• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التبري واللعن في زيارة عاشوراء .
                          • الكاتب : الشيخ إبراهيم الأنصاري البحراني .

التبري واللعن في زيارة عاشوراء

النص: بسم الله الرحمن الرحيم
(وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا)(الإسراء/60).

البحث يدور حول ثلاثة محاور:

١/اطلالة على زيارة عاشوراء.

٢/ فلسفة تخييم جانب التبري واللعن عليها.

٣/تفسير المقطع البارز في الزيارة "اللهم العن بني أميَّة قاطبة" والذي يدلُّ على شمول اللعن لكافة بني أميَّة بلا استثناء جيلاً بعد جيل كبيرهم وصغيرهم.

حديث قدسي

زيارة عاشوراء هي من أرقى الزيارات لفظاً وأعمقها محتوى، وهي حديث قدسي كما في حديث صفوان الجمّال، ينقل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: عن أبي، وأبي عن أبيه علي بن الحسين، و الحسين عن أخيه الحسن عن أمير المؤمنين عليه السلام مضموناً بهذا الضمان، وأمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله، عن جبرئيل مضموناً بهذا الضمان قال : آلى الله عز وجل أنّ من زار الحسين بن علي بهذه الزيارة من قرب أو بعد في يوم عاشوراء ودعا بهذا الدعاء قبلت زيارته وشفعته في مسألته بالغاً ما بلغت وأعطيته سؤله، ثمّ لا ينقلب عني خائباً، وأقلبه مسروراً قريراً عينه بقضاء حوائجه والفوز بالجنة و العتق من النار، وشفعته في كل من يشفع ما خلا الناصب لأهل البيت، آلى الله بذلك على نفسه وأشهد ملائكته على ذلك). والبحث في زيارة عاشوراء يقع في نقاط :

النقطة الأولى: أهميَّة الزيارة

هناك أحاديث كثيرة بخصوص أهميَّة الزيارة وثوابها عند الله تعالى نذكر بعضها :

1-عن الإمام الباقر سلام الله عليه يقول : (بأنه من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء حتى يظل عنده باكياً لقي الله يوم القيامة بثواب ألفي ألف حجة وألفي ألف عمرة وألفي ألف غزوة، وثواب كل حجة وعمرة وغزوة كثواب من حج واعتمر وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع الأئمة الراشدين صلوات الله عليهم).

نلاحظ أنّ الحديث يركِّز على الثواب والأجر المعنوي، ولكن هناك حديث آخر يرفع مستوى الزائر روحانيةً؛ وهو الحديث التالي:

2- عن علقمة قال أبو جعفر عليه السلام: (من زاره يوم عاشوراء فكأنما زار الله في عرشه أو فوق عرشه)

وهل هناك مقام أعلى من هذا المقام ؟

وهناك مقامات أخرى تمنح لزائر الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء جاءت في الحديثين التاليين:

3- قال شيخنا المفيد فى كتاب التواريخ الشرعية رُوي (أن من زاره عليه السلام وبات عنده في ليلة عاشوراء حتى يصبح حشره الله تعالى ملطخاً بدم الحسين عليه السلام في جملة الشهداء معه).

4- عن جابر الجعفي قال: دخلت على جعفر بن محمد عليه السلام في يوم عاشوراء فقال لي: (هؤلاء زوار الله وحق على المزور أن يكرم الزائر، من بات عند قبر الحسين عليه السلام ليلة عاشوراء لقي الله يوم القيامة ملطخاً بدمه كأنما قتل معه في عصره)، وقال : (من زار قبر الحسين عليه السلام ليوم عاشوراء أو بات عنده كان كمن استشهد بين يديه).

النقطة الثانية: نظرة عابرة على زيارة عاشوراء.

عندما نتأمّل في الزيارة نرى أنّها تشتمل على مفاهيم عظيمة بها تتكوّن شخصية الإنسان الموالي الذي يجب أن يعيش حسينياً ويموت حسينياً.

تبدأ الزيارة بالسلام، والسلام من الله سبحانه وتعالى؛ فهو السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، وجاء في الدعاء " اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام " ،

ثمَّ التعزية وتعظيم المصاب، يليه اللعن على من أسس أساس الظلم والجور على أهل البيت عليهم السلام، وبعده التولي والإقرار بأنني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم، ثمّ اللعن .

