يرى مراقبون للشأن الإقليمي أن الوضع السياسي المرتبك ألان في العراق أحد أسبابه المهمة ؛ التدخلات الخارجية التي تنفس أزماتها الداخلية فيه .
ويضرب المحللون مثلاً بإيران والسعودية وسوريا- قبل إن يضربها نسيم الربيع العربي – المثالان الأولان جديران بالاهتمام .
فإيران تتحكم عبر منظومة واسعة من المصالح والقوى ووسائل الإعلام في جزء كبير من المشهد السياسي العراقي وتدفع الى حيث ترى أن مصالحها هناك .
تتقن طهران اللعبة وتحترف اللعب على الرقعة العراقية أكثر من أي بلد مجاور للعراق؛ يخدمها التنوع الطائفي الذي أعتمد كحجر زاوية في رسم ملامح –العراق الأمريكي – كما يطلق عليه حسن العلوي .
أما المملكة فالورقة الوحيدة التي بيدها في العراق ؛ ممزقة مشتتة فاقدة في أحسن حالاتها لبوصلة تحديد المصالح – وسط "سني" منقسم موزع بين أصولية دينية يقودها –تيار ديني متشدد مثل القاعدة والحزب الإسلامي وإتباعه وحلفائه – وقوى قومية يقودها حزب البعث وما شابهه والاخيرون يضمرون حقداً ستراتيجياَ تجاه المملكة .
الدور السعودي في العراق أضعف بكثير مما تصوره وسائل أعلام عراقية –حكومية أو إيرانية الهوى - ؛ لكنه كان مؤثراً الى حد ما في حشد موقف عربي ضد العراق .
فالسعودية كانت قادرة على التحكم بما يسمى نظام الاعتدال العربي قبل إن تهب عواصف الربيع العربي الفجائية والتي فرطت عقد هذا النظام .
لتقف المملكة وحيدة بعد اختفاء حلفائها في مواجهة أخطار محدقة داخلية وخارجية تتمثل في الدرجة الأساس بالنفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة وتنمر قطر لقيادة المشروع الأمريكي في المنطقة .
حاولت المملكة الاستفادة من الثورة السورية والإمساك بخيط جديد للعبة "لتقليم أظافر النظام الإيراني " الذي اعتقدت أنه سيعيد توازن القوى في الإقليم ؛ وسيمنح السعودية فرصة اكبر لالتقاط الأنفاس .
بيد أن ظهور العراق كطرف في الساحة العربية جعل من الموقف السعودي في خضم مواجهة أخرى لم تكن تتوقعها المملكة .
السعودية في وضع لا تحسد عليه فهي غير قادرة على أعادة اصطفاف عربي ضد ايران وحليفها الأسد والعراق في آن واحد كما في السابق .
مبادرة المالكي التي يبدو أنها استطاعت تجاوز العقبات السعودية والقطرية والشروع بنزع فتيل أزمة ؛ مؤشر خطر دق في الرياض من احتمال انبعاث دور عراقي متصاعد في ظل عدم تكافؤ موازين القوى الإقليمية ، وتقلص حجج الاستمرار في عزل العراق عن محيطه العربي ومنعه من لعب دور يناسب حجمه وتأثيره في المنطقة العربية .
قد تكون دعوة الملك عبد الله الأخيرة دول مجلس التعاون الخليجي الى الاتحاد ضربة استباقية لأي دور عراقي محتمل في هذه المنطقة ، ولحماية النفوذ السعودي في هذه المنطقة الحيوية.
يمكن قراءة الدعوة السعودية بأنها رغبة متجددة في الاستمرار في عزل العراق "حليف ايران " عن أداء دوره ولعب أوراق تجعل السعودية حائرة أو على الأقل مرتبكة ، مثلما فعل العراق في الموقف من سوريا .
|