• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : قراءة في رواية ( ليالي الانس في شارع أبو نؤاس ) لبرهان الخطيب .
                          • الكاتب : جمعة عبد الله .

قراءة في رواية ( ليالي الانس في شارع أبو نؤاس ) لبرهان الخطيب

المتن الروائي يقتحم مسارات احداث ,  تاريخ العراق السياسي , المعبق بالعنف والدماء . وتتناول مراحلة المعقدة والمتشابكة , في القضايا الحساسة المتداخل والعويصة , في مراحل الصراع السياسي عبر أربعين عاماً , اي بالضبط منذ انقلاب شباط عام 1963 . وحتى الاحتلال الامريكي , الذي عقد الوضع أكثر ,  في التدهور والانفلات الامني . ولغة السرد في تقنياتها وادواتها الفنية ,تسرد  الماضي  بلغة الحاضر , او بالعكس تسرد الحاضر بلغة الماضي . في  الفترات المعقدة والمتشابكة . والنص الروائي يسلط الضوء الكاشف , على هذه المراحل , في التاريخ السياسي , في اجهاضاته ومخاضه وولادته  القيصرية المشوهة , في الاحتلال الامريكي , ومجيء ذيولهم السلطة , وتفجير الصراع , الذي اخذ اشكال الانفلات الامني , في مظاهر القتل والاختطاف , والفوضى العارمة والخلاقة . براعة الروائي المقتدرة , في تريب الازمنة وتنظيمها وترتيبها  في الحبكة الفنية بنتسيق ماهر تدل على الامكانيات المتمكنة في الفن الروائي الحديث  , وفي اسلوبية مفتوحة في تعدد وسائلها السردية  , وفي استرجاعات الزمن ( فلاش باك ) , في تقنيات سردية متشوقة في احداثها المثيرة والعاصفة , والتي هي من صميم الواقع وثيماته ومخلفاته  , على مدى اربعة عقود , منذ انقلاب شباط عام 1963 , في الصراع الذي اخذ شكل العنجهية والغطرسة , بصلافته الدموية دون رؤيا منطقية  . فأننا امام رواية , ترصد وتستقرئ الواقع , في استنباط حواشيه الداخلية والخارجية , واستنطاقها  في ظواهرها المكشوفة وغير المكشوفة . لذلك يركز المتن الروائي على نواحي متعددة الجوانب , تصب في زيادة  معاناة المواطن , في الانسحاق والاستلاب والانسلاخ , في انعدام كرامته في الانتهاك والاضطهاد  ,  لكي ينصهر في القهر والاحباط والتشاؤم . ومكان احداث المتن الروائي , في شقة في شارع أبي نؤاس . وماهي  إلا لترميز لحالة  العراق . بكل الرزايا والخطايا والذنوب والاجرام والارهاب , وبأختصار , رصد الفوضى والانفلات , التي اخذت الطابع الوحشي بعد الاحتلال . لذا فأن العنوان ( ليالي الانس في شارع أبو نؤاس ) قد يتبادر الى الذهن , انها ليالي المجون والعربدة والخمرة  والنساء , بلياليها الحمراء . لكنها بالضبط بالعكس , ليالي في مصائبها الفادحة السوداء  , معبقة بالدماء والقتل والاغتيال والاختطاف . منذ سقوط التمثال الكبير ( حتى التماثيل لم تنج من الخطف , ما الذي يقيه ويقيني , من هجوم جديد واصوات الانفجارات , ما توقفت منذ سقوط التمثال الكبير ) ص206 . , والرواية تسرد حياة  ثلاثة شبان يسكنون في شقة واحدة في شارع ( أبو نؤاس ) لكل منهم له سلوكية حياتية معينة ,  ووجهة نظرحياتية وسياسية مختلفة معالم الحياة , لكل منهم سلوك وتصرفات وحتى في المزاجية , تختلف احدهم  عن الاخر , لذلك لابد من تسليط الضوء , على هذه الشخصيات الثلاث . 
