• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ثورة الإمام الحسين (ع) ومسار المواجهة ماضياً وحاضراً .
                          • الكاتب : امير البصري .

ثورة الإمام الحسين (ع) ومسار المواجهة ماضياً وحاضراً

في ذكرى عاشوراء ثورة الإمام الحسين عليه السلام سيتركز حديثي في ثلاثة موضوعات مترابطة. الموضوع الأول: يجيب على سؤال أين تقع ثورة الإمام الحسين (ع) في الإسلام. الموضوع الثاني: يجيب عن الموقف من مؤامرة الغرب الاستعماري في تاريخنا الحديث ضد الإسلام وأمة الإسلام. الموضوع الثالث: يجيب عن الموقف من المؤامرة الحالية على العراق كجزء أساسي وتصعيد جديد لمؤامرة الغرب الاستعماري والأمريكي منه تحديداً.
ومناسبة الحديث عن المؤامرتين في ذكرى عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام ذلك لأن ثورة الإمام الحسين (ع) تعلمنا وتمنحنا وتقدّم لنا الموقف الثوري الإصلاحي إزاء أية مؤامرة على رسالة الإسلام وأمة الإسلام.
الموضوع الأول: رسالية الثورة، شرعية الثورة، إسلامية الثورة.
الإمام الحسين (ع) هو خامس أهل البيت، أهل الكساء، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بالنص القرآني والسنة النبوية، والحسين هو الإمام الثالث المعصوم من الأئمة المعصومين الاثني عشر خلفاء النبي (ص) طبقاً للتبليغ القرآني والنصوص النبوية، بل صرّح النبي بإمامته وأخيه الحسن المجتبى (ع) «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا» أي في كل الظروف السياسية.
ولتأكيد شرعية ثورة الإمام الحسين (ع) وكونها صادرة عن الإسلام ورسوله جاء تصريح النبي (ص) وتوكيده بطريقة لا يضاهيها توكيد وبيان عندما قال «حسينُ مني وأنا من حسين». هذا أولاً، وثانياً: ثورة الإمام الحسين (ع) تمثل احدى الضرورات المطلوبة للفاعليات السياسية في مدرسة أهل البيت (ع)، أي ان القيام للثورة التغييرية الشاملة سيفرض نتائجها بالانتصار أو بالدم (أي بالآثار المترتبة عليها تاريخياً ـ في التغيير السياسي والاجتماعي والثقافي)، هذه الثورة أمر مطلوب وتمثل ضرورة تاريخية في مدرسة أهل البيت الحضارية المتكاملة من الناحية السياسية أيضاً.
وإذا أردنا أن ندخل في شرح وتفاصيل هذه الحقيقة والفكرة وبتركيز واختصار نستعين بالتاريخ السياسي للمراحل والمواقف والأدوار التي مرت بها هذه المدرسة الحضارية المتكاملة. مرت مسيرة الاسلام الأولى في مكة المكرمة أولاً بمرحلة الدعوة والتبليغ ثم مرحلة بناء الكيان الاسلامي في المدينة المنورة، والمرحلتان بقيادة الرسول النبي (ص)، وتالياً بعد وفاة الرسول (ص) في مرحلة الخلفاء الثلاثة فُرضت مرحلة المراقبة لحفظ الكيان والاشراف على عدم حرف مسيرة الاسلام عموماً في ظل قيادة أمير المؤمنين علي (ع)، ثم مرحلة الحكم والإمامة السياسية التنفيذية المباشرة، كذلك بقيادة أمير المؤمنين علي (ع)، ثم مرت بمرحلة قصيرة هي مرحلة الهدنة والصُلح بين الإمام الحسن المجتبى (ع) ومعاوية بن أبي سفيان، ثم أعقبت ذلك مباشرة سيطرة الانحراف الأموي الذي عمل وخطط لحرف الإسلام ورسالته عن حياة الناس بشراء الذمم والضمائر وتخريبها وقتل روح المقاومة في الأمة واستعبادها وإذلالها وهضم حقوقها، لتجيء مرحلة ثورة الإمام الحسين (ع) وتفتح نافذة الأمل والخلاص والحرية، لم تنتصر عسكرياً، ولكنها انتصرت بآثارها المترتبة عليها وفتحت المجال واسعاً لتوالي الثورات والانتفاضات.
وفي مرحلة الانحسار السياسي المباشر للأئمة عليهم السلام بعد استشهاد الحسين (ع) والتضييق والقهر السياسي الذي واجهه أئمة أهل البيت منذ الإمام زين العابدين عليه السلام وحتى عصر الغيبة، مارسوا الدور العلمي والتثقيفي والتربوي والاجتماعي للاسلام.
