• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : ألفرانكفورتر The Frankfurter .
                          • الكاتب : علي البدر .

ألفرانكفورتر The Frankfurter

إلتَقَيتُهُ صُدْفة. مُقيمٌ منذ سنوات. كلام ساحر يجبرك على الإستماع. ماهر باستعمال الشوكة والسكين.. "رجاءً. تسمحيلي..". مُقدَّمةٌ مهذبةٌ متعارفٌ عليها، يِطلب بها حاجاته. وقف أمامي، بدلة وحذاء منسجم وربطة عنق جميلة. مددت يدي بجيب معطفي. رفض بإصرار. سحب محفظته وعدّ بعض الأوراق النقدية. أشار لي بيده. فكرة مقبولة أن نسير وسط مئات الناس في مدينة تزدحم بالأجانب. نهضتُ محاولاً الخروج. صوت رقيق خلفي أوقفني. غريبة! وضعت محفظتي في جيبي ثانية. كان بانتظاري. "متعود أنا الأكل هنا. ماكدونالد له نكهة خاصة. أنتم في العراق تتزاحمون لدفع الحساب. نحن هنا، الشخص يدفع حسابه فقط. لا مجال للكرم.". صَخَبٌ في كل مكان . أقدامٌ متسارعةٌ وعيونٌ شاردةٌ. ألكلُّ مشغول بنفسه. شاب يحتضن فتاةً متكئاً على جدار أثري. رجل يمسك قنينة خمرٍ يفترش الأرض. ,اخر يعزف على أوتار كيتار يستجدي المارة. سلالم ممتدة. شباب جالسون على جانبها. أذرع بيضاء يكسوها شعر أصفر ناعم. شاب يغرس حقنة مورفين. الكل ينتظر دوره. سيارة بيضاء تتوقف. شرطيٌّ ينزل. يفتح صندوقاً. حُقَنٌ بلاستيكية تتوزع. يغادر. لماذا؟ سألت باستغراب. "خوفاً من الإيدز!. حقوق الإنسان هنا محترمة.".

لوّح لي بيده. سنلتقي غداً. صالة ممتدة و حقائبٌ توزَن، وثائقٌ تُختَم وانتظارٌ مُمِلٌ. سيكارة إثر أخرى. نَفَسٌ عميقٌ وحزمة رماد تطول. ينهض من مكانه . يسير عدة خطوات. يَنكُتُ سيكارته، يتلاشى الرماد. يقوم ثانية وثالثة. سيكارة أخرى. تكرار متواصل. سلوك حضاري. عراقي ملتزم . نداءٌ يتكرر. طبقات من الغيوم تحتنا تتسارع. أحزمةُ أمانٍ تُربَطُ ثانية. أحزمة ناقلة وعيون شاخصة وحقائب تدور. تأخَّرَتْ حقيبتُه. تغير مزاجه. طار صوابَه. إمتص نَفَساً عميقاً توهج رمادُها. كاد أن يسقط. زمَ شفتيه .سحب سيكارته بانفعال. رماها أرضاَ، داسها بضجر وفركها تحت حذاءه. تناول حقيبته وهم بالخروج. مَسَكْتُ يده، ضغطتها بانفعال. التقت نظراتنا. "لماذا؟ لماذا؟". حدَّق في وجهي. شَرَرٌ يتطاير من عينيه. نظرَ إليًّ باستعلاء ساحباً عربته. توقَّفَ قليلاً واستدارَ نحوي وبصوت فظ، ردّ متهكماً. "نَحنُ في بغدادَ يا أستاذ. نحن في بغداد يا استاذ.". لملمتُ حقائبي. لحظةُ صَمْتٍ سادَت. جَمَعْتُ شتات أفكاري. نسيماتُ هواءٍ عَذبٍ دخلت رئتَيَّ ولحظاتُ أمانٍ أحاطتني. نجومٌ مُتلألِئةٌ وهاجِسُ فرحَةٍ عامرةٍ رتَّلَتْ على أثرها شفتاي. نحن في بغدادَ. نحن في بغداد.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=123973
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 08 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19