وهكذا يسعى زائر الإمام بين أمرين معنويين ، التولي والتبري فهما الجناحان اللذان يكوِّنان شخصيَّة الإنسان المؤمن، فلا معنى لتولي الحسين وتولي أعدائه معاً، بل لابدّ من لعن أعدائه: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ...)(الأحزاب/4).

ثمّ يرتقي مستوى اللعن فتحدّد مصاديقه وهم "آل زياد وآل مروان" والمهم في الزيارة :

(اللهم العن بني أميَّة قاطبة) ويعني أن اللعن على كلِّ جيل منهم بلا استثناء،

ثمَّ هناك مفاهيم عرفانية وهو "طلب الثأر" و "المقام المحمود" الذي ذكر في القرآن الكريم (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)(الإسراء/79).

وهذا إن دلَّ على شئ فيدلُّ على أن هذه الزيارة تضاهي نوافل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَّم والمقام المحمود الخاص به ، فأنت من خلال الزيارة تريد الوصول إلى هذا المقام العظيم !

ومن ثمّ تنتقل الزيارة إلى دعاء حيوي وهو: " اللهم اجعل محياي محيا محمد وآل محمد ومماتي ممات محمد وآل محمد"، ثم التبري واللعن الصريح في قولك "اللهم العن أبا سفيان ويزيد بن معاوية عليهم منك اللعنة ابد الآبدين"، ويليه لعن الأول والثاني والثالث ومعاوية، وختاماً تسجد وتشكر الله على مصابهم وتقول :" الحمد لله على عظيم رزيتي, اللهم ارزقني شفاعة الحسين يوم الورود "

النقطة الثالثة: بعض الدروس المستفادة من الزيارة.

الزيارة هي مدرسة متكاملة تشتمل على بيان القيم التي ينبغي للمؤمن أن يلتزم بها، كما تحوي الأمور التي هي ضد الإنسانية والتي ينبغي التهرُّب والإبتعاد منها وتتلخص الدروس في ما يلي:

1-كونها ملحمة سياسية وتاريخية وشعار وشعور ثوري لنهضة عاشوراء العظيمة والخالدة .

2- توطيد العلاقة بين أهداف النهضة الحسينية ومؤسسها ومعرفة أهدافها ومتابعتها.

3-من أهم أركان هذه الزيارة التولي لهم عليهم السلام والتبري من أعدائهم ومن جميع الطواغيت الذين يسيرون على نهجهم.

4-الإرتباط بولي العصر وتركيز مفهوم الإنتظار المقدّس وتدريب الأمّة على تقوية روح الإنتقام من اليزيديين في كل عصر ومصر.

5- شرح إجمالي للهدف من النهضة الحسينية المباركة.

6-الزيارة في الحقيقة مدرسة لصناعة الأبطال و الشجعان و المتحلين بصفات الإنسانية التي من أهمّها الإيثار والفداء بكلّ شئ في سبيل الدين، ورسم الغاية من ذلك بتمهيد الأرضية لثورة الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه.

7-تجديد البيعة مع سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام، و الطلب من الله تعالى للوصول إلى تثبيت قدم صدق مع الإمام عليه السلام وأصحابه الذين بذلوا مهجهم دونه.

8- زيارة عاشوراء تعلمنا درساً عظيماً لأسلوب الحياة وأسلوب الممات وهو نفس الأسلوب الذي كان يخطوه محمّد وآله الطاهرين.

النقطة الرابعة: التبري ممن أسس أساس الظلم

العنصر المخيِّم على هذه الزيارة هو التبري، وهنا سؤال يطرح نفسه وهو:

أيّهما أهمّ في الشريعة التولي أم التبري؟

الجواب: أن كليهما واجب ومعدود من فروع الدين كالصلاة والصوم وسائر الواجبات؛ ولكن بما أنّ الأعداء أصابوا الهدف في شيطنتهم ضد الدين وضدّ أهل البيت عليهم السلام وعزلوهم عن الساحة السياسية كما ورد في الزيارة "أزالوكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها"، صار التبري مما بعد السقيفة أوجب وأهم، وكلما طال الزمن اشتدَّت أهميّة هذا الواجب.

هذا والتبري يكمن في باطنه التولي، وهو وسيلة مثلى لطرد كافة شياطين الإنس والجنّ ؛ وذلك لأنّ التبري يشتمل على كلمة "لا" لنفي الجنس، أي: رفض كل من يعادي أهل البيت عليهم السلام وطبيعة (لا) النافية للجنس تقتضي العموميَّة والشموليَّة، كما في كلمة التوحيد " لا إله إلا الله"، وعلى هذا نحن بالتبري لا نعترف بأيّ إنسان يعاديهم بلا استثناء؛ وبذلك نعلن موقفنا الحاسم تجاه كلّ من ينصب العداوة لهم.