إذاً فخلاصة موضوعنا الأول تركز أولاً: على شرعية واسلامية ثورة الإمام الحسين عليه السلام، وثانياً: كون ثورة الإمام الحسين (ع) جزءاً ومرحلة وضرورة تاريخية ومثالاً وقدوة في مدرسة الإسلام السياسي الحضاري المتكاملة (مدرسة أهل البيت (ع)) ذات الأدوار السياسية التي يفرضها الواقع التاريخي الآني لهذه المرحلة أو تلك. وقد مرّت بنا وكانت: 1 ـ مرحلة الدعوة والتبليغ 2 ـ مرحلة بناء الكيان 3 ـ مرحلة الاشراف والمراقبة لحفظ الكيان 4 ـ مرحلة الممارسة الفعلية المباشرة للإمامة والحكم 5 ـ مرحلة الصلح والهدنة مع خط الانحراف 6 ـ مرحلة الثورة التغييرية الشاملة 7 ـ مرحلة الانحسار السياسي والاقتصار على الدور الثقافي والاجتماعي.

الموضوع الثاني: يتعلق بمؤامرة الغرب الاستعماري على الدين الاسلامي في تاريخنا الحديث وتشويه عقيدة المسلمين (بالله ورسوله واليوم الآخر والشريعة والأخلاق) التي تمثل قوتهم والعقبة الأساسية الكأداء أمامهم لاستعمار بلاد المسلمين...
فمنذ القرنين الماضيين عمد الى خلق مذاهب وأديان جديدة نشأت تحت رعاية الاستعمار الروسي والانجليزي واليهودية العالمية مستغلاً الجهل ومواطن الضعف في بعض معتقدات المذاهب الاسلامية فنشأت البهائية والبابية من رحم الفرقة الشيخية الإمامية الاثني عشرية صاحبة الغلو والتناسخ والحلول في مقولات الشيخ أحمد الإحسائي المتوفى 1246هـ / 1844م وكان من تلامذته كاظم الرشتي وقيل عنه شخص مجهول وقيل قس نصراني خلف الاحسائي في مقولاته ومن هذين الجذرين، الشيخية والرشتية نشأت البابية والبهائية صاحبتا المقولات الكفرية والحلول والتناسخ وادعاء المهدوية وتشريعهم الإباحية الأخلاقية، وقد حوربتا في ايران من قبل علماء الدين الشيعة والشعب الإيراني خلفهم والدولة الايرانية ما أدى الى اجتثاثهم من ايران وانتشارهم بعد ذلك في مصر واسرائيل وأمريكا اللاتينية والهند وباكستان.. ومركزهم في حيفا في اسرائيل ويحظون بالرعاية فيها.
وبرعاية الانجليز أيضاً نشأت الفرقة القاديانية أو الأحمدية في أوائل القرن الرابع عشر الهجري منتصف القرن التاسع عشر الميلادي في أرض قاديان في شبه جزيرة الهند على يد ميرزا غلام أحمد القادياني، وكانت نشأتها رداً على مقاومة المسلمين للاستعمار الانجليزي فوجدوا ضالتهم في هذا الشخص ليؤسس لهم ديانة جديدة ساعدهم على ذلك انتشار الجهل وادعى أخيراً انه المسيح الموعود ثم ادعى النبوة وأخيراً مات بالكوليرا، وحاربه علماء الدين السنة في الهند ولكن الانجليز تبنوا انتشار دعوته ولهم مراكز في باكستان ويؤمنون بالتناسخ والحلول والغاء الجهاد واستمرار الوحي والنبوة وألغوا تعاليم ومناسك الاسلام وغيروها. فالحج عندهم الى قاديان، ولهم علاقات قوية ببريطانيا واسرائيل.
وقد تحولت هذه الأديان المبتدعة بتأثير الاستعمار الغربي أي البابية والبهائية والقاديانية الى أديان شبه ميتة لا تأثير لها في حراك اتباعهم الاجتماعي والسياسي.
