• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الثورة... مفهومها... انواعها... عواملها... .
                          • الكاتب : عبدالاله الشبيبي .

الثورة... مفهومها... انواعها... عواملها...

ما هي الثورة؟ ولماذا يثور الثائرون؟ وما هي انواع الثورات؟ وماهي العوامل التي تساعد على قيام الثورة؟ وهل ان مفهوم الثورة يختلف عن مفهوم التغير؟.
هذه التساؤلات وغيرها سنجيب عليها من خلال عرض مفهوم الثورة وانواعها وعواملها، اذ سألني احدهم هل هناك ثورة تلوح في الافق تسعى للإطاحة بالوجوه السياسية الفاسدة التي لم تنفع البلاد سياسياً واقتصادياً وخدمياً، وهناك شعار يرفع تحت عنوان "الثورة العراقية نداء 88" وقد قال احد الاخوة لابأس بالمشاركة وحث الشباب على التفاعل معهم فان أي تغيير هو ثورة تخدم البلد وتقلع هذه الطبقة السياسية من جذورها! وهذا ــ كما يقول الاخ ــ قد درسناه في الكتب!... قلت له يجب علينا ان لا ننجر خلف أي شعار يرفع! فلابد من معرفة هذه الجهة التي ترفع شعار الثورة والتغير ومن يقف خلفها؟ والى ماذا تسعى؟ هل تسعى الى الاصلاح والتغيير ام الى الانقلاب والتخريب؟.
فبعد البحث والتقصي عن الموضوع تبين ان هذه الجهة التي ترفع (نداء88) مرتبطة بجهات سياسية غايتها تعطيل العملية الديمقراطية وادخال البلاد في فوضى تخريبية. وعليه سنأخذكم في جولة تعريفية لمفهوم الثورة وما هي انواع الثورة؟ ومن يجب ان يقود الثورة؟.
يعتقد المفكرون الغربيون، ومن يجري في إثرهم من المستغربين أن الإسلام هو عبارة عن دين وليس باقتصاد، عقيدة وليس بنهج للحياة، علاقة بين العبد وربه، وليس أساساً لثورة اجتماعية اقتصادية صالحة لكل زمان ومكان.
لقد غاب عن خلدهم أن الإسلام هو ثورة حقيقية لا تنفصل فيها الحياة عن الإيمان، وأن المفهوم الاجتماعي فيه يشكل جزءاً لا يتجزأ من المضمون الروحي (لأن الله غني عن العالمين)، وأن هذه الثورة هي وحيدة من نوعها في التاريخ الإنساني. المصدر: الإسلام بين كينز وماركس وحقوق الإنسان في الإسلام، ص54.
إن الثورة كانت تعني الغضب والهياج والوثوب في التراث العربي الإسلامي قبل أن تصبح مصطلحاً له محدداته في التطبيقات الاجتماعية المعاصرة، كما استعملت بمعنى الفتنة، وإلى عصر قريب كانت كلمة النهضة تستخدم بمعنى الثورة لأن النهوض يعني الوثوب والانقضاض.
ويقول مالك بن نبي: ان الثورة هي محاولة لتغيير أوضاع معينة بطريقة مستعجلة. غير أن قولنا إن الثورة تغيير وإنها مستعجلة غير كاف فيجب أن نقول إنها عملية هادفة ويجب أن نحدد أهدافها، فالثورة تعني، ما هي الأشياء التي يجب أن تتغير وتعني تحديد وسائل التغيير ثم تحديد أهداف التغيير.
ويضيف: إن الثورة ما هي في جوهرها إلا عملية تغيير، غير أن لهذا التغيير أسلوبه وطبيعته، فأما الأسلوب فسيتم بالسرعة ليبقى منسجماً مع التنسيق الثوري، وأما طبيعة التغيير فإنها تتحدد في نطاق الجواب على السؤال ماهو الموضوع الذي يجب تغييره ليبقى التغيير متمشياً مع معناه الثوري؟.
في الأدب السياسي الحديث، كلما ذكرت الثورة إلا وقفز إلى أذهاننا في الغالب كونها "علم تغيير المجتمع تغييراً جذرياً وشاملاً للانتقال به من مرحلة تطورية معينة إلى أخرى أكثر تقدماً. ومهما يكن فقد اختلف علماء السياسة قبل علماء الاجتماع في تحديد مفهوم موحد للثورة مثلها في ذلك مثل الثقافة. نقلاً عن موقع فيلسوف الحضارة مالك بن نبي.
وتختلف ثورة الانسان بحسب دوافعها وأهدافها، فقد يكون قوياً أو ضعيفاً، وقد لا يظهر له أي أثر خوفاً من محذور أشد وأخطر.. وأيضاً قد يكون الدافع خاصاً كمن يثور ويغضب لرغيفه أو عرضه، وقد يكون عاما ًكالثورة ضد سلطة مستبدة أو نظام جائر أو دين أو مبدأ باطل، وقد دلت التجارب ان الثورة من أجل الصالح العام يستحيل أن تأتي بخير إذا كانت مشتتة مفتتة، أو كان قائدها جاهلاً، أما إذا كان خائنا فإنها تأتي بعكس الهدف. المصدر: في ظلال نهج البلاغة، ص304.