ولكن بما أن هناك مجموعات كان لها الدور الرئيس في هذه العداوة؛ فكان لابدّ من ذكر أسمائهم تأكيداً.

فمن جملة مقاطع الزيارة هو "أبرأ إلى الله وإلى رسوله" :

1- ممن أسس أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت.

2- وممن بنى عليه بنيانه.

3- وممن جرى في ظلمه وجوره عليكم وعلى أشياعكم.

فالطائفة الأخيرة: تشمل جميع الطواغيت في كلّ عصر ومصر، حيث ينسب ظلمهم إلى الطائفة الثانية بالتبع وإلى الطائفة الأولى بالأصالة.

وأمّا الطائفة الثانية : فهم زمرة بني أميَّة الذين ورد في شأنهم "قاطبة" وسنفسر هذه الكلمة .

وأمّا الطائفة الأولى: فلا نتحدَّث عنهم تصريحاً بل تلويحاً بذكر حديثين عن الإمام الباقر عليه السلام، نقلها النجاشي والكشي ولعلهما حديث واحد :

نقل النجاشي عن برد بن زيد قال:

" قلت لأبي جعفر جعلني الله فداك : جاء كميت قال : أدخله؛،فسأله الكميت عنهما فقال له أبو جعفر عليه السلام : ما أهريق دم ولا حكم يحكم به غير موافق لحكم الله وحكمِ النبي وحكم علي عليهما السلام إلا وهو في أعناقهما ."

وأما ما في كتاب الكشّي ففيه تفصيل قال الكميت: يا سيدي أسالك عن مسألة و كان متكئاً فاستوى جالساً و كسَّر في صدره وِساده، ثم قال: سلْ .. فقال أسالك عن الرجلين:

" فقال يا كميت ابن زيد: ما أهريق فى الإسلام مَحجمة من دم، و لا أُكتسب مالٌ من غير حله، و لا نُكح فرجٌ حرام إلا و ذلك فى أعناقهما الى يوم القيامة، حتى يقوم قائمنا عجل الله فرجه، و نحن معاشرَ بني هاشم نَأمر كبارَنا وصغارَنا بسبهما والبراءةِ منهما."

وهناك حديث في البحار: سئل زيد بن على بن الحسين عليهما السلام و قد أصابه سهم فى جبينه، من رماك به؟ قال : هما رمياني هما قتلاني"

و زيد كرّر منطق الإمام الحسين في يوم عاشوراء "وزاد : ثم أخذ السهم فأخرجه من قفاه فانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده على الجرح فلما امتلأت رمى به إلى السماء ، فما رجع من ذلك الدم قطرة ، وماعرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين عليه السلام بدمه إلى السماء، ثم وضع يده ثانياً فلما امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته، وقال : هكذا أكون حتى ألقى جدي رسول الله وأنا مخضوب بدمي وأقول : يارسول الله قتلني فلان وفلان !"

(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يَاوَيْلَتِى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً)(الفرقان/٢٦-٢٧).

والجدير بالذكر ما روي عن لسان زينب سلام الله عليها: "هذا حسين مجزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء، بأبي من عسكره في يوم الأثنين نهباً، بأبي من فسطاطه مقطع العرى، بأبي من لاهو غائب فيرتجى، ولاجريح فيداوى، بأبي من نفسي له الفداء، بأبي المهموم حتى قضى، بأبي العطشان حتى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدماء "

مع العلم بأن عاشوراء كان يوم الجمعة أو السبت حسب الروايات، أما يوم الأثنين فهو يوم السقيفة ويوم دفن الرسول.

وهناك العديد من الروايات تشير إلى هذا المضمون: " فالإمام العسكري عندما استشهد خرجت جارية وقالت الله يوم الاثنين".

يقول آية الله الإصفهاني في أرجوزته المعروفة:

(منهم جرى من بعد كل ما جرى ....فإن كل الصيد في جوف الفرى .... هم أسسو السقيفة السخيفة... وما أدراك ما السقيـــــــفة...بناء غدر بيد محتــــــــالة

على أساس الكفر والضلالة) ويقول: وما رماه إذ رماه حرملة ... لكن رماه الذي مهد له ... سهم أتى من جانب السقيفة ...وقوسه على يد الخليفة.

