• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : المرجعية الدينية العليا وظاهرة النزاعات العشائرية .
                          • الكاتب : حسين فرحان .

المرجعية الدينية العليا وظاهرة النزاعات العشائرية

 سلسلة متصلة من الآباء تنتهي إلى آدم عليه السلام، ربما هو التعريف الملائم لمفردة النسب الذي دأبت بعض الأقوام على الاعتناء بحفظه عبر التدوين والتوثيق، بل عمدت بعضها الى جعله في مشجرات كبيرة معروفة للدلالة على جزء منه وسط تفرعات كثيرة تزداد بزيادة أعداد الناس مع تقدم الزمن، لتنبثق عن المشجرات فروع تحمل أوراقا جديدة.
ومنذ القدم انبرى للأنساب من لديه الخبرة والدراية في ذلك وكان يعرف بين الناس- آنذاك- بالعلّامة، وقد ورد في الكافي عن الإمام موسى بن جعفر ( عليه السَّلام ) أنَّهُ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ( صل الله عليه وآله ) الْمَسْجِدَ فَإِذَا جَمَاعَةٌ قَدْ أَطَافُوا بِرَجُلٍ .
فَقَالَ : " مَا هَذَا ؟
فَقِيلَ : عَلَّامَةٌ .
فَقَالَ : " وَ مَا الْعَلَّامَةُ " ؟
فَقَالُوا لَهُ : أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَنْسَابِ الْعَرَبِ وَ وَقَائِعِهَا وَ أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ وَ الْأَشْعَارِ الْعَرَبِيَّةِ .
قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وآله ) : " ذَاكَ عِلْمٌ لَا يَضُرُّ مَنْ جَهِلَهُ ، وَ لَا يَنْفَعُ مَنْ عَلِمَهُ " .
ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وآله ) : " إِنَّمَا الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ : آيَةٌ مُحْكَمَةٌ ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ ، أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ ، وَ مَا خَلَاهُنَّ فَهُوَ فَضْلٌ".
 ليتضح أن بعض المعارف والعلوم هي فضل بحيث لا يقع الضرر على من جهلها، وهي علوم تحددها رغبات من يطلبها ويخوض فيها.
قضية الأنتساب لعائلة معينة متسلسة أمر مفروغ منه وهي قضية واقعية سواء علم الناس بمسمياتها وتسلسل الاسماء فيها أم جهلوه لأنها وكما عبر عنها القرآن الكريم : 
 { ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين} .
فالتسلسل النسبي هو حال البشرية في كل بقاع الارض يشترك فيه الجميع، ولكن الاهتمام به وحفظه مختلف من مجتمع لآخر ، فبعض المجتمعات توليه جانبا من الاهتمام قد لاتجده لدى مجتمعات أخرى .
قد يرى البعض معرفة الانتساب ضرورة والبعض الآخر يعيش ويموت دون أن يرى له ضرورة وقد يكتفي بمعرفة جيلين أو ثلاثة من أسلافه وهذه المعرفة البسيطة ليست مذمومة ولم تخرج أحدا من ملته أو تكون عارا عليه.
أوجدت بعض الظروف المحيطة بالقبائل العربية مضمارا آخرا يوازي في مساره قضية العشيرة والانتساب إليها، وقد نال من الاهتمام لدى الكثير منها ما لم ينله جانب آخر، حتى طغى الإفراط في ذلك، إنه مضمار العشائرية التي تشكلت بعصبيتها  وقوانينها منذ عشرات القرون، ورغم أنها اندثرت مع اندثار الاهتمام بالقبلية لدى الكثير من الشعوب لكنها ظلت لصيقة بالبعض منها حتى زماننا هذا .
ومن البلدان التي عرفت بهذا المجال ( العراق ) فهو بلد عرف بعشائره التي تعتز بانتماءاتها لكن هذه العشائر ماتزال متمسكة بعشائريتها وقوانينها ( السناين ) رغم وجود الاحكام الشرعية التي لم تترك مسألة دون جواب ببركة وجود مراجع التقليد ورغم وجود قوانين مدنية يمكن اللجوء اليها الا أنها طغت وخصوصا في السنوات الأخيرة وبشكل يستدعي التوقف والتأمل في هذه الظاهرة التي تضمنت بعض الممارسات التي استنكرها العقلاء وتعارضت وبشكل كبير مع القيم الدينية والاخلاقية ، حتى عدتها المرجعية الدينية العليا في أحد خطبها بأنها ( عصبية جاهلية ) .
فالمرجعية الدينية التي بح صوتها في مخاطبتها للمسؤولين الفاسدين طيلة السنوات الماضية لم تهمل هذا الجانب المهم فوجهت صوتها أيضا لمخاطبة العشائر ودعتها لإعادة النظر في مناهجها العشائرية،  وكم من خطبة تناولت فيها هذا الموضوع مع ما شهده المجتمع من مظاهر للقتل والتشريد والرعب والمخالفة للدين والقيم الانسانية حدثت بسبب النزاعات العشائرية.
فتناولت في خطبة الجمعة ٦ / ٥ / ٢٠١٥  موضوع الفصلية: ( المرجعية العلیا تدعو لتطويق النزاعات العشائرية وتستنكر "الفصلية") .
وفي خطبة الجمعة ١ / ١ / ٢٠١٦ قالت: "نجدد ادانتنا واستنكارنا لهذه الممارسات المخالفة لجميع التعاليم الشرعية والوطنية والاخلاقية". ... 
وأكدت على "حرمة كل عمليات القتل والترحيل القسري ونحوها"، ودعت القوات الامنية الى "مسك زمام الامور وتمنع كل ما يخل بأمن واستقرار المواطنين".
وفي معرض انتقادها وإدانتها لبعض هذه الممارسات العشائرية في المجتمع ذكرت في خطبة  الجمعة ١٢ / ١٠ / ٢٠١٨ ما نصه : (والاعتداء بالقتل والتهجير بين أبناء العشائر لأسبابٍ تافهة، ) .
كما انتقدت في خطبة أخرى النزاعات العشائرية المسلحة (  فاعتبرت ذلك دليل على ضعف الوعي الاخلاقي والديني، ودعت الاجهزة الامنية الى اتخاذ موقف "حازم" تجاهها.
تحدثت المرجعية الدينية العليا عن ظاهرة خطيرة تشكل تهديدا للسلم في هذا المجتمع وتنذر بكوارث واعتبرت ذلك ضعف في الوعي الاخلاقي والديني واستنكرت الاعتداء بالقتل والتهجير واعتبرت اسبابها تافهة ورفضت عمليات القتل والترحيل القسري واعتبرت هذه الممارسات مخالفة لجميع التعاليم الشرعية.