اذ وصف الفيلسوف أرسطو شكلين من الثّورات في سياقات سياسيّة وهي: التغيير الكامل من دستور لآخر، والتعديل على دستور موجود، وكما أنّه يوجد كثير من التّعريفات المعجمية تتلخص بتعريفين ومفهومين: التّعريف التقليدي القديم الّذي وضع مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقّفيه لتغيير نظام الحكم بالقوّة.
وعن جدلية الثورة والتغيير يقول العلامة مرتضى المطهري: هناك كلمة لها عناصر تفتقر إليها كلمة التغيير. وتطرأ على حياة البشر تغييرات، تتم في بعض الاحيان على شكل ثورات. وكل ثورة تغير، ولكن ليس كل تغير ثورة. إذن متى تطلق كلمة الثورة على التغيير؟.
يجب العلامة بالقول التالي: إن الثورة تعني حدوث تغير نتيجة لانتفاض البشر وتمردهم على وضع معين، وعندما لا يكون التغير ثورياً، فقد تطرأ بعض التغيرات التدريجية، بحيث أن الناس لا يشعرون أنهم يمرون بتغير رغم أنهم يتغيرون بالفعل. لكن الثورة عمل يتم عن وعي وهي نوع من التمرد يظهر في الإنسان على وضع معين. المصدر: الله في حياة الإنسان، ص53.
إذن فمتى وافقت مصالحها أي الدولة مصالح الأفراد، تبعوها وأخلصوا إليها. وكلّما خالفت مصلحتها مصلحتهم أو مصلحتهم مصلحتها، خالفوها وتمرّدوا عليها.
فالحكومة عندما يظهر منها أنَّها تريد نشر العدل والرفاه وازدهار الصناعة والاقتصاد في ربوع المجتمع، فإنَّ الناس يرضون عنها، ويخضعون لها ويحبّونها، وعندما يحدث العكس، ويظهر من الحكومة التصلّب والتشدّد وإصدار المراسيم الاستثنائيّة وتأسيس المحاكم العسكريّة وغير ذلك، فإنَّ الشعب ينفر منها ويتقزّز من حكمها، وذلك انطلاقاً من الشعب وراء نشدان العدل والرفاه، المنبثق من حبّ الذّات. المصدر: حب الذات وتأثيره في السلوك الإنساني، ص127.
إذن فحقّ الثورة على الحكومة إنَّما ينبع عندما تنحرف الحكومة عن إرادة الشعب وعن مصالحه وعن نشر العدالة فيه، وبالتلخيص: عندما تنحرف عمّا يراه لنفسه كمالًا وعمّا خطّطه لنفسه من وسائل وسبلٍ للوصول إلى ذلك الكمال الناشئ حبّه من حبّ ذاته.
وليس هذا التفسير لحقّ الثورة ولا ذاك إلَّا منبعثاً من حبّ الذّات بالذّات؛ وذلك: أنَّ الشعب عندما يرى الحكومة مخالفة لهواه ماشية على غير الطريق الذي رسمه لنفسه نحو الكمال، ذلك الكمال الذي يحبّه بحبّ ذاته، فإنَّه يثور عليها ويتمرّد على مقتضيات تشريعها.
فإنَّ هؤلاء الرجال الثائرين، إنَّما يثورون وإنّما يتسنّمون زمام الحكم وكرسيّه، اندفاعاً من حبّ ذاتهم؛ وذلك من وجوه:
أوّلًا: لأنَّهم سوف يكونون مسيطرين ومشهورين ومخيفين مرهوبين بالنسبة إلى الشعب، وذلك شي‏ء محبوب للإنسان، يتخيّله أفضل من عدمه.
ثانياً: أنَّهم يكونون مطاعين، فإنَّ على الشعب أن يطيع جميع ما يصدّرونه من قوانين وتنظيمات وتعليمات، وهذا أيضاً شي‏ءٌ حسنٌ يفضّله الإنسان عادة.
ثالثاً: وأنَّهم أيضاً يبعدون الشرّ السابق عن المجتمع، ويبعدونه بالضمن عن أنفسهم، ويرفعون ما كان المجتمع يشكو منه من ظلمٍ ومن إهانةٍ ومن تعسّف، وهذا بنفسه أيضاً محبوب للإنسان من جرّاء حبّه لذاته. المصدر: حب الذات وتأثيره في السلوك الإنساني، ص 130.