وإلا من الذي جعل يزيداً يتجرأ بقتل الحسين عليه السلام ويقول بكل وقاحة :

" لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل " 

فلا ينبغي أن نبتلي بالفروع وننسى الأصول.

لعن بني أميَّة قاطبة

مدخل: قصَّة خضر و موسى:

(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا. فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا. فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا. قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا. قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا. فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا. قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا. قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا. وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا. قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا. قَالَ فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا)(الكهف/70-60)

خرق السفينة: (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا. قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا.قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا)(الكهف/73-71)

قتل الغلام: (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا. قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا)(الكهف/76-74).

بناء الجدار: (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا. أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا. وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا. فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا. وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا)(الكهف/ 82-77).

البحث الأول: تساؤلات حول القصَّة.

1/ أيهما حقق العدل موسى أم الخضر؟

بالطبع خضر هو الذي حقق العدل، أما موسى عليه السلام فلم يحققه لأنّ الأمّة لا تتحمل ولا تتقبَّل هذا النمط من العدل !!

2/ من الذي يتمكَّن من تحقيق هذا العدل؟

لا ريب أنه المعصوم؛ لكونه يعلم ما كان وما يكون وما هو كائن .

3 / هل هذا النمط من العدل مطلوب لله ؟



4 / أين المعصوم ولم لا يقوم ببسط هذا النحو من العدل وإبادة كل أشكال الظلم؟

المعصوم متواجد ولكنه غير مبسوط اليد .

5 / لماذا؟ ومن يمنعه ذلك ؟

يحول دون ذلك من أسّس أساس الظلم وبنى عليه بنيانه وجرى في ظلمه، وعلى رأسهم بنو أميَّة .

6 / فما هو الحلّ ؟

الحل يكمن في قلع شجرة الظلم، وهي الشجرة المجتثة من فوق الأرض ما لها من قرار، فيجب أن تقلع ولو كانت تشتمل على فواكه وثمار.

البحث الثاني: نحن نخضع للقرآن والأحاديث ولكن ما شأن بعض الصلحاء من بني أميَّة ؟ وهل يشملهم هذا الحكم بالاجتثاث؟

أمثال "معاوية بن يزيد" الذي تنحّى عن الحكم بعد أربعين يوماً من خلافته، حيث عرف أنّه ليس على الحقّ، ويقال أنّه صعد المنبر واعترف بذلك.

وأيضاً : عمر بن عبد العزيز الذي يذكر المؤرخون إنجازاته الإيجابيّة ، أهمُّها :

1- منع الناس من سبّ أمير المؤمنين واستبدله بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(النحل/90).

2- أرجع فدكاً إلى أولاد الزهراء سلام الله عليها .

3-كان يقدِّم علياً على سائر الخلفاء.

4- كان يتعامل مع الناس بالرفق والعدالة وكانت يلزم الزهد.

والجواب:

أما الأول فما قام به لا يكفي .

وأما عمر بن عبد العزيز فيرد على ما قيل في شأنه بعدة أمور:

ا- هذا غير مسلّم به تاريخياً بل هناك شك في ذلك.

2- كونه غاصباً للخلافة وهو أكبر ذنب، ولم يصل إلينا أي خبر يفيد بأنّه زار الإمام عليه السلام وطلب منه أن يجيزه للحكم .



إذاً لا بدّ وأن تقتلع تلك الشجرة نهائياً بقتل ذراري قتلة الحسين:

(عن الهروي قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله، ما تقول في حديث روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها؟ فقال عليه السلام: هو كذلك. فقلت: وقول الله عزوجل {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ما معناه؟ قال : صدق الله في جميع أقواله، ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم، ويفتخرون بها، ومن رضي شيئا كان كمن أتاه، ولو أن رجلاً قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند الله عزوجل شريك القاتل، وإنما يقتلهم القائم عليه السلام إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم).

فالمبرِّر لقتل الذراري يتمثل برضاهم بعمل أولئك؛ ولأجل ذلك كان لابدّ من تنفيذ الحكم الإلهي فيهم ولن يسمح للأمّة بتغييره أو تعطيله، فيجب تنفيذ هذا الحكم يوماً ما ليملأ الله الأرض قسطاً عدلا كما ملئت ظلماً وجوراً .

والسبيل إلى ذلك هو الصراع مع الظلم بجميع معانيه.

