلات الأشياء في حداثة تحمل بذور تناقضها معها..إسراف الحداثة في جملة أمور منها العقل والاستهلاك..كأنّه يؤرّخ لهذا التجريب المستمر لكنه يصف أقصى حركة البندول ولا يتوقّع عودة البندول إلى مركزه..لا شكّ أنّ كل هذه الأسس الصلبة للحداثة تعيش انعطافة داخل مفهوم الحداثة لا ضدّها..التاريخ يتقدم حتى حينما يستعير صورا من الماضي يجعل منها ملح قيم طال أمدها وسيجري عليها كما جرى على كل شيء جامد قانون التغيير..مثل هذا حصل في الحداثة وعالجه نقاد كثر..لكن أي معنى حين يحاول السلفي أن يجد في سوائل باومان نخبه؟ وأقصد بالسلفية هنا نزعة عامّة تميّز التّماميات وهي أظهر في التماميات التراثية.. السلفي لم ينجز بعد مهمّته التّاريخية..فهو حارس قديم لمعنى محدد للماضي والحاضر..هو بتعبير آخر لم ينجز حداثته..هو مرتاح في عطالته التاريخية..يقرأ الجديد في عين القديم..يجعل من التّاريخ دينا بعد أن يفرغه من قوانينه..جعل من الإيمان مبدأ لتكفير كلّ شيء في مفارقة غريبة..يجهل أو يتجاهل أنّ أسلافه اندمجوا في تاريخهم وصنعوا حداثتهم وجربوا التفوق ثم انتكسوا..ماذا تفيد سوائل باومان للسلفية التي ترفض صلابة الحداثة لتسوق لصلابتها السلفية كبديل عن التاريخ..الاختباء خلف سوائل باومان كالاختفاء وراء الأصبع لن ينفع النزعة السلفية..إنها أشبه بالولع بالبرمجة العصبية اللغوية التي تدفقت على المشهد كأنها كوجيطو يؤسس لعقلانيتنا..هذا هو الخداع الذّاتي..هشاشة السلفية كنزعة لا تملك سوى التدليس والخداع هروبا من الاستحقاق التّاريخي..من موضة إلى أخرى..يأخذون من الأطاريح هوامشها ومن الأفكار أشباحها ويدمنون على الوهم..كادوا أن يختزلوا باومان في محمد قطب..كأنّه بصدد الحكم لا الوصف..القضاء لا التشخيص.. هو ضرب من المساعدة على مواكبة الحداثة في أطوارها الجديدة باعتبار أنها تتوفر هي الأخرى على تاريخ مفتوح، فلا قيمة لأيديولوجيا النهايات..هذه الحداثة هي بالنتيجة منجز لجملة عوامل منها الشروط الموضوعية للزمان والمكان ثم الإنسان..فهي تحمل بصمة هذا التركيب، كما أنها قابلة لتجديد نفسها وقريبا ستثور الحداثة عن عجزها وتفتح بابها المسدود وتنجز اعترافاتها، ليس أمام هذا التفكير المستقيل بل اعترافاتها أمام العقل والضمير المعاصر، وهي في مرحلة انتقالية..إنّ الحداثة الصلبة هي مجرد الأقصى الذي سيتجه ناحية أقصى السوائل ليعود في حركة البندول فيتواسط ويختمر في شكل "بين -حداثي" لا يلغي فيه العقل آخره..مشكلة النزعة السلفية هو اعتقادها أنها تشكّل هذا الاختمار أو لنقل نهاية تاريخ الأفكار..بينما إنها تتموقع في الأقصى..في الطرف..في المنحدر..حافّة الوعي..وما هذا الترنح لدى النزعة السلفية شديدة الانتقاء والتوسل بما يعزز موقفها في تدليس يستند إلى مغالطة التبسيط والاختزال سوى مظهر من مظاهر هشاشة هذه النزعة..باومان يقدم تشخيصا للحداثة ومآلاتها وتجلياتها في الحياة والقيم وليس شهادة زور للنزعات السلفية..




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=121138
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 06 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19