1 - حميد : ( كردي / شيوعي ) . يعود الى العراق / بغداد , بعد غيبة طويلة  في الغربة في الشمال الاوربي ,  طالت حوالي اربعة عقود , هزه الحنين والشوق الى بغداد , بعد سقوط النظام ومجيء الامريكان , وهو يتوهم بوهم خيالي ,  بأن الاوضاع العامة ستسيرنحو  الافضل ,  بالاستقرار والاصلاح , لان الامريكان سلموا السلطة الى اصدقائهم الوطنيين . وهؤلاء سيعملون بالوطنية والمسؤولية , هذا الوهم الطوباوي الخرافي , سقط في اول خطوة يضعها  في بغداد . فقد تعرض الى الاختطاف , ثم الافدح تعرض الى محاولة اغتيال فاشلة , رغم انه اصيب بجراح بليغة في رأسه وعولج في المستشفى , يعود الى شقته القديمة في شارع ( ابو نؤاس ) بدعوة من صديقه القديم ( سامي ) . وحين يصل الى غرفته القديمة , يعود بذاكرته في استرجاع زمن الماضي . في اثناء انقلاب شباط عام 1963 , في انتشال ( نعيمة / الكردية  ) من التسول والبكاء المرير    في شارع  , بعدما قصفت قريتها في حرب الشمال , وتشتت شمل عائلتها , فكانت تنوح بمرارة وقهر , لذلك بدوافع انسانية, في فعل الخير , انتشلها من حياة الشوارع ( فعل ذلك بطيبة او حماقة , فعله الخير مع الاخرين , متصوراً نفسه أنه مسيح أخر , تألم لمصائب الناس أكثر من تألمه بمصابه الخاص , معتقداً ان المشاكل تُحل , مع الزمن تقل , بفضل أمثاله , حملة الصلبان والقرآن ودعاة مساواة الانسان , مشاركوا الغير الهموم والعلوم , واجدين في بذل الجهد من أجل ذلك ما يغذي ضمائرهم في تحمل مسؤوليات ) ص51 . وجاء بها الى الشقة , ولكنه تعرض الى الاعتقال , بوشاية من صديقه الساكن في الشقة معه ( عداي ) . يتعرض الى شتى انواع التعذيب , الكي بمكواة الكهربائية  , بالضرب الوحشي , حتى اصيب بالشلل التام في يده اليسرى , وخرج من المعتقل , خائر القوى منهوك ومهزوم في احباط شديد . لذلك قرر الهجرة والغربة , والتي طالت به  أربعين عاماً ,  ويعود الى شقته القديمة    ,  ويتعرض بعد الاختطاف  الى محاولة الاغتيال الفاشلة , ولكن مع ذلك  يدخل  في صلب  المعمعة والفوضى في زمن العهد النظام  الجديد, لهذا السبب جاءت  محاولة  الاغتيال الفاشلة , من حهات مجهولة وغير مجهولة , من اطراف سياسية وحزبية , لتصفية حسابات قديمة . او ربما من جهات أمنية من عهد النظام السابق , في عملية تكتم الافواه  واسكاتها بكاتم الصوت , او ربما بتهمة التعاون مع المحتل الاجنبي , ولكن ربما ايضاً  من ( نعيمة ) التي اعتقدت بأنه سبب مصائبها منذ ان جلبها الى الشقة الساكن فيها وخذلها  , لذا تشعر نحوه بكره شديد  , ويخرج في المحصلة النهائية  من الوضع الجديد ,  بجراح بليغة , ويقرر العودة الى الشمال الى الجبل واقرباءه ,  بعدما وجد بأن حياته اصبحت  في خطر فادح في بغداد , ينتقل الى اقاربه في الشمال ,  رغم انه يشعر ان بيته السهل والجبل , وفي اي مكان , العالم كله 