ولكن النجاح الأكبر الذي حققه الانجليز والاستعمار الغربي هو باستغلال الحركة الوهابية في الحجاز وربما كان لهم دور في نشأتها وصولاً لتحقيق مآربهم الاستعمارية في عموم بلاد العرب والمسلمين منذ القرن الثامن عشر الميلادي والى هذا اليوم. انطلقت هذه الحركة على يد محمد بن عبد الوهاب من أرض نجد والذي تبنى فكر ابن تيمية وأضاف إليه فكره التكفيري لكافة المسلمين معتبراً إياهم على غير التوحيد الخالص المبرئ من الشرك، وتخالف سياسياً مع محمد آل سعود بن مقرن أمير إمارة الدرعية الذي كانت أحلامه وحروبه ينقصها التأييد الديني، وتمت الصفقة السياسية الدينية بينهما وفرضت الوهابية بالقوة وانتشرت بالسيف... ورغم انحسارها بحرب محمد علي باشا والى مصر إلا انها عادت بعد اكتشاف النفط وتأييد الاستعمار الانجليزي وصارت تحت رعايتهم واستخدموها لضرب حركات الاستقلال والتحرر العربي ولصالح اسرائيل وصولاً الى تحالفها الكبير الواسع مع أمريكا ضد روسيا في تأسيس جماعات القاعدة، وطالبان في أفغانستان، وأخيراً كل حركات التكفير والقتل كبوكو حرام والنصرة وغيرهما، وأخيراً داعش، واتضح للقاصي والداني دورهم التخريبي في كل بلدان العرب والمسلمين ودورهم في أحداث 11 سبتمبر لاحتلال أفغانستان والعراق، وفي الربيع العربي وأخيراً فضائحم واجرامهم في اليمن. هذا من جانب، ومن جانب آخر تلاحظ الخدمات التي قدموها والأموال التي ضخوها والأهداف التي حققوها للانجليز وللأمريكان واسرائيل والغرب عموماً.
ننتهي إذاً إلى النتائج التالية:
1 ـ إن الاستعمار الغربي والأمريكي حالياً لم ولن يترك بلادنا ومنطقتنا دون استعمارها ودون تشويه دينها المرتكز الأساسي لقوتها. وآخر أهدافه تخريبها وتقطيع أوصالها لصالح اسرائيل.
2 ـ إن الجهل وعدم الوعي لدى المسلمين يعد العامل الأساسي لنفوذ الاستعمار الغربي وتنفيذ مخططاته.
3 ـ إن عدم اضطلاع علماء الأمة الواعين ومثقفيها وأصحاب الرأي والتأثير فيها بمسؤوليتهم التاريخية والوطنية والدينية والانسانية فسحت المجال كثيراً لهؤلاء الأعداء في تحقيق مآربهم.

الموضوع الثالث: المؤامرة على العراق والتصعيد الأمريكي الجديد فيه، وبالمناسبة لم تعد القضية مؤامرة من الجانب الأمريكي يخشون التصريح بها واعلانها، وربما تسميتنا لها بالمؤامرة منذ اليوم الأول خطأ من جانبنا إذ ان مسار مواجهتهم لنا للسيطرة والهيمنة والابتزاز هو أمر ومسلك طبيعي بالنسبة لهم، فالوحش لا يمكن أن تتهمه بالتوحش والافتراس (تلاحظ لتأكيد هذه الحقيقة تصريحات ترامب في الابتزاز المالي للسعودية وتصريحات هيلاري كلينتون في انشاء القاعدة وداعش من قبلهم).
العراق منذ التغيير في العام 2003 والى اليوم يتعرض لفوضى سياسية واجتماعية وصراعات طائفية ومذهبية وقومية ومجتمعية بين العشائر ونقص كبير في الخدمات الحياتية الضرورية وأهمها الكهرباء والماء والخدمات الصحية وتفشي البطالة لانعدام المشاريع الصناعية والزراعية والاستثمارات المختلفة ولأن العملية السياسية في العراق فصلت لنا على مقاس المثل العراقي «تريد أرنب خذ أرنب، تريد غزال خذ أرنب» أي فصلت لابقاء الفوضى السياسية وصراع التكتلات وطغيان المصالح والفساد.
ومن جانب آخر ضربت فينا منذ التغيير أيضاً معالم الفوضى والفتنة والجهل والمال الخارجي لتشويه معالم الدين والشعائر الحسينية والأفكار والعقائد الدخيلة والإلحاد وادعاءات المهدوية ما أضر بمصداقية الدين والتشيع وثورة الإمام الحسين (ع) في ساحة شبابنا العراقي بشكل خاص. الأمر الذي يستدعي منا مواجهة حسينية حقيقية للتصحيح. والحقيقة انه كان لنا قصور وتقصير واضحين في الماضي والحاضر في هذه المواجهة ولم نمتلك سبل الوعي الكافي لآثارها المستقبلية.