{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا}( الإسراء/60)

ولكن السؤال الذي يطرح بالنسبة إلى زيارة عاشوراء هو: لماذا نلعن بني أمية قاطبةً ؟

ورد في زيارة عاشوراء (ولعن الله بني أميَّة قاطبة)، قال في محيط اللغة : " قاطبة: يطلق على كلِّ جيل من الناس".

ويؤكد هذا المعنى ما في بعض النسخ (ولعن الله بني أميَّة قاطبة إلى يوم القيامة).

وقد ذكرت أجوبة مختلفة لهذا السؤال:

الجواب الأوّل : قال العلامة الميرزا أبوالفضل الطهرانى - صاحب كتاب شفاء الصدور في شرح زيارة العاشور- :

"المقصود الذين غصبوا الخلافة والذين هم راضون عنهم من أعداء آل محمَّد، وهم أكثر من كان في ذلك الزمان والباقي مستثنون من ذلك).

أقول: هذا الإستثناء لا ينسجم مع قوله "قاطبة"، بل اللعن يشمل بني أمية جميعاً؛ لأن هناك مواجهة معهم ستقع في المستقبل؛ فمندوبهم السفياني سوف يحارب الحجة عجل الله فرجه.

ولأن قضية الإمام الحسين لم تنتهي ونحن نريد أن نوجد روحية ملتهبة ثورية لدى الناس بزيارة عاشوراء؛ ولأن الهدف من زيارة عاشوراء هو إيجاد تلك الروحية الثورية في الناس بنحوٍ لا تشكيك فيه أو تردد، بل يجب أن تكون مبنية على التسليم المطلق للإمام المعصوم ولأقواله، كما تنص عليه الآية الكريمة {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(الأنفال/25).

فعندما يأتي الله بعذاب ويصاب به بعض المؤمنين فذلك راجعٌ لوجودهم بين فسقةً يجب أن يبادوا.

فأنت في جيش الحجة ستستلهم القوة والروحية من زيارة عاشوراء، لأن الإمام الحجة عجل الله فرجه سوف يقاتلهم مسلمين وكفرة؛ فنحن الآن مأمورون بمقاتلة الكفار: (فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ)( التوبة/12)؛ أما جيش الحجة فسوف يقاتل مسلمين أيضاً- فالسفياني يعدّ مسلماً في الظاهر فهو يصلي ويصوم-، بل أن ذلك الجيش سوف يهاجم صفوف جماعة أثناء الصلاة فيقتل الإمام والمأمومين وحينها سيضجّ الناس: لو كان هذا ابن بنت رسول الله لكان في قلبه شيء من الرحمة، عند ذلك يصرخ الإمام عجل الله فرجه: (يالثارات الحسين) فيبعث فيهم روحاً من جديد كما تقول الرواية.

وحقيقة الأمر أن هؤلاء المسلمين من أتباع السفياني ما هم إلا أعداء أهل البيت عليهم السلام ممن يقولون:" ياليتنا كنا مع يزيد فنفوز فوزاً عظيماً"؛ ولهذا نرى الأمويين في سوريا في مثل هذه الأيام يحتفلون بمناسبة انتصار خليفتهم يزيد في حربه مع الحسين عليه السلام.

والرواية تقول: "إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين عليه السلام بفعال آبائها"

لأن مثل هؤلاء الذراري كمن يحمل المسدس ويشهره لقتل أحدهم ولكنه لحظة الإطلاق يفاجأ بأن سلاحه غير محشو بالذخيرة .

فهل يُقتل مثل هذا الشخص أم لا؟

المفروض يقتل لو كانت يد المعصوم أو الفقيه مبسوطة؛ لأنه لا فرق بينه وبين القاتل فروحيته ملوثة .

فحركة الحجة عليه السلام كالخضر (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ )(الكهف /74).

- وفي تفسير العياشي: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام إن نجدة الحروري كتب إلى ابن عباس يسأله عن سبي الذراري ، فكتب إليه : أما الذراري فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يقتلهم ، وكان الخضر يقتل كافرهم ويترك مؤمنهم ، فإن كنت تعلم ما يعلم الخضر فاقتلهم ! )

فالحجة كذلك سيدمرهم ويبيدهم لأنه يريد أن يقتلع تلك الشجرة الخبيثة شجرة بني أمية التي ورد في القرن الكريم {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا}(الإسراء/60).

وكما يقول الفخر الرازي فإن الله يريد أن يبيد هذه الشجرة الملعونة. 

