• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تأملات في القران الكريم ح401 سورة  الحديد الشريفة .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تأملات في القران الكريم ح401 سورة  الحديد الشريفة

بسم الله الرحمن الرحيم

مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ{11}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ ) , ينفق ماله في سبيل الله تعالى , طلبا للثواب والعاقبة الحسنة , (  قَرْضاً حَسَناً ) , ثم يجب ان يحسّن ذلك القرض او المال المنفق بطريقين : 

  1. ان ينفقه في وجوه الخير , التي ترضي الله جل وعلا .
  2. ان يكون المال من الحلال .

(  فَيُضَاعِفَهُ لَهُ ) , فما يكون اجره الا ان يضاعفه له جل وعلا , (  وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) , مع المضاعفة يضاف لها اجر كريم . 

 

يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{12}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم ) , الذي يهديهم الى الجنة , (  بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم ) , حيث تؤتى صحائف الاعمال , (  بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ ) , وتأتيهم البشارة على اختلاف في الآراء حول القائل "المبشر" , (  جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) , والبشارة بدخول الجنة , (  خَالِدِينَ فِيهَا ) , لا يخرجون منها ابدا , (  ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) , لا فوز يضاهي ذلك الفوز .       

يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ{13}

تستمر الآية الكريمة (  يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا ) , حوار بين اهل النفاق واهل الايمان في ذلك اليوم , فيقول اهل النفاق للمؤمنين (  انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ ) , امهلونا او انظروا الينا او انتظرونا كي نقتبس من نوركم , فالظلام حالك ها هنا , (  قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ ) , فيرد عليهم بنحو من الاستهزاء بهم "ارجعوا الى الدنيا" , (  فَالْتَمِسُوا نُوراً ) , واطلبوا الحصول على ذلك النور بالأخلاق الفاضلة والاعمال الصالحة , فأنها مصدر النور في يوم القيامة , (  فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ ) , بينهم وبين المؤمنين بجدار "حائط" ,او بينهم وبين الجنة , (  لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ ) , الجهة الداخلية مما يلي الجنة , وهو للمؤمنين , (  وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ) , وهي الجهة الخارجية مما يلي النار , وهو للمنافقين .      

 

يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ{14}

تستمر الآية الكريمة (  يُنَادُونَهُمْ ) , أي المنافقين ينادون المؤمنين , (  أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ) , الم نكن معكم ايها المؤمنين على الطاعة , يردون بذلك موافقتهم على ظاهر الايمان , (  قَالُوا بَلَى ) , يجيب المؤمنون بالإيجاب , (  وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ ) , بالنفاق , (  وَتَرَبَّصْتُمْ ) , الدوائر بالمؤمنين , (  وَارْتَبْتُمْ ) , وشككتم بدين الاسلام , (  وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ ) , الاهواء والاطماع , (  حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ ) , الموت , (  وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) , الدنيا او الشيطان .  

 

فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{15}

تستمر الآية الكريمة (  فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ ) , فاليوم لا يقبل منكم ايها المنافقون عوضا "فداء" مقابل النجاة من عذاب الله , (  وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) , ولا تقبل الفدية ايضا من الكفار , (  مَأْوَاكُمُ النَّارُ ) , للمنافقين والكفار , (  هِيَ مَوْلَاكُمْ ) , اولى بكم , (  وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) , ساء وقبح مصيرا كهذا المصير .   

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ{16}

تضيف الآية الكريمة (  أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) , ألم يأتي او يحين وقت الخشوع لله تعالى , (  وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ) , القرآن , (  وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ ) , كاليهود والنصارى , (  فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ ) , الزمن , او طالت المدة بينهم وبين انبياءهم , (  فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ) , لم تلن او تخشع لله تعالى , (  وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) , خارجون عن دينهم , او خارجون عن الطاعة .     

اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{17}

تضمنت الآية الكريمة خطابا عاما للمؤمنين (  اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ) , بعد ان تموت الارض فتخلو من النبات , ويهلك الحيوان , او هو تعبير مجازي عن موت الارض بكثرة معاصي وذنوب سكانها , فيحييها الله تعالى بعودة المسيح عيسى بن مريم والمهدي المنتظر "عجل الله فرجه الشريف" , (  قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ) , اوضحنا لكم بيان دلائل قدرته جل وعلا , (  لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) , كي تتعظوا , او تكتمل عقولكم . 

إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ{18}

تقرر الآية الكريمة (  إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ ) , يختلف المفسرون في النص المبارك , فمنهم من يرى :  

  1. (  إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ ) : من التصدق بعد ادغام التاء بالصاد .
  2. (  إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ ) : او هم الذين صدقوا الله ورسوله , بتخفيف الصاد .

(  وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ) , وانفقوا في سبيل الله تعالى في الموارد المرضية وعن طيب نفس , (  يُضَاعَفُ لَهُمْ ) , لهم الاجر والثواب , (  وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ) , وزيادة فوق المضاعفة , وهي الجنة او منازل اعلى فيها .  

وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ{19}

تضيف الآية الكريمة (  وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ) , مبالغون في التصديق , (  وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ ) , على الامم السابقة , (  لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ) , اجرهم ونورهم محفوظ , (  وَالَّذِينَ كَفَرُوا ) , بالله تعالى ورسله , (  وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ) , وازدادوا على الكفر التكذيب بدلائل وحدانيته جل جلاله , (  أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) , هي مقرهم ومصيرهم .   

( عن الحكم بن عيينة قال لما قتل أمير المؤمنين عليه السلام الخوارج يوم النهروان قام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين طوبى لنا إذ شهدنا معك هذا الموقف وقتلنا معك هؤلاء الخوارج فقال أمير المؤمنين عليه السلام والذي فلق الحبة وبرئ النسمة لقد شهدنا في هذا الموقف اناس لم يخلق الله آبائهم ولا أجدادهم بعد فقال الرجل وكيف شهدنا قوم لم يخلقوا قال بل قوم يكونون في آخر الزمان يشركوننا فيما نحن فيه ويسلمون لنا فأولئك شركاؤنا فيه حقا حقا .    

عن الصادق عليه السلام قال إن الميت منكم على هذا الامر شهيد قيل وإن مات على فراشه قال إي والله وإن مات على فراشه حي عند ربه يرزق ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .

 

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ{20}

تضمنت الآية الكريمة خطابا عاما مباشرا (  اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) , ادركوا واعلموا علم يقين ان الحياة الدنيا : 

  1. (  لَعِبٌ ) : للابدان .
  2. (  وَلَهْوٌ ) : تلهو بها العقول او النفوس .
  3. (  وَزِينَةٌ ) : وتتزينون بما فيها من زينة , لملبس او مسكن او مركب ... الخ .
  4. (  وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ ) : كالأنساب او بما فيها من متاع .
  5. (  وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ) : وطلبا للزيادة في الاموال والاولاد .    

كل ذلك للدنيا فقط , حاله (  كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ) , كمثل مطر اعجب الزراع نباته , (  ثُمَّ يَهِيجُ ) , ييبس , (  فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ) , فيصفر لونه , (  ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً ) , لا فائدة فيه , او ترتجى منه بعد , ذلك كله تحقيرا لشأن الدنيا , حيث لا ديمومة لمتاعها , ولا استمرار , فالكافر فيها يتمسك بما يعجبه من مفاتنها , لكنها لا تدوم له , فسرعان ما تنقضي بهجتها ولذتها وتستحيل الى حطام , لا نفع فيه , اما المؤمن ان وقع على ما يعجبه فيها , انصرف بفكره الى قدرة الصانع , فتدبر وازداد ايمانا , (  وَفِي الْآخِرَةِ ) , ذاك عن حال الدنيا , اما عن حال الاخرة ففيها :     

  1. (  عَذَابٌ شَدِيدٌ ) : للكفار والمنافقين , وتضمن النص المبارك تنفيرا عن الانغماس في ملذات الدنيا , التي قد توجب الذل والهوان في الاخرة , وحثّ على طلب ما يوجب الكرامة فيها , وكل ما من شأنه ان يجنب العذاب الشديد . 
  2. (  وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ) : للمؤمنين , الذين آثروا الاخرة على الدنيا , وفعلوا كل ما يوجب نوال المغفرة والرضوان , زرعوا في الدنيا , فكان الحصاد في الاخرة .    

(  وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) , لمن طلبها وانغمس في ملذاتها مؤثرا اياها على الاخرة الا متاع قليل , لا ديمومة له ولا استمرار , ولا سلامة ولا يخلو من المنغصات , يخدع الطالب , فيغتر به . 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=123497
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 08 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29