• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المرجعية الدينية وقصة الثورة العراقية - الحلقة الثانية .
                          • الكاتب : عادل الموسوي .

المرجعية الدينية وقصة الثورة العراقية - الحلقة الثانية

   لقطات من الحلقة الاولى :
( .. ولكم تألمت بعد بعض ربيعات عربية وتمنيت لو كان الخلاص بربيع عراقي شعباني ثان ..
 .. لذا ايقنت ان حلم الخلاص لن يكون متاحا ولو برؤيا كاذبة .. 
 .. وربما تقمع - الثورة- لتكون اضلاع شهدائها سلالم لثورة جديدة تفتح مقابرهم الجماعية عند استلامها للسلطة .
 .. في ذلك المنظار ﻻحت لي ملامح الثورة الجديدة .. 
.. ثورة صامتة لم يكن لها بيان يحمل رقما ..)

الحلقة الثانية :
"على قدر اهل العزم .."
  روي عن الإمام الباقر ع عن آبائـه عن أمير المؤمنين ع انه قال: "شيعتنا المنادون في ولايتنا , المتحابون في مودتنا، المتزاورون في إحياء أمرنا، الذين إن غضبوا لم يظلموا، وإن رضوا لم يسرفوا، بركة على من جاوروا، وسلم لمن خالفوا"
  لذا فمن غير المروءة ان يوصف الشعب الشيعي العراقي بأوصاف موهنة، ومن غير الانصاف للذات ان لايحترم الشعب ذاته، واظن ان هذا التلاوم وذم النفس هو للغفلة عن معرفة القدر او ربما هو التواضع او " وتصغر في عين العظيم العظائم " ونرجو ان يكون ظن التقصير منطلقا نحو التغيير .

"فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَة"َ
  تكمن المعظلة في إقتحام العقبة وهي التردد نتيجة عدم الثقة بصحة ما يقدم عليه الفرد لذا ترى المتحير يمضي واثقا ان اشير عليه او حتى ان امضت فعله الخيرة ان خرجت جيدة، وايضا فإن الطمأنينة والوثوق بحسن الاختيار وصحة الطريق تفعل الاعاجيب فيما يصدر من سلوك، فترى الاستجابة لفتوى الدفاع المقدس وتقديم الارواح رخيصة كانت اسهل واسرع بالاجابة من انتخاب مرشح بمواصفات معينة دقيقة عزت وندرت في المرشحين .
  ولك ان تقارن بين انتخابات الجمعية الوطنية والتوجيه الى قائمة الائتلاف الوطني الموحد وبين ما تلتلها من انتخابات الى ما وصلت اليه الحيرة في الانتخابات الاخيرة وكيف كان الاغلب ممن يحتاط باسقاط الفرض يتشبث بالقشة لانتخاب مرشح - نفترض ان يكون - له ادنى ما يمكن من المواصفات المطلوبة حتى كنا نغض الطرف عن بعض مواطن الخلل عند ذلك المرشح او تلك القائمة، ولك ان تقارن -ايضا- كيف كنت واثقا بالتصريح عن مكنون انتخابك لقائمة "الشمعة" وكيف صرت الآن خجلا عن التصريح بإسم من تنتخب وكأنك مذنب او تخشى اللوم او تخاف ان يجد لك من لا يوافقك مثلبة في مرشحك الذي لم تكد ان تقتنع به .

الحيرة :
  بات امر الانتخابات كأنه اجتماع للنقيضين او عدة نقائض .
  فضرورة الانتخبات وانها المسلك الافضل في مسار الحكم واختيار الكفوء النزيه، ومواصفات القائمة والمرشح وجهود سطحية بائسة للبحث في الضوء عن حاجة ضاعت في الظلام مع فسحة بالخيار في عدم المشاركة مصحوبة بتحذير من عواقب وخيمة .
  المشكلة انك تدرك ضرورة المشاركة  وتعي عواقب العزوف لكن الامتثال كان كحال بعض موارد الاحتياط اما متعذرا او متعسرا غالبا على العوام، كانت المواصفات خارج دائرة المرشحين، وما تقدم من حيرة كان في دائرة المقلدين او المؤمنين بخط المرجعية الدينية :
- من لم يشارك آخذا بالرخصة ومحتاطا بعدم التورط بسوء الاختيار .
- من شارك واختار افضل السيئين محتاطا من عواقب العزوف .
   وكلاهما اختار ما اختار مترددا غير مقتنع تماما - على وجه اليقين - بصحة ما اقدم عليه .
   اما غير المؤمنين بالمرجعية او بضرورة امتثال توجيهاتها فضلا عن المنافسين والمناوئين فكل منهم عمل على شاكلته من مقاطعة او مشاركة باختيار ما ينسجم مع توجهاته وتطلعاته، ومن الطبيعي في كل ما تقدم من الاقسام والفروع ان يكون هناك قادة للرأي واتباع ومحايدين ومعتزلة وفاقدين للوعي .