2 - عداي : طالب في كلية الطب , بعثي , لم يهتم او يحترم  الاخلاق والقيم العامة , ولا يقيم لها اية وزناً , ذو غريزة عدوانية شرسة وصلفة بغطرستها  , حتى مع اقرب الناس اليه , وانه يستخدم اليد والعضلات  , حين لم يحقق رغباته بلسانه  . لذلك كان السبب في اعتقال صديقه ( حميد ) حتى يجد حريته الكاملة  في افتراس واغتصاب  ( نعيمة ) التي جلبها ( حميد ) الى الشقة  , وتبرز بوضوح  أنانية العدوانية ضد  ( نعيمة ) لكنها رفضت وتمنعت الانصياع له  . وخاصة تخاذل  ( سامي ) الساكن معه في الشقة , في تجنب  عدوانيته , ولم يستطع ان يمنعه في الكف عن التحرش بها   , لكنه يستمر في محاولاته , لانه  يعتبرها فريسة جاهزة ( عندما يجوع الذئب ولا يجد فريسته , يأكل التراب ) ص58 . , لذلك يحد  فر يسته جاهزة  , رغم اعتراض شريكه في الشقة  ,وابن خالته ( سامي ) ووجد وسيلة سهلة للاغتصاب  , هي عملية التخدير , واغتصابها بسهولة , دون ممناعة , طالما تخاذل في انهزام وجبن ( سامي ) أمامه ,  فينالها دون مقاومة ( كالاموات مخدرة بلا حراك , تنفيذ عملية التخدير ونيلها بطريقة مبتكرة عن فيلم شاهده في السينما أثاره , شحن مخيلته بصورة خليعة ماجنة , هكذا مضى الى التنفيذ بقلب مضطرم ) ص92 . وهكذا اجبرها ان تكون خليلته للمضاجعة  , حتى حبلت , , واسرع في اجهاضها بنزيف من الدماء ,  كادت ان تؤدي بحياتها . ترك كلية الطب ,  لكي يتفرغ الى الحرس القومي , وفرق الاغتيال . وعند عودتهم ثانية الى السلطة , حدثت تصفيات واغتيالات لبعض الحرس القديم المنبوذ . 
3 - سامي : رسام غير منتمي , وليس له اية  علاقة او منفعة  ,  لا بالسياسة ولا بالاحزاب , سوى مهنة الرسم وعشقه للبحر بشغف طاغٍ , وينظر الى نهر دجلة , يبرق له ,  تاريخ النهر في كل العصور والعهود , بأنه تاريخه مليئاً ,  بالدماء والكوارث ,يحكي قصة  شعب , ملطخاً بالدماء النازفة التي لاتنقطع  . لذا يجد البحر الملجأ  ,  الامن والمأوى يرتاح لهر , ويخفف عنه  العسف الحياة ومشاكها العويصة  , من القتل والاختطاف ( ثملي بدأ بالبحر , أما قالوا اشرب من البحر ؟ طيب نحن العراقيين منه عمرنا كله , ما ثمل غيري , أكلمك عنه بتفصيل , لا ادري متى أحببته , لماذا . كيف . اليقين يقطين , كلمة بحر , خاصيتي منذ وعيت العالم من اشياء لها مسميات , صلات , مرئية وغير مرئية , كأن البحر ما خلق إلا لأجلي ) ص263 . يشعر بأنسحاق وتخاذل جبان , لانه لم يدافع ويحمي شرف ( نعيمة ) من عدوانية ( عداي ) رغم انه يحمل لها في داخله ,  بالود والمحبة ويتألم لحالها المزري , فقد تخوف من المجابهة والتصدي  , وهو يشعر أنه ضعيف امام شراسة ( عداي ) والتي انتهت باغتصابها بسهولة بواسطة المخدر , وبعد اجهاض ( نعيمة ) ونزيف الدماء , هربت من المستشفى الى بيوت الدعارة , , وهذا ما يزيد قلقه واضطرابه بالاحباط ,  ويسعى الى انقاذها من وضعها ومن  العار الذي تلوثت به  , بمحاولة الارتباط بها بالزواج الشرعي , حتى يعيدها  الى جادة الصواب ( أستعادتها حتى في عارها . أنت مفكر وتعرف قد يكون الواحد ملتزماً بالقيم العامة , ويخفي عنهم تدليسه ) ص183 . , وفعلاً اقترن بالزواج ورزق بولد ( نبيل ) منها , لكنه يفقده في ظروف عامضة , مما يسبب له احباط وقلق وأرق وتشاؤم وانهزام  يطرق عليه بمطرقته بألم وحزن  ( بعد اختفاء نبيل رافقني الارق ) ( اختنق , العمق هائل , أسحب نفساً طويلاً , أنتبه أني وحيد , من غير أبني , ولا نعيمة , لا بحر حولي , ولا قربي , قربي شارع أبي نؤاس , مارة الرصيف الملتحون والمتجهمون ........  البحر الذي أريد بلا اعماق مظلمة , آماد طافحة بنور , مطلق بلا جدود ) ص264 . يستقبل صديقه القديم ( حميد ) بكل ترحاب ومودة , لكنه يفشل بحكم الظروف القاهرة وهي اكبر من قدرته . 
