• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ضرورة فهم البلاء...  .
                          • الكاتب : عبدالاله الشبيبي .

ضرورة فهم البلاء... 

قبل ايام كتبتُ موضوعاً تحت عنوان "الابتلاء سنةٌ جارية" ونُشر على موقع كتابات في الميزان، راسلني احدهم وقال كيف يكون البلاء او الابتلاء سنة جارية على العبد ولم يكن له دخل فيما يجري من حواليه او بخصوص نفسه؟ ومن ثم اردف قائلاً ومن الممكن ان نكون نحن السبب فيما يوجد من بلاء وابتلاء؟. قلت له لنعد الى اصحاب اللغة ماذا قالوا عن هذا المعنى.
قالوا ان البلاء والابتلاء يلتقيان في معنى الاختبار والامتحان، وهما اسمان من بلاه يبلـوه وابـتلاه، أي جرَّبه، يقال: بلوت الرجل بلواً وبلاءً وابتليته: أي اختبرتـه، وبـلاه يبلـوه بلـواً: إذا جرّبـه واختبره، وبُليّ فلان وابتُليَ إذا امتحن. والبلية والبلوى والـبلاء واحـد، والجمـع البلايـا، والابتلاء الاختبار، ومنه قوله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾، المعروف ان الابتلاء يكون في الخير وفي الشر معاً. المصدر: سُنَّة الابتلاء في القرآن الكريم، ص24.
جاء في لسان العرب: أبلى بمعنى أخبر، وابـتلاه الله: امتحنـه، والاسـم، البلوى والبلوة والبلية والبلاء، وبُليَ بالشيء بلاءً وابتُلي.
وقال الفيروز آبادي وابتليته اختبرته. وابتليت الرجل فأبلاني استخبرته فأخبرني، وامتحنته واختبرته، كبلوته بلواً وبلاءً. والاسم البلوى والبلية والبلاء: الغم كأنه يبلي الجسـم. والتكليـف بلاء، لأنه شاقّ على البدن أو لأنه اختبار.
وفي المعجم الوسيط: ابتلاه: جرَّبه وعرفه. والبلاء الحادث ينزل بالمرء ليختبر به. والـبلاء الغم والحزن، والبلاء: مبالغة الجهد في الأمر، والبلى: القِدمَ، والبلوى: المصيبة. والبليُّ: الشديد البلىَ. البليَّةُ: المصيبة، وجمعها بلايا. والبليَّة في الجاهلية: الناقة يموت صاحبها فتُحـبس علـى قبره حتى تموت. 
وعرف أبو هلال العسكري الابتلاء بأنه: استخراج ما عند المبتلى وتعرف حاله في الطاعـة والمعصية بتحميله المشقة، وليس هو من التكليف في شيء، فإن سمي التكليف ابتلاءً في بعـض المواضع فقد يجري على الشيء اسم ما يقاربه في المعنى. ويقال للنعمة بلاء، لأنه يستخرج بها الشكر، والبلى يستخرج قوة الشيء بإذهابه إلى حال البال، فهذا كله أصل واحد.
وقلت له لقد اورد السيد محمد الصدر في تعليقه على كتاب الفتاوى الواضحة القول التالي: البلاء مهما كان نوعه شخصياً ام عاماً، نعمة على المؤمن ونقمة على الكافر والمنافق. فان قصدنا من البلاء مصاعب الدنيا ومصائبها عرفنا انها تأتي من اجل ثلاثة أمور رئيسية:
الامر الاول: عقوبة على ذنوب الناس وموبقاتهم ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾. ونحن نقول عقوبة، ولكنها ليست عقوبة تامة، وانما العقوبة التامة في الاخرة.
الامر الثاني: تعميق ايمان المؤمنين ودفعهم ــ من حيث يريدون او لا يريدون ويعلمون او لا يعلمون ــ نحو جادة الحق والصواب ﴿لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾، فانه ليس هناك من سبب اقوى من البلاء في لجوء الفرد الى الله وتوكله عليه واتجاهه اليه. 
الامر الثالث: اقامة الحجة على الكفار والفساق والقاسية قلوبهم عن ذكر الله، فان سبب البلاء رجوعهم وتوبتهم فهو المطلوب. المصدر: الفتاوى الواضحة، ج2، ص509.
