• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : النجاح والفشل في العراق .
                          • الكاتب : د . عادل عبد المهدي .

النجاح والفشل في العراق

 ثلاث مراحل منذ التأسيس.. أ) جوهر المرحلة الاولى هي الملوكية، وطبيعة ارتكازاتها الداخلية والخارجية، فعندما انهارت الملكية انهارت معها "علة وجودRaison d’être" النظام.. ب) وجوهر المرحلة الجمهورية هي حكم العسكر والقوى المعارضة للنظام الملكي، لينتج النظام في نهاياته الحكم الدكتاتوري، فعندما انهار الحكم والحاكم انهارت معه علة وجود النظام.. ج) والمرحلة الحالية التي ارادت ان تؤسس لدستور دائم، ومشاركة كل المكونات العراقية في نظام جديد يعتمد الديمقراطية والانتخابات واللامركزية والفيدرالية والتعددية واطلاق الحريات العامة. وسينهار النظام اذا ما انهارت علة وجود هذا التأسيس، اما لعجز القائمين لبناء تجربة ناجحة من خلاله، او للانقضاض عليه من قوى اكبر منه. سيقول البعض فوراً بان هذا النظام جاء محمولاً بالدبابات الامريكية، والحقيقة هي ان الدبابات الامريكية جاءت مستغلة لكفاح الشعب الذي قدم تضحيات عظيمة لتحقيق هذه الاماني والبدء بهذه التأسيسات، سواء عندما كانت امريكا مع النظام السابق او ضده، او وقفت مع النظام الحالي او ضده.
فهل هذه التحولات طبيعية وتثير الخوف والقلق، ام انها طبيعية؟ والجواب انها طبيعية شكلاً لكنها هجينة ومقلقة مضموناً. فهناك فوضى مفاهيم ومناهج فقيرة تجعل تحليل وفهم الاوضاع خاضعاً للمزاج والارتباطات، اكثر مما هو تشخيص طبيب لمرضاه، حتى وان كانوا من اقاربه. فلنقارن ونأخذ فرنسا مثالاً. جرت فيها ايضاً ثورة 14 تموز(1789). فاسقطت الملكية واعلنت الجمهورية. ومنذاك تأسست 5 جمهوريات قامت خلالها امبراطوريتان (الاولى 1804-1848، والثانية 1852-1870) وحكومة تحت الاحتلال (فيشي 1940-1944)، لكن جميع هذه المراحل متواصلة، رغم اختلافاتها.. فلكل جمهورية دستورها ونظامها الذي يختلف قليلاً او كثيراً عن سابقه. فهذه النظم رغم مراحل الفوضى والعنف والمعارك والحروب الداخلية والخارجية، كانت مراكمة الايجابيات واحتواء السلبيات، وربط الحلقات لا قطعها.. خلافنا حيث نراكم السلبيات وندمر الايجابيات، لنمزق انساننا ومجتمعنا وذاكرتنا ووحدة تفكيرنا الى حلقات متضاربة منفصلة بعضها عن بعضا. وكأمثلة لاثار ذلك من بين مئات الامثلة، ان التشريعات النابليونية ما زالت اساساً مهماً للتشريعات الفرنسية بل العالمية. ويزور فرنسا اليوم حوالي 84 مليون سائح (عدا الفرنسيين)  يحققون حوالي 7% من الناتج الوطني (اكثر من قطاع الزراعة الغذائية) ويستخدم مباشرة وغير مباشرة 2 مليون عامل، لا لشيء الا لزيارة سجن الباستيل وقبر نابليون والقصور الملكية والاقطاعية والمتاحف المملوءة باثارنا اكثر من اثارهم. فتجربتهم بمجملها، برجالاتها واثارها ومنجزاتها وسلبياتها وعلومها وادابها وفنونها واقتصادياتها وتأسيساتها مترابطة بوجهيها الايجابي والسلبي، وتعتبرها جميعها ملك الامة والاجيال المتعاقبة، حية في الذاكرة والممارسة.. اما نحن فندمر منجزات الاف السنين، ونمتنع عن ذكر هذا الاسم لانتمائه لتلك المرحلة، وذاك الانجاز لانه من رصيد ذلك النظام، ويجب ان يدمر هذا النصب وذلك القصر لانه يعود لهذا المستبد او تلك الجماعة.. وهذا انتحار وجريمة تشرذم الوعي وتحرمنا من تضحيات وجهود ومنجزات هي ملكنا. وهي ممارسات تلتقي بعقلية "القاعدة" و"داعش"، بنسفهم المساجد والمنارات والكنائس ونصب بوذا والحسينيات والقبور والاثار الحضارية، وكأن النصب التاريخية والقصور بناها الملوك من اموالهم وعرق جبينهم، وليس الشعوب التي هي من دفع ضريبتها، جهداً ومالاً.
وهذا امر حساس وخطير، فمن يريد الاصلاح عليه ان يراجع مفاهيمه وثقافته وسلوكه، فهي قبل غيرها سبب ازماتنا المتكررة. فنحن نراكم السلبيات ونضحي بالايجابيات. فنطعن باستمرار بشرعية انظمتنا. فيصبح نفي القديم  -ولا شيء اخر- هوية الجديد، الذي سيبقى خاوياً من المضامين البديلة الارقى والافضل. وليفقد الجديد اي قطب رحى او ديناميكية لنجاحه. فتسهل على السنتنا كلمات العملاء والخونة والمجرمين.. فما ان تُستهلك الموجة الجديدة وتغرق في تناقضاتها وعجزها، الا ونعود الى المراحل السابقة لنمجدها. فهذه التربية لا تكشف فقط عن سلوك مسيء وجاحد، بل تكشف اساساً عن خواء وعدم جدية وقلة وعي لما تطرحه القوى من مفاهيم وشعارات ومناهج في حاضرها. فالفوز هنا لا يكون للافضل، بل يكون بابعاد الاخرين والتآمر عليهم، ليبقى الفائز المنافس الوحيد لنفسه.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=122837
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 07 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28