ورم في أسفل الإذن هكذا قال الطبيب المختص بعد التحويل الذي قام به طبيب العائلة، وكأنه قرار محكمة للنطق بالحكم.
إجراءات التشخيص تم تثبيتها بَعْد تصوير الفحص الطبقي المحوري، والنتيجة بحسب التقرير الطبي ان ورما دماغيا متقدما في أسفل المنطقة المحيطة بالخلايا المخيّة.
وهذا النوع من الأورام يصعب معالجته، وبما ان الامر كذلك، فقد تقرر ان يخضع المريض لتناول الأدوية المسكنة فقط مع مراعاة إعطاء الجرعات الكافية لتسكين الألم ولغاية بلوغ المصاب حد الوفاة.
زوجة المريض تم اعلامها بالخبر، وكذلك ابنته الوحيدة وابنه، وشقيق المصاب المتواجد معه في نفس الولاية.
ابنة المصاب قررت الذهاب مع أمها الى العراق للالتحاق بزوجها الذي ينتظر مجيئها، بينما قرر الابن ان يبقى مع والده لغاية الوفاة أسوة بعمه الذي لم يوافق على قرار سفر زوجة أخيه وابنتها.
وقف ابن المصاب بجانب والده بعد ان اعلمه الطبيب عن الموعد الذي سيفارق فيه والده الحياة.
ذاكرته رغم الحزن الذي خيم عليه، أخذته بعيدا صوب محطات الزمن الذي ما زال ماثلا يحكي تلك المشاهد بجميع مخاضاتها وتفاصيلها الصعبة، بما فيها المشاجرات التي تحصل اكثر الأحيان بين أمه وابيه.
وصول العائلة بعد ذلك السفر كأنها قافلة جاء بها الجمّال ذات يوم الى بلد اللجوء، مشاهد استقبالهم في المطار، لحظة الفرح الغامر الذي احاطت بالأب، خاصة لحظة الوصول الى عالم يحلم الجميع بتحقيقه.
اللحظة تلك ما زالت عالقة في الذاكرة، الأب تسللت الى ذهنه نوبة الألم التي احس بها كأنها لدغة عقرب، وخزة ابتدأت في أذنه ، هي تشبه ربما لحظة مخاض امرأة تلد.
وجع لم يكن يكترث له آنذاك. لذلك سرعان ما انداحت بصيرته صوب ابنه، فكر ان ينهض من فراشه ليعانقه، لم يقدر، لم يعرف الأسباب، حاول ان يشير له بالبنان امام أخيه، عرف الاخ مقصده، سيما وانه كان معارضا لقرار سفر أمه التي لم يبدو عليها الاكتراث.
حاول ان ينبس ولو بكلمة واحدة مواسيا إياه، ولكن دون جدوى، عرف الابن ان نظرات والده تحوم حوله كأنها تسعى لإحتواء اخر فرصة للتعبير عن الامتنان.
هنالك عند الزاوية، حيث الضوء الخافت كأنه يتفاعل مع الأجواء المشحونة بالأسى، دمعة فرضت نفسها، راحت تلاحق ماقٍ معصوبة عند محضر الواقفين، دعوة كلام تم استحضارها عند طاولة الحاضرين. بينما العراق تلك الارض التي ودعها منذ زمان تقرض نفسها اليوم من جديد، لتكون أشبه بمفترق طريق يفصل بين فريقين.
قال الابن مع نفسه يكفي ان أكون قريبا الى والدي في محطته الاخيرة، هذه التي سيدفن فيها بعيدا عن دموع تلك البقعة التي ستذهب اليها امي مغادرة اخر نفس من انفاس ابي الذي نذر حياته لأجلنا.
سأكون قريبا اليه، سأزوره حتما وساجلس هناك مفترشا خضرة الارض التي أحبها، نعم سأكون قريبا اليه، كما كنت دائما بجانبه وهو يشكو من مواقف تلك المرأة التي أعلنت لحظة الانفصال مع ذروة الالم.
عقيل العبود/ ساندياكو
|