وفي قوله: (وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا) نرى أن اسم [يزيد] موجود في القرآن في هذه الآية كما يقول الفيض الكاشاني عليه الرحمة: "وفي قوله (فما يزيدهم ) لطافة لا تخفى على المتأمل، فيزيدهم أي يزيد بني أمية، ولن نختلف مع من يقول بأن يزيدهم في مقابل ينقص، ولكن القرآن له وجوه وإلا فما معنى أن ترد كلمة يزيد في هذه الآية المرتبطة ببني أمية ؟!"

فابن عباس وجميع علماء السنة يقولون بأن رسول الله رأى اثنى عشر قرداً ينزوون على منبره فخاف ونزلت الآية، وهؤلاء اثنان منهم من بني أمية والبقية من بني الحكم والعاص.

وقد يقول قائل: كيف يكون يزيد طغيانا؟!

ونردّ عليه بقوله تعالى: (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ )(هود/ 46)، فيزيد بسبب الطاغوتية المتجسدة فيه جعله الله هو أيضا طغيان.

واذكر لكم مثالاً من أيام الرسول صلى الله عليه وآله في المعارك مع المشركين ؛ حيث كانوا يأتون بالأسرى المسلمين ويضعونهم كالتروس، فكان الأب مع المسلمين والابن المسلم مع الكفار، فيسأل الأب : هل اقتله؟

فيجيبه الرسول صلى الله عليه وآله:اقتله ؛ لأن الإسلام يجب أن يتقدم، فيقتله ويذهب شهيداً إلى الجنة.

ونحن في جيش الحجة عجل الله فرجه إن شاء الله ينتحرك فنقتل كل بني أمية حتى المؤمن فيهم، فلابدّ أن يقتلون جميعاً.

ولكن المؤمنون منهم في يوم القيامة لن يحاسبوا وسيدخلون الجنة مع أهل البيت عليهم السلام ، ولدينا رواية في ذلك عن سعد الخير الذي كان من بني أمية (عن أبي حمزة قال: دخل سعد بن عبد الملك- وكان أبو جعفر عليه السلام يسميه سعد الخير وهو من ولد عبد العزيز بن مروان- على أبي جعفر عليه السلام فبينا ينشج كما تنشج النساء قال فقال له أبو جعفر عليه السلام: ما يبكيك يا سعد؟ قال وكيف لا أبكي وأنا من الشجرة الملعونة في القرآن. فقال له: لست منهم أنت أموي منا أهل البيت، أما سمعت قول الله عز وجل يحكى عن إبراهيم عليه السلام فمن تبعني فإنه مني).

إذاً فمسألة اللعن يراد بها أن نوجد في قلوبنا روحية قوية خالية من الشك والتردد ، لأن القضية قضية إبادة للعتاة والمردة (أين مبيد العتاة والمردة ؟ أين مستأصل أهل العناد والتضليل والإلحاد؟)

واذكر لكم مثالاً أخيراً:

لو كان لدينا منزل وأردنا أن نهدمه لننشئ مكانه حوزة، واشترطنا على المقاول أن ينهي العمل في فترة تسعة أشهر بغرامة عن كل يوم تأخير، وعندما جاء العمال لتهديم ذلك المنزل وجدوا فيه أشياء قيمة، ولكن المقاول فضّل تخريب البيت بأكمله لإنهاء العمل وتفادي غرامة التأخير.

فجيش الحجة عجل الله فرجه الشريف سوف يهجم على السفياني وجماعته، وحيث أن التردد حينها يضعف موقف الجيش الذي يجب أن ينتصر فإنه ولأجل القضاء على هذا التردد يجب علينا أن نقرأ زيارة عاشوراء مع التأكيد على اللعن . 

مع التأكيد على أن أولئك المؤمنين من بني أمية ممن سوف يقتلون سيشفع لهم أهل البيت عليهم السلام يوم القيامة، وهذا ما يجب أن نركّزه في أذهاننا لكيلا نحارب الحجة عجل الله فرجه حين قيامه.

فالرواية تقول بأن عدد أصحاب الحجة عجل الله فرجه الشريف ثلاثمائة وثلاث عشر وهذا العدد لم يتوفر لحدّ الآن، وهي ذات المشكلة التي واجهها الإمام علي عليه السلام في صفين عندما خرج عليه الخوارج واعترضوا عليه وقالوا بتحكيم القرآن، ولهذا فإن الطاعة المطلقة مهمة وضرورية عندئذٍ (سلم لمن سالمكم حرب لمن حاربكم).

الشيخ إبراهيم الأنصاري البحراني

البحرين- المنامة




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=121698
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 07 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28