• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التنوع التعبيري في القرآن الكريم وأثره في إبراز المعاني/ 3 دعاء نبي الله إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) أنموذجا" .
                          • الكاتب : الشيخ علي العبادي .

التنوع التعبيري في القرآن الكريم وأثره في إبراز المعاني/ 3 دعاء نبي الله إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) أنموذجا"

بسم الله الرحمن الرحيم

التعريف والتنكير :
__________
    ذكرنا في مقالة سابقة أن في سلام نبي الله إبراهيم الخليل ( عليه السلام ) مزية دل عليها الرفع في قوله تعالى:
{ وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ } هود69.
وقد بينا ذلك مفصلا"_ يمكن الرجوع إلى البحث على الرابط التالي _ .

http://www.alnoor.se/article.asp?id=132926
    وهنا نذكر مزية أخرى وهي أن هذا السلام فضلا" عن كونه مرفوعا" فقد جاء نكرة" أيضا". وفي التنكير دلالة على أنه موصوف بوصف محذوف تقديره سلام تام عليكم ، أو سلام كامل عليكم . وفيه تمام المبالغة من قبل الخليل ( عليه السلام ) باحترامه ضيوفه.
    يقول فخر الدين الرازي في التفسير الكبير عند تصديه لهذا الموضوع وللكلام المحذوف وتقديره:
 ( سلام كامل تام عليكم ). ومجيئه بهذا الأسلوب كما يراه أيضا" ( أفضل من التعريف لأنه يفيد الكمال والمبالغة والتمام، وأما لفظة ( السلام ) أي بالتعريف فلا تفيد إلا الماهية ) (1).
    بينما يرى الطبرسي أن أكثر ما يستعمل السلام بغير الألف واللام وذلك لأنه بمعنى الدعاء، كما يقال: خير بين يديك ومعناه: الخير بين يديك.واستجيز الابتداء به مع أنه نكرة وذلك لأنه في معنى المنصوب. كما يرى أيضا" بأن من العرب من يقول: سلام عليكم بالتنوين وبلا تنوين، وعلل ذلك بوجهين:
( أحدهما: أنه حذف الزيادة من الكلمة..... والأخر: أنه لما كثر استعمال هذه الكلمة، وفيه الألف واللام حذفا منه لكثرة الاستعمال ) ( 2 )
    أما السيد محمد حسين الطبأطبائي صاحب الميزان (قدس سره) فيقول:
( والسلام الواقع في تحية إبراهيم ( عليه السلام ) نكرة، و وقوعه في مقام التحية دليل على أن المراد منه الجنس. وأن له وصفا" محذوفا" للتفخيم ومزيد التكريم ) ( 3 ).
    لذا فان أسلوب التنكير هذا في تحية الخليل ( عليه السلام ) كان له غاية وهو زيادة التكريم والاحترام منه إلى ضيفيه عليهم السلام أجمعين.
    ومما وقف عنه الأعلام طويلا" في موضوع التعريف والتنكير في أدعية النبي الخليل ( عليه السلام )  في مجيء لفظة ( بلدا") مرة بالتنكير وأخري بالتعريف. ففي قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ }  البقرة126 جاءت نكرة.وأما في قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ } إبراهيم35 فقد جاءت معرفة. إذ تساءلوا عن سبب ذلك الاختلاف في التعبير بين النكير والتعريف. وذكروا لذلك عدة إجابات منها:
أولا": ما ذكره الطبرسي أبو علي الفضل بن الحسن في مجمع البيان لعلوم القرآن:
( وإنما قال هناك (بلدا" آمنا" ) وقال هنا ( هذا البلد آمنا" ) معرفا" لان النكرة إذا تكررت وأعيدت صارت معرفة ) (4). وهذا الأمر ممكن كما في قوله تعالى: { كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً }  المزمل15-16.
غير أن هذا الوجه من التفسير قد لايقبل بحجة أن التعبير هنا مقولا" في جملة واحدة، لا مرتين كما في بحثنا.
ثانيا": ما ذكره الأندلسي في كتابه تفسير البحر المحيط حيث قال:
( وأجعل هنا _ بمعنى _ صير ، وصورتها أمرا". وهو طلب ورغبة. وهذا إشارة إلى الوادي الذي دعا لأهله الذي أسكنهم فيه، وهو قوله تعالى: { رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ } إبراهيم37. أو المكان الذي صار بلدا"ذلك نكرة.لذلك قال( بلدا" آمنا" ). وحين صار بلدا" قال: ( هذا البلد ) ( 5 ).
    وهذا رأي حسن وفيه إشارة إلى أن المحكي دعاءان في زمنين مختلفين. إذ بعدما أسكن الخليل ( عليه السلام ) ولده إسماعيل ( عليه السلام ) وأمه أرض مكة ورجع إلى فلسطين، ثم عاد إليهما ولما وجد إقبال جرهم عليهم والاعتناء بهم دعا لهم الله تعالى  بالأمان ورزق الثمرات ، فقال ( رب أجعل هذا بلدا" آمنا" وأرزق أهله من الثمرات ) حيث لم يكن بعد ما يصدق عليه كونه بلدا". وبعد ما صار كذلك، أي بلدا" مأهولا" بالسكان دعا له الخليل ( عليه السلام ) بأن يكون هذا البلد آمنا" بقوله تعالى: ( رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً ).حيث دعا بهذا الدعاء بعد بنائه الكعبة المشرفة.
    وقد أستظهر صاحب الميزان هذا وأكده بدلالة الاختلاف في غير هذه الجهة. ففي سورة البقرة كان الدعاء بالرزق من الثمرات. وفي سورة إبراهيم كان الدعاء لذريته خاصة.(6 ).
    وهذا الرأي الأخير هو الأنسب بالمقام .والله تعالى هو العالم بحقيقة الأمور. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه الكريم وآله أجمعين وجميع الأنبياء والمرسلين.

(1) التفسير الكبير لفخر الدين الرازي18\23.         (2) مجمع البيان : 5 \335.                                 (3) تفسير الميزان:10\332.                            (4)  مجمع البيان : 6 \ 93.
(5) تفسير المحيط للأندلسي:1\554.                   (6) ينظر الميزان :12\69.


 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=12362
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 12 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18