الان وبعد ان فهمنا معنى الثورة ولماذا يثور الثائرون، فأننا نتطرق الى انواع الثورة، من حيث ان الثورات التي تحدث في المجتمع البشري ليست واحدة فهي على انواع ومنها:
أولاً: الثورة الصناعية: هي بدورها ثورة، ولكن من الناحية الفنية، فلما كان الانسان فناناً ومبدعاً وخلاقاً وموجوداً صناعياً ومنتجاً، فانه انتفض وأوجد تغييراً في الآلات وبذلك ظهرت الثورة الصناعية.
ثانياً: الثورة الاجتماعية: وهي ان ينمو الغضب في نفوس الناس الى ان يثور في يوم ما على الاوضاع القائمة وتكون ماهية هذه الثورة متمثلة بالدفاع عن الحقوق الذاتية، وتسمى هذه الثورة عادة بالثورة الغضبية.
ثالثاً: الثورة الوجدانية: فقد يحدث في بعض الاحيان ان تثور ضمائر مجتمع ما نتيجة لأوضاع معينة، فمثلما يكون الانسان اذ ضمير فان المجتمع هو الاخر له ضمير، ويثور ضد الظلم والتعسف وهذا ما يسمى بالثورة العاطفية.
رابعاً: الثورة الاقتصادية: عندما تحدث ثورة في مجتمع ما ويتغير النظام الاقتصادي ويحل محلة نظام جديد فان ذلك يعتبر ثورة، ولكنها ثورة تقوم على اساس نظام اجتماعي معين. مثل هذه الثورة تطيح بالنظام الاجتماعي القائم وتستبدله بنظام اخر.
خامساً: الثورة الادبية: تعني التمرد على الآداب الموجودة، وتتم بوعي، وهو نوع من الانتفاض الواعي ضد الآداب السابقة.
سادساً: الثورة الفكرية: حدوث ثورة في المفاهيم الفكرية والعقلية عند البشر بحيث تتغير معاييرهم وتحل محلها معايير اخرى، وتعتبر نوع من انواع التمرد على مجموعة من الافكار والتصورات والمعارف والامور التي كان فكر الانسان يتقبلها وينهار ويحل محله بنيان فكري جديد. المصدر: الله في حياة الانسان، ص58.
عوامل ايجاد الثورة، وهي كثيرة نذكر المهم منها:
أولاً: الظلم، قال الفيلسوف أرسطو أن سبب الثورة كان الإحساس بالظلم، وإذا شعرت الطبقات الفقيرة في المجتمع بأنهم يتم معاملتهم بشكل ظالم، فإنهم سوف يثورون.
ثانياً: الحرمان النسبي، يقول بعض العلماء أن الثورات تحدث بعد فترة من انتهاء الأوقات الجيدة وأوقات الرخاء، حيث يبدأ المواطنين في توقع نوعية حياة أفضل لكنهم يشعرون بالغش عندما يرون الركود أو التراجع في نوعية حياتهم إلى الأسوأ.
ثالثاً: دولة الحكومة، الثورات هي أكثر احتمالاً للحدوث في البلدان ذات الحكومات الفاسدة، فـإذا شعر المواطنين بـكفاءة حكومتهم، فإن قيام الثورة يصبح أمر مُستبعد.
رابعاً: العامل الاقتصادي والمادي، أي تقسيم المجتمع الى قطبين وهما الرفاهية والحرمان، الغني والفقير، ويكون هذا سبباً للقيام بالثورة، للصول الى مجتمع يخلو من الاختلافات الطبقية.
خامساً: وجود طبائع التحررية في البشر، وخاصة التحرر تعتبر من القيم الانسانية، أي ان الحرية للإنسان تعتبر اعز بكثير من جميع القيم المادية.
سادساً: عامل العقيدة وحب الهدف، والثورة على هذه الاساس تدعى بالثورة العقائدية. المصدر: الثورة والدولة، مرتضى المطهري، ص108.
وخلاصة القول ان الثورة يجب ان تعتمد على ركنين اساسيين؛ الهدم، والبناء، وان تهتم قبل انتصارها بالركن الاول مع عدم اهمال الثاني، اما بعد مرحلة الانتصار فيجب ان يحدث العكس؛ اي الاهتمام بالبناء مع استمرار عملية الهدم بنسبة اقل منه، لان رواسب الطاغوت تبقى عادة بعد انتصار الثورة لفترة طويلة، فلابد من ان يستمر الهدم، ولكن التوجه الاكبر يجب ان يكون منصباً على عملية البناء.
اضف الى ذلك ان الثورة تعني ان الانسان المنتمي اليها يجب ان يكون مستعداً للتضحية والعطاء، وان لا يأبه بما يحدث حوله، في حين ان الانظمة تخضع لمعادلات معينة، وبذلك فان الثورة ستكون اقوى من النظام، وبالتالي فان الحركة الاسلامية هي حركة تخدمها حوادث التأريخ؛ اي ان الزمن يكون في عونها دائماً لأنها حركة تسير في مسيرة السنن الكونية وفي طريق الحق.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=121778
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 07 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29