• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : إقامة نظام عالمي منصف .
                          • الكاتب : مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات .

إقامة نظام عالمي منصف

د. علاء إبراهيم الحسيني

مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية لم تعد قاصرة على الحدود السياسية للدول، أي لم تعد شأناً داخلياً يتعلق بسيادة الدول كما كان في السابق، بل هو اليوم جزء من ظاهرة عالمية، فهذه المفاهيم المهمة أضحت مطلباً لكل البشرية، إذ جرى التأكيد على الصفة العالمية للحقوق في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 حيث تضمن النص الآتي: (التأكيد على الحقوق الأساسية وكرامة الإنسان الأصيلة وأهمية المساواة في الحقوق والحريات بين الرجال والنساء والشعوب والدول كبيرها وصغيرها بلا تمييز)، وان من أهم مقاصد الأمم المتحدة إنقاذ الأجيال اللاحقة من ويلات الحرب والتسامح وحسن الجوار والتنمية.

ولابد من القول إن حقوق الإنسان تتعلق تارة بشخص أو بشعب كامل من الشعوب وفي الحالتين لا فرق فالمصلحة المبتغاة واحدة والغاية المتوخاة نبيلة، وان النظام الديمقراطي العالمي قوامه الاعتراف الكامل بحق كل الشعوب بتقرير مصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بل في كل الميادين بلا تمييز.

الأمر يتطلب الإقرار بضمانات حقيقية تكفل ذلك، من خلال التعبير الصريح والحقيقي عن الإرادة الذاتية للفرد وللشعب بحرية تامة، وأهم الضمانات هي الرقابة على السلطات العامة في كل دولة داخلياً والرقابة على سلوك الدول مع بعضها البعض أو سلوكها كدولة تجاه شعب من الشعوب خارجياً، فليس من العدل في شيء أن تتشدق الدول الكبرى بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان داخل أسوار حدودها القومية وتتنكر لها في الدول والأماكن الأخرى، وحين تقوم الدنيا على مقتل الصحفي السعودي في اسطنبول داخل سفارة بلده، فلماذا لا نشاهد الضجة ذاتها إزاء آلاف الأبرياء الذين تحصدهم يومياً الصواريخ والقنابل التي تقع على رؤوسهم في اليمن وسوريا والعراق وليبيا وأفغانستان... وغيرها؟، بل لماذا عند وقوع حادث إجرامي في بلد غربي نشهد التكاتف الدولي مع البلد لدرء آفة الإرهاب وتغمض الأعين عن ذات الفعل المجرم عندما يقع في العراق مثلاً؟

نحن إذن إزاء نظام عالمي مضطرب وغير عادل ولا منصف، بل نحن إزاء تحكم للمصالح في تصرفات الدول الكبرى المؤثرة في المشهد الدولي، وإزاء تقصير متعمد من منظمات عالمية معنية بملف حقوق الإنسان كالأمم المتحدة ما يثير في الذهن عشرات الأسئلة عن السبب والدافع وراء سياسة الكيل بمكيالين تجاه الانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان على الكرة الأرضية.

يبدو لي إن السبب الرئيس من وراء ما تقدم هو التفرد ومحاولة قيادة النظام العالمي بشكل انتقائي بما يخدم مصالح الدول الكبرى ولو كان ذلك على حساب القيم العليا وفي مقدمها الكرامة الإنسانية التي تهدر على أعتاب مجد أوربا وأمريكا وغيرهما من الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط، فالولايات المتحدة الأمريكية مثالاً أقرت العام 2012 قانون يدعى (قانون ماغنتسكي) يمكن بواسطته معاقبة الأفراد والكيانات في أي دولة في العالم متهمة بارتكاب انتهاكات خطيرة تطال حقوق الإنسان وقد شرع القانون بداية الأمر للتطبيق على بعض المسؤولين الروس المتهمين بقتل مواطن روسي، إلا إن العام 2016 شهد تعديل للقانون تم بموجبه منح الرئيس القدرة على فرض عقوبات على أي مواطن أو كيان تابع لأي دولة أي أضحى القانون يتمتع بالصفة العالمية، وتتمثل العقوبات التي تفرض من خلال تطبيقه منع دخول الولايات المتحدة الأمريكية ومنع الاستفادة من النظام المصرفي فيها وغير ذلك.

بيد ان السؤال عندما تأخذ الولايات المتحدة الأمريكية على عاتقها مهمة شرطي العالم، فلماذا يغض هذا الشرطي نظره عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ترتكب في وضح النهار؟ ويتمسك بمخالفات تطال أفراد في بعض الدول، كما وان إخضاع الأفراد والحكومات الأجنبية للولاية القضائية والقانونية الوطنية بما يحمله من مساس بسيادة تلك الدول وتجاهل المؤسسات العالمية كالأمم المتحدة ممثلة بجمعيتها العامة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية وكذلك المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المؤسسات، فلماذا لا يصار إلى فرض هذه العقوبات من بوابة المنظمة الأممية لتأخذ صدى وأثير أكبر؟ فما تقدم لا يعدو كونه محاولة لفرض الإرادة المنفردة على الغير باستغلال عنصر القوة والإكراه الذي لم ولن يعطي مشروعية لأي تصرف قانوني أو مادي كونه خارج عن الأطر المعتادة، ولكونه انتقائي وغير منصف بالمرة.

يضاف لما تقدم كمعوق لإقامة العدالة العالمية حالة الفقر المدقع في بلدان كثيرة والسبب في ذلك الصراع لأسباب