خطب المرجعية
ومنذ سنوات تناولت هذه الظاهرة السيئة، لتبين أن بعض العشائر لم تتخل عن عشائريتها حيث ماتزال مظاهر الجاهلية شاخصة وهي واقع نعيشه كل يوم نراه ونسمع به، وفيه من التفاصيل ما يجعله واقعا مريرا ينبغي محاربته وتحشيد كل الطاقات للقضاء عليه وعلى سننه وأعرافه السيئة الصيت وإلا فلايليق بنا السكوت عن إرهاب وتوحش وقتل مع أمن كبير من العقاب لأن العشيرة يمكنها أن تسدد قيمة الفصل ولديها من السلاح والرجال مايجعلها عشيرة مارقة عن الدين بأعرافها الجاهلية وأحكامها التي ماأنزل الله بها من سلطان ولأجل أسباب تافهة.

إن اهتمام المرجعية الدينية العليا بالتحذير من هذه الممارسات التي تعد من الأعراف العشائرية يعد قراءة مسبقة للآثار التي ستترتب عليها، ورؤية واعية لما يمكن أن تؤول إليه الأمور، حيث ستتحول العشائرية بممارساتها وقوانينها إلى ثقافة عنف قد تطغى على كل ثقافة أخرى، فتصنع جيلا يمنح لعشائريته الأولوية في حياته، وهو لا يميز بين العشيرة كانتماء لا غبار عليه وبين العشائرية بطابعها الذي كان محل انتقاد المرجعية الدينية.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=126052
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 10 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19