كما يعترض الكثير من الناس عند نزول البلاء عليهم، بل يصل الأمر ببعضهم إلى التشكيك بالعدل الإلهي والعياذ بالله وسبب ذلك عدم استحكام الإيمان في قلوبهم بالدرجة الأولى وعدم المعرفة بحكمة الابتلاء من الله عزوجل لعباده، أن يستشف بعض الأسباب والحكم التي يبتلي الله عباده لأجلها وهذه الحكم هي:
أولاً: أن تتبين حقيقة المدعين فكم من أشخاص يدعون من الكمالات والكرامات ثم بعد نزول البلاء تراهم ساخطين غير راضين بما قسم الله لهم، فعن الإمام عليه السلام في قوله تعالى: ﴿أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ ومعنى ذلك أنه سبحانه يختبر عباده بالأموال والأولاد ليتبين الساخط لرزقه والراضي بقسمه.
ثانياً: استحقاق المثوبة من الله عز وجل، ففي تتمة الحديث في شرح قوله تعالى: ﴿أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ يقول أمير المؤمنين عليه السلام: وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب والعقاب.
ثالثاً: التأديب من الله لعباده، وغفران الذنوب، فعن الإمام عليه السلام: ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد ويتعبدهم بأنواع المجاهد ويبتليهم بضروب المكاره إخراجاً للتكبر من قلوبهم وإسكاناً للتذلل في قلوبهم ولجعل ذلك أبواباً فتحاً إلى فضله وأسباباً ذللاً لعفوه. المصدر: زاد الصامدين، ص12.
إذا كان البلاء تأديباً من الله لعباده ونظراً منه إليهم، فأولى الناس به هم المؤمنون، ولذلك كان أشد أنواع البلاء واقعاً على من حاز أعلى نسبة من الإيمان وهم الأنبياء، فعن الإمام الصادق عليه السلام: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل.
وفي الحديث الآخر عن الإمام الباقر عليه السلام: إنما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه.
ومن خلال هذا نعرف أن المؤمن كلما ازداد إيمانه وكلما قرب من الله أكثر، عظم بلاؤه واشتد عليه، وقد ورد هذا المعنى عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنما المؤمن بمنزلة كفة الميزان، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه.
ومن هنا كانت دعوة الإمام الباقر عليه السلام للشخص الذي ادعى محبته بأن يستعد للبلاء، فقد جاء في الحديث ان رجلاً قال له والله إني لأحبكم أهل البيت فقال له عليه السلام: فاتخذ للبلاء جلبابا، فو الله إنه لأسرع إلى شيعتنا من السيل في الوادي .وذلك لأن محبة أهل البيت عليهم السلام من تمام الإيمان بالله والرسالة.
والمواقف الحق من البلاء معروفاً دينياً. وهو التسليم لامر الله والرضا بقضائه والحب لما يدبر في خلقه. ومن شعر بالاعتراض او التمرد او شعر بالأنانية، وهو ان في وسعة هو ازالة البلاء فهو مشرك ومنافق، ومن ثم فهو من الفاشلين في البلاء.
وعليه إن بعض منازل القرب من الله تعالى لا تنال إلا بالبلاء الشديد بل بأنواع خاصة من البلاء يكون من الصعب تحملها على الإنسان العادي بل تتطلب روحية عالية وقلباً صبوراً لا يهتز عند نزول المصائب، ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: إن في الجنة منزلة لا يبلغها عبد إلا بالابتلاء في جسده.
كما وأنَّ الشدائد لا تفعل شيئاً سوى الكشف عن ذلك الجوهر فحسب، كلا، ليس الأمر كذلك، إنه أرفع من ذلك، فالشّدائد والمصائب والبلايا تعمل أيضاً على تكامل الإنسان وتبديله وتغييره، إنها كالكيمياء التي تبدل المعدن من حال إلى حال، إنَّها بنّاءة، تخلق من الإنسان إنساناً آخر، وتحيلُ الضَّعيف قوياً، والوضيع رفيعاً، والفجَّ ناضجاً، إنها تنفي وتزيل الشّوائب والصّدأ، إنّها تثير وتحرك وتشحذ الذكاء وترهف المشاعر، وتزيل الوهن والتراخي. المصدر: محاضرات في الدين والاجتماع، ص263.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=123363
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 08 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18