غير أن الأمر الجديد والذي يُنذر بالخطر ما حدث ويحدث في البصرة من تداعيات تشكيل الحكومة التي يريدونها هذه المرة ليس حكومات صراعات وفوضى وتعطيل ـ كما حصل في السابق ـ وانما حكومة عميلة مباشرة لهم، تنفذ المطلوب منها، وحيث تعمل سفارتهم وقنصليتهم في البصرة، ويشعلون الحريق والفتنة على طريقة الربيع العربي بصواريخ (الذباب الألكتروني) الأمريكي والاسرائيلي والسعودي في (السوشيال ميديا) وتأخذ (العراق ـ الحرة) دور الجزيرة في حريق سورية في سباق الوصول الى عقول الشباب... ولندرك حجم الخطر فان واحداً من مواقعهم (يالا شباب) تمتلك اتصالات مع ثلاثة ملايين شاب عراقي.
إن ما يجري في العراق جزء من عمل شاق ودؤوب ومتواصل لهم للسيطرة على المنطقة.
وليتحقق هذا الأمر والهدف الكبير، كانوا وما زالوا يخططون لضربنا من الداخل... في العالم الاسلامي السني وجدوا ضالتهم ـ ومنذ قرنين ـ في الوهابية التي تكفر المسلمين وتفتي بقتلهم لأدنى الشبهات، واعتمدوها كثيراً في تنفيذ عامة مخططاتهم منذ القضاء على الدولة العثمانية وتفتيتها... وصولاً لداعش وفضائح اليمن. وفي العالم الإسلامي الشيعي فشلت مؤامراتهم في القرن الماضي في خلق (البابية والبهائية) لمحاربة علماء الدين الشيعة والشعب الايراني لهم وتحولتا الى ديانتين ميتتين، غير أنهم اليوم يحاولون ومن خلال التوازي مع مشروعهم السياسي السيطرة على المنطقة وتفتيتها، ومن خلال الداخل الاعتقادي الشيعي استغلال (الشعائر الحسينية) وأفكار (عقيدة الإمام المهدي) ومقولات الغلو والمغالاة في أئمة أهل البيت عليهم السلام وسب الصحابة وبعض أمهات المؤمنين، في ساحة الفوضى السياسية والاجتماعية العراقية ليعمدوا الى تشويه الإسلام والتشيع ولصق كل ما هو مهين وشائن وسخيف ومغال ومقزز فيهما لينفّروا جماهير شباب الشيعة بشكل خاص من الدين والاسلام كما أثروا في جماهير السنة وتنفيرهم من الدين الوهابي القائم على الاقصاء والتكفير والقتل. ومن جانب آخر ليثيروا ساحة الإسلام السني لتأجيج الصراع والاقتتال الطائفي بين السنّة والشيعة، واعتمدوا لذلك مختلف الأساليب التحريضية وتبني فضائيات عديدة لهذا الغرض.
ومن هنا يتبين لنا وبشكل واضح لا يقبل التأويل والتفسير ان مسارنا الاجتماعي والسياسي والثقافي في مجمل حياة أمتنا وشعوبنا ـ في عصرنا الحاضر ـ تتحكم فيه عملية الصراع هذه الأساسية المركزية مع الاستعمار الغربي و ـ الأمريكي، والذي يسعى للسيطرة على العالم ويستقطبه هدفان رئيسيان: وجود وتمكين اسرائيل، وموارد الطاقة الغنية في منطقتنا.
ولا شك ان استراتيجيته هذه للسيطرة تخطط دائماً وأبداً لإضعاف دينها وتشويهه وحرفه عن مقاصده ليفقد مكانته وقدرته ومصداقيته في البناء والمواجهة مع الذات والآخر، فيضيع الناس عندنا ويدخلون في عالم المتاهة والتشكيك والضياع وحتى الإلحاد والعلاقات الاجتماعية المفككة وشيوع المخدرات والإباحية الجنسية وغيرها من اسقاطات الحياة والحضارة الغربية ـ الأمريكية.
ألا يمكن أن تشبه هذه الحياة والحضارة دين الدجال الذي حذرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منه ومن تأثيراته في آخر الزمان؟
وحيث تتوالى تأثيرات هذا الدجّال قوة واتساعاً وشراسة سياسياً وثقافياً واجتماعياً وأخلاقياً، ألا يستدعي الأمر منا مواجهة حسينية ثورية للإصلاح السياسي والثقافي والاجتماعي والأخلاقي؟!




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=125127
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 09 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19