4 - نعيمة : كردية مهاجرة نزحت الى بغداد بعد فاجعة القصف قريتها ,  في حرب الشمال , ومجيئها مع  ( حميد ) الى الشقة , وتركها لانه تعرض الى الاعتقال , تعرضت الى عملية اغتصاب دنيئة , واجهضت بنزيف الدماء , وهربت من المستشفى , الى بيوت الدعارة , وتنقلت من هذا ( القواد ) الى تلك ( القوادة )  حتى جندت في الامن البعثي وارسلت الى خارج ,  بيروت , لتقصي ورصد وتجسس على الهاربين من النظام , حتى الايقاع بهم بمغريات جنسية . حاولت الحصول على لجوء من دول اوربا الشمالية , لكنها فشلت , وعادت الى بغداد في مهنتها الدعارة , حتى انتشلها ( سامي ) بالزواج الشرعي , لكنها ظلت على علاقة مع الخلية الامنية ,  لتقدم خدماتها اليهم . وبعد سقوط النظام , اكتشف وكر الخلية الامنية , التي تنتمي اليها  , وحدثت مواجهة نارية ,  وتبادل اطلاق النار ,  مع الحرس الوطني الجديد , حتى انهار السقف الوكر  على  رؤوس  اعضاء الخلية وقتلوا ومن ضمنهم ( نعيمة ) . 
5 - حردان : رجل الامن الشرس ورفيق ( عداي ) يعرض خدماته حسب مصلحته الانانية الجشعة , وساهم في تعذيب ( حميد ) وظل يواصل مهمة الامن والاغتيال , وكاتم الصوت لا يفارقه , وانه مستعد ان يمارس القتل والتعذيب حسب تنظيراته , بأنها تصب في مصلحة البلد , وعندما سقط النظام القديم , حاول اقناع ( حميد ) في تجنيده في جهاز الامن الجديد , لان الكثير من جهاز الامن الساقط , انتموا الى جهاز الامن الجديد . لانه يملك خبرة امنية ومعلومات مهمة , ونظريته التي يؤمن بها , بأن الحياة أمتلئت بالذئاب , ويجب ان تكوون ذئباً مثلهم ,  لكي تعيش ( الذئاب موجودة في كل مكان  ) ويحاول ان يتكيف مع الوضع الجديد , رغم انه ذو سمعة وصيت سيء . ويتعرض الى محاولة قتل من مجموعة اغتيال  يقودها شقيقه ( شرهان) الذي كان معه ,  في جهاز الامن النظام السابق , وفي خلية الاغتيالات ايضاً . واصيب بجراح بليغة , ونقل الى المستشفى , وهناك اعترف على الخلية والوكر الامني للاغتيالات , ومن ضمنهم ( نعيمة ) التي ساهمت في محاولة اغتيال الفاشلة , التي تعرض لها ( حميد ) لانها تكرهه وهو السبب في تدمير حياتها كما تعتقد  . 
× رواية : ليالي الانس في شارع أبو نؤاس 
× المؤلف : برهان الخطيب 
× الطبعة الاولى :  القاهرة عام 2009 
× عدد الصفحات : 274 صفحة 
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=121222
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 06 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20