هل الى خروح من سبيل ؟
  نحن نعتقد بان مقام المرجعية الدينية هو مقام النيابة عن الامام الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعلى ابائه في غيبته الكبرى في رعاية شؤون الامة في دينها ودنياها مع ملاحظة عدم اغفال دور الامام ع في هذا المجال واستفادة الامة من بركات وجوده المقدس وعدم اعتقاد الصلاحية المطلقة للمرجعية الدينية او انها تحل محل الامام ع او الاعتقاد بعصمتها بل ان المتجرد غير الغالي او القالي ربما رصد بعضا مما يمكن ان يكون من الاخطاء الواضحة، هذا عموما اما بخصوص سماحة آية الله العظمى والمرجع الديني الاعلى السيد علي الحسيني السيستاني متعنا الله بطول بقاءه فالامر مختلف تماما،  فبالإضافة الى مقامه كمرجع نائب فالمؤمن به يجد له مواصفات عالية المضامين يحتاط القلم في الحديث عنها مخافة التقصير او الاتهام بالغلو، ان لهذا القائد العظيم اطروحة عملية غير مخطوطة، فضلا ان تكون مطبوعة، اطروحة تقرأ بتأن ووعي وايمان عاليين بمواقفه من الاحداث الجارية، من عمق الاطلاع وسعة الافق وبعد النظر ودقة التشخيص وحكمة الحل ومناسبة التوقيت والتنبوء بما تؤول اليه الامور والتحذير من سلبياتها والحلول اللازمة لتجنب محذوراتها والثقة العالية بتحقيق المطلوب والصبر عليه والصبر على المستعجلين فيه وغيرها
مما ينفد عنها المداد وتضمحل فيه الافكار .
  اذن مالذي يريده السيد المرجع ؟ 
ولما نترك لهذه الحيرة ؟ وكيف نوفق بين ضرورة الانتخاب وحسن الاختيار وندرة الانطباق للمواصفات والرخصة في عدم المشاركة وضرورة تفادي العواقب الوخيمة الناتجة عنها ؟
  وللاجابة لابد من مقدمات ربما تكون طويلة لكن الاشكالية تستحق مؤونة الصبر .

ما علة الواقع الذي نعانيه ؟
  هو جزء من صراع قديم اسسته السقيفة وعلمنا نحن " التالون غب ما اسسه الاولون " هو الواقع المتباين للشعب العراقي الذي يدعي من يدعي انه لم يكن كذلك في العهد البائد . 
  ان هيمنة الحكم الفردي والنظام الاستبدادي وانحيازه الى احدى الارادات المتأدلجة بأدبيات حزبه - بل بأدبيات جميع من حكم الامة - ادت الى شعور تلك الارادة بالسيادة لهذا البلد واعتبار الاخرين خدما ان لم يكونوا عبيدا لهم فيه .
  لم تكن للمهمشين رؤى تامة واضحة لشكل نظام الحكم في البلد واستيعابه حكم الجميع، بل كانت الاطروحات متواضعة وجزئية نابعة من محنة ومأساة تلك الفئات المهمشة ولم يكن لها ادنى تطلعات بقيادة البلد وحكم فئاته المتنوعة فرضيت وهي ممتنة بالشراكة .
  كانت لبعض الاحزاب الشيعية قصص تأسيس غامضة، قياداتها مجهولة، نظامها الداخلي .."مستنسخ " !! اهدافها غير واضحة، اصطدم المعلن منها نظريا مع الممكن منها عمليا، تلك الاحزاب اسست لشيء وناضلت لشيء وحكمت لشيء اخر .
   ان الجهة المنظمة للصراع لابد لها لإمتاع المشاهدين وزيادة رهان المقامرين ان تحتفظ بتوازن للقوى بين تلك الدمى، ولابد لهذا التوازن من ثمن يدفعه الشعب .

