• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فيدرالية البصرة المستعجلة .
                          • الكاتب : محمد رضا عباس .

فيدرالية البصرة المستعجلة

أظهرت مواقع التواصل الاجتماعي صورا لمواطنين من اهل البصرة وهم يرفعون اعلام إقليم البصرة فوق منازلهم تأييدا لمطلب تحويل المحافظة الى إقليم . بعض النشطاء اعتبروا ان تحويل البصرة الى إقليم  سينهي الكثير من المشاكل التي تعاني منها الان , ومنها نقص الخدمات ,  استقلالية القرار, مساحة الصلاحيات , وفساد الحكومة الاتحادية.

بكل تأكيد ان طلب تحويل محافظة البصرة الى إقليم لا يشكل مشكلة , لكون ان النظام الفيدرالي قد اثبت نجاحه في الكثير من الدول المتقدمة , لكن مطلب البصريين بإقليم في هذا الوقت هو مطلب غير مناسب وغير واقعي للأسباب التالية:

1. ان تجربة إقليم كردستان خلف مرارة عند السياسيين وأبناء الشعب العراقي عامة , والذي تحول من إقليم تابع الى الحكومة الاتحادية الى شبه دولة , وربما دولة داخل دولة غير صديقة . المتتبع لعلاقة الإقليم مع بغداد المتوترة دائما سيجد بدون عناء هناك مشاكل جسيمة بين الطرفين , وليس من السهل حلها. لا زال الاكراد عندما يتحدثون حول علاقة بغداد والاقليم , يتحدثون عن ( كردستان و العراق) في إشارة الى انهم دولة مغتصبة من العراق.

2. ان المطالبة بتحويل محافظة البصرة الى إقليم لم يأتي بسبب ظروف موضوعية وانما بسبب  رد فعل غاضب على نقص الخدمات الحكومية , خاصة وان البصرة تمول 80% من ميزانية الدولة العراقية , هذا بالضبط ما جاء في تصريح عضو إدارة المحافظة احمد السليط , حيث ذكر ان طلب تحويل البصرة الى إقليم جاء بسبب اتهام الحكومة المركزية للحكومة المحلية في البصرة بالفساد , ومن اجل الضغط على الحكومة على تأسيس بعض المشاريع المهمة لأهل البصرة مثل مشاريع الماء والكهرباء.

3. ان اغلب المشاكل بين إقليم كردستان و بغداد ( بجانب النزعة القومية ) , هو عدم وجود قوانين تنظم العلاقة بين المركز والاقليم . وفي حالة استعجال الحكومة الاتحادية بالموافقة على منح البصرة اسم إقليم فان المشاكل العالقة ما بين بغداد والاقليم الجديد  سوف تعاد مرة أخرى وبشكل اكبر واخطر . ان تأسيس الأقاليم يحتاج الى دراسات كثيرة من اجل غلق أي ثغرة سالبة قد تقع بين الإقليم والمركز مستقبلا, وفي قضية البصرة , فأنها تحتاج الى تشريع قوانين كثيرة تنظم العلاقة بينها وبين بغداد , منها الماء, الطاقة, المنافذ الحدودية , الامن , العلاقات الخارجية , الامن الداخلي, الاستثمار, حركة المال والمواطن , التملك , تسليم المجرمين , وقوانين مهمة أخرى . ان السماح بتحويل البصرة الى إقليم بدون قوانين تنظم العلاقة مع بغداد , تعطي المجال لبعض السياسيين من المطالبة بتشكيل جيش خاص بالبصرة , مثل ما قام به إقليم كردستان من تأسيس جيش ثاني في العراق باسم " قوات البيشمركة", وهي قوات تغطي تكاليفها الحكومة الاتحادية , بينما لا يستطع القائد العام للقوات المسلحة العراقية من نقل مقاتل كردي من ثكنة الى أخرى, بل تقف بكل صلافة ضد القوات الاتحادية وتقتلهم .

4. ان ظهور الخلافات بين الإقليم الجديد (البصرة) والمركز سيكون متوقعا جدا , لان ليس جميع الأحزاب والكتل السياسية في البصرة متفقة على الفيدرالية  . كما وان الفساد المالي والإداري المستشري في المحافظة لا يدعو الى التفائل لان الوجوه سوف تتكرر والفساد المالي والإداري سيستفحل مع زيادة صلاحيات الإقليم.

5. كما وان هناك ثلاث أسباب قانونية لا تسمح بالمطالبة بالإقليم في الوقت الحاضر , وهي ان مجلس محافظة البصرة قد انتهى صلاحيته وبانتظار مجلس جديد يحل محله, ثانيا , انتهاء عمر برلمان العراق و بانتظار برلمان عراقي جديد بعد موافقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات و دعوة رئيس الجمهورية لانعقاد البرلمان الجديد وتشكيل الحكومة الجديدة , وثالثا, هو الاجازة الاجبارية للمفوضية العليا للانتخابات بعد اكتشاف عدد من المخالفات في الانتخابات الأخيرة.

ان المشاكل الأمنية والنزاعات العشائرية المتكررة , لا يشجعان باي حال من الأحوال ترك المحافظة من قبل المركز نظرا لأهمية المحافظة الاقتصادية والتي تعتبر رئة العراق . ان حل مشاكل البصرة لا تحل بالفيدرالية وانما سيجعلها مكان اكثر خطورة في ظل الانفلات الأمني فيها و تكاثر المجاميع المسلحة وضعف الأجهزة الأمنية والنزاعات العشائرية , مما يسهل انفصالها بسهولة عن العراق . الذهاب الى الإقليم يحتاج الى ظرف سياسي وامني مستقر وهو غير موجود في البصرة الان ( اكثر من 70 انفجار في البصرة في الأشهر الستة الماضية , داعش ليس متهما فيها) . ان التطور الاقتصادي الذي ينشده اهل البصرة يحتاج الى شروط معينة غير متوفرة , ويحتاج تكاتف جميع الخيرين من أهلها لضمان الاستقرار الأمني والسياسي فيها قبل الشروع بالمطالبة بالإقليم . المطالبة بالإقليم لم تكن جدية وانما جاءت من اجل الضغط على بغداد , وهي محاولة غير موفقة لأنها تعطي المجال لبقية المحافظات الأخرى بالمطالبة بالفيدرالية مع كل خلاف بينها وبين المركز. الفيدرالية ليست ورقة تستعمل في أوقات الزعل و لم تخلق لرعب المواطن او طريقا نحو التقسيم كما يعتقد البعض , وانما هي طريقا سهلا لإدارة الدولة وإعطاء كل ذو حق حقه .  ان ما جاء بتصريح وزير الاتصالات حسن الراشد وهو مسؤول مكتب منظمة بدر في محافظة البصرة يحمل الكثير من المصداقية , حيث يقول , ان " تحويل البصرة اقليما يعتبر مشروعا مهما , ولكن نرجو ان لا تكون هناك إرادة سياسية في استغلال مشروع التظاهرات لتمرير مشروع الإقليم , والاجدر في الوقت الحالي توفير الخدمات الأساسية كأنشاء سد مائي في المحافظة , وتطوير قناة البدعة , واكمال مشروع الماء الكبير في الهارثة بغية تامين المياه الصالحة للشرب". ان المطالبة باقلمة البصرة في الوقت الحاضر يشبه الى حدا بعيد خمار طلق زوجته الصالحة ليلا , فيستيقظ صباحا من سكرته ولم يجد زوجته واطفاله ويبدا يعض أصابعه ندما وحزنا و يتوسل بالأخرين من اجل اعادتها .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=122900
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 07 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29