• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : البراءة سلاح الطفولة .
                          • الكاتب : مروة محمد كاظم .

البراءة سلاح الطفولة

رحتُ انفضُ الغبارَ عن كتيباتٍ صغيرةٍ قد دثرها الزمنُ تحت طواميرِهِ الظلماء، لأفتّشَ عن رحلة الغرباء ، فأومأت الكلماتُ المنكسرةُ بحزنها أن يامدادُ افصح عن تلكمُ الليالي التي ترددت فيها حُزمةُ الأصداء، وأيُّ أصداء؟! أصداءُ البراءةِ المذبوحةِ والمذعورةِ من سطوة الأعداء..
راح قلمي المقطوطُ يلامسُ تلكَ الأسطر الحزينة ذات الخطوط السوداء وكأنّها حدودٌ قد أُحظِرَ على الزمنِ المغلوبِ على أمرهِ أن تلتمسها أقلامُهُ أو أنامُلهُ ، تحاكي جروحًا نازفاتٍ مندملةٍ من كِعابِ رماحِ بني أميةَ أبناء الطلقاء..
تفرّسَ مدادي في ثُلّةٍ من الأطفال والنساء كانوا يركضون من خباءٍ إلى خباء، وهنالك غلامٌ هزيلٌ عليلٌ ينادي فرّوا في البيداء..
وأي بيداءٍ هذه التي يراها مدادي كأنها صحراء سيناء، فقد ابتلعت أطفال الرسالة بمهيعها و أصبحوا فيها غرباء..
ضاع محمد وإبراهيم ولدا مسلم !! ياللرزية! 
لا أثرَ يبقى في الصحراء المتموّجة كتموّج البحار حتى يُقتَصُّ أثرَهُما..
وقفت أختُهما حميدةُ تنتظرُ يدًا أخرى تمسحُ على رأسها ، تتأمّلُ على تلّةِ انتظاراتها كخالتِها زينب بنت علي (عليهما السلام) ، وصدًى يدوي في قلبها الصغير الذي أصبح مرتعًا لليُتم والأحزان والحرمان، وكأنّها تقول:
- يا أخوايَ الصغيرانِ لاتبتعدا كثيرًا واتركا اثرًا أينما تذهبا فاختكما حميدة قد ذاب قلبها شوقًا إليكما، سأخبركما شيئًا أنّ أمي قد مسّها الحزنُ كيعقوبَ ، يايوسفايَ ارجعا...
كأنّ هنالك صدًى يرجع إليها يتأرجح بين ثنيات التلال حاملًا على ظهرِهِ صوتَ براءتِهما قائلًا :
- حبيبتُنا حميدةُ ، إنّنا غريبان متسكعان في أزقة الكوفة قد ضللنا الطريق ومحظورة علينا الحياة كأبينا مسلم بن عقيل فلاتعجبي من غيابنا، واعلمي أننا مازلنا عطاشى .. ولكن أخبرينا كيف حال العيال؟ 
- آه، يا أخوايَ الصغيران ، لقد حدّت سنابك الخيل أنيابها علينا لافرقَ بينها وبينَ بني أمية، فقد سحقوا بخيلهم الأعوجية مهدَ الصغير وشيبة الكبير، سحقوا بخيلهم اختكما عاتكة واصبحت ليالي أمها حالكة..
لقد سحقوا بخيلهم بنات الحسن ام الحسينِ وأم الحسن..
لقد ماتا عطشًا وخوفًا سعد وعقيل ولدا عمنا عبد الرحمن بن عقيل ، وجدتهما خالتنا زينب الكبرى متعانقين نائمين يحلمانِ بقطرةِ ماءٍ قبل أن يرحلا إلى عالم الملكوت سُقيا من كأس جدنا الأوفى إن شاء الله..
ألا اخبرتكما عن رضيع عمي الحسين كان مكتوف اليدين ملفوفٌ بالقماطِ و جميل الوجنتين ، قد سقوه القوم يوم الطف سهمًا في الودجين..
تعب قلبي يا أخواي، فكثيرٌ مات منا و على رزايانا حُمدنا، وجثت في مصرع الأهل سماءٌ تحمل زفرات الأنبياء ..
- حميدةُ لا تبالي، نحن دومًا في الأعالي ، جدنا المختار طه ؛ و لأنّا وُلدُ طُهرٍ ؛ ولأنّ العلم منا ؛ ولأنّا من عليٍّ والبتولِ ؛ ولأنّ الله أوصى فينا كلّ نبيّ ورسولِ ، وكل كتب الله تشهد ، أنّ جدنا طه محمد ، و أنّ عليّا درةٌ مصفاةٌ وعسجد .. 
ثم تهدّج الصدى و اضطربَ قلبُ حميدة وهي تقول:
- حبيباي صوتكما أصبح متقطعًا وفوارز الترقيم ونقاطها قد كثرت ، اخبراني ماذا حصل؟!
بدأت تسمع نشيج روحين ملعقتينِ ونحيبهما وهمهمتهما بين الأرض والسماء، وأقدامٌ ترفسُ تضرب الأرض كمن يتنفسُ الصعداء إيذانًا بالبراءة المذبوحة...




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=125877
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 10 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16