  من رسم هذا الواقع الذي نعيشه اليوم ؟ 
  ان هيمنة الحكم الفردي والنظام الاستبدادي لحزب البعث ونظريته في الحكم ومواقفه ومعالجته للقضايا العامة كالمسألة الدينية والقضية الكردية والمآسي التي افرزتها ممارساته تجاه هاتين القضييتين الرئيسيتين، الحروب التي خاضتها المنطقة، حلبجة والانفال والانتفاضة وصفحات كثيرة وظروف وملابسات كان لكل ذلك دورا في التركيبة الفكرية لاطراف او احزاب المعارضة، فمع انعدام الثقة وخوف الغدر والاستئثار بالسلطة للشركاء مع قوانين صارمة لادارة الصراع واملاءات اكثر صرامة من الرعاة لتلك الاحزاب ومحركي تلك الدمى، خلص الجميع بعد توازن نسبي للقوى الى مبدأ التوازن بين المكونات الى التوافق الى المحاصصة الحزبية وهي ليست مراحل بل هي مترادفات لمعنى واحد هو " تكالب الأكلة على قصعتها" .
 لا اقول ان المحاصصة نشأت بعد استلام السلطة او انها خرجت من القوة الى الفعل بل اسس لهذا المبدأ وتم العمل به واقعا من اولى المؤتمرات الى اخرها مرورا من بيروت 91 الى فينا 92 الى صلاح الدين 92 وانتهاء بنيويورك 99 ولندن 2002 وحسمت واقرت كثير من الامور واعلنت فيما بعد كقرارات في مجلس الحكم واريد لها التجسيد في الدستور الذي كانت تطمع الولايات المتحدة في تعيين مجلس صياغته فحالت فتوى الدستور دون ذلك .
  لم يكن للمحاصصة الحزبية وفق ذلك الواقع الا ان تترسخ وتفرض نفسها وتنسحب الى كثير من المفاصل والمرافق فشملت التقاسم في المناصب السيادية والوزارات والهيئات وتمرير القوانين وتنفيذ المشاريع وغلق ملفات الفساد بل بفتح البعض وغلق البعض الاخر، ولابد ايضا ولاستمرار حياة تلك الاحزاب بالسلطة من استمرار التمويل فلم تدخر وسعا للوصول لذلك من طرق السبل كافة المشروعة وغير المشروعة حتى برعاية النشاطات المشبوهة ومن دون الحاجة الى تبيض تلك الاموال، وتطور الامر من حيازة النار الى اقراص الاحزاب ورعاية المصالح الفئوية الى رعاية المصالح الشخصية وتحول كل منصب الى امبراطورية عظمى يلهث صاحبها لئلا يفوته فوت للتملي في فترتها المحدودة، لذا شرعوا ما اتخموا به من الامتيازات واستحوذوا على ما امكن من الحبوات ورسموا ما يؤمن لهم  ترف العيش الى نهاية الحياة - " إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ "، ولا تعميم حتى نكون منصفين - لكل ذلك وصل العراق الى ما وصل اليه من مشاكل ومآس وازمات متشابكة .

سؤال عرضي كي لا يبق في نفس البعض منه شي :
 هل ايدت المرجعية قائمة الائتلاف الوطني الموحد ؟ 
 - وجهت المرجعية الدينية لجنة سداسية لمفاتحة القوى المتصدية للعملية السياسية حول تشكيل قائمة وطنية تعمل لاهداف محددة، فتشكلت تلك القائمة، فإنسحب تأييد التشكيل على تأييد القائمة، فإن كنت منصفا فتأمل . 
- كان الهدف الاساس هو ارساء العملية الديمقراطية والخروج من محنة فرض الدستور فكانت المهمة المناطة بالجمعية الوطنية هي تشكيل لجنة لكتابة الدستور تمهيدا للاستفتاء عليه والتمهيد لانتخابات مجلس النواب والحكومة المقبلين ، ولم يكن في البين تشريع قوانين ولا تشكيل حكومة ولا مراقبة اداء ولا شيء من مهمات مجلس النواب والحكومة المتعارفين .
- بعد انجاز المهمة وارساء الاسس الديمقراطية وكتابة الدستور اعلنت المرجعية الدينية عن وقوفها على مسافة واحدة من جميع القوائم وتوجهت بنصائح للناخبين مع بداية كل انتخابات ولاربع دورات .

المستشف
من الخطابات الاخيرة للمرجعية : 
  ان المرجعية الدينية رسمت خارطة الطريق الى: " مستقبل ينعم فيه الشعب بالحرية والكرامة ويحظى بالتقدم والازدهار، ويحافظ فيه على قيمه الاصيلة ومصالحه العليا " عبر سعيها " منذ سقوط النظام الاستبدادي السابق في ان يحلّ مكانه نظامٌ يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع الى صناديق الاقتراع، في انتخابات دورية حرّة ونزيهة، وذلك ايماناً منها بانه لا بديل عن سلوك هذا المسار في حكم البلد " مع تأكيدها على ضرورة " تفادي الوقوع في مهالك الحكم الفردي والنظام الاستبدادي تحت اي ذريعة او عنوان " وبينت انه " من الواضح ان المسار الانتخابي لايؤدي الى نتائج مرضية الا مع توفر عدة شروط، وطالبت ان يكون قانون الانتخابات عادلا وان تكون المفوضية مستقلة، وبينت برنامجا لعمل الحكومة الجديدة ومواصفات لرئيس الوزراء ووجهت بتمام مسؤوليته عن حكومته ووجهت ان تتعهد الحكومة بالعمل وفق البرنامج المرسوم، وحذرت من مغبة التنصل من التعهد وانذرت بأنه سيكون للمشهد وجه اخر مختلف، وشددت الانذار بأنها لا تتمنى ان تدعو الحاجة الى ذلك، ودعت كبار المسؤولين ومن بيدهم القرار الى التعقل والمنطق لتدارك الامر قبل فوات الاوان وهو انذار اخر اشد لهجة .
  مع ذلك فالمرجعية لم تغير الموقف من ضرورة الانتخابات مع ما فيها من سلبيات في القانون او لدى المفوضية والمرشحين والناخبين، مع النصحيحة المستمرة للتصحيح والتغيير لهذه العناصر من المطالبة ب : 
- ان يكون قانون الانتخابات عادلا .
- ان تكون المفوضية مستقلة .
- ان يعي المسؤولين عظم المسؤولية المناطة بهم .
- ان يحسن الناخبون الاختيار .

النتيجة :
- ان من في السلطة لاخلاق لهم ولن يقدموا على اي من خطوات الاصلاح فقد  استزلهم الشيطان فأنساهم ذكر الله العظيم .
لذا فلم يبق امام الشعب الا ان يطور اساليبه الاحتجاجية " فلا خير في من لايغضب اذا اغضب " .

  نهاية المطاف : 
   من جميع ما تقدم اظن ان المقدمات استوفت لحصول نتيجة الاجابة عن :
  كيف نوفق بين ضرورة الانتخاب وحسن الاختيار وندرة الانطباق للمواصفات والرخصة في عدم المشاركة وضرورة تفادي العواقب الوخيمة الناتجة عنها ؟
 الجواب هو: بتصور الفارق بين قيام الثورة على الفساد وتصحيح مسار الحكم في ظل التجربة الديمقراطية وبين قيامها تحت ظل الحكم الفردي والنظام الاستبدادي .
  اذن احتمل ولا احمل ان المرجعية الدينية لم تكن لتدعنا في حيرة الضلالة بل كانت تريد منا عبور المرحلة والحفاظ على مكتسبات التجربة الديمقراطية بأقل الخسائر ورغم جميع السلبيات تمهيدا للمرحلة المقبلة بقيام الثورة على الفاسدين وتصحيح مسار الحكم، كل ذلك لتفادي الوقوع في مهالك الحكم الفردي والنظام الاستبدادي تحت اي ذريعة او عنوان .
  "دينكم دينكم فإن السيئة فيه خير من الحسنة في غيره فالسيئة فيه تغفر والحسنة في غيره لاتقبل"




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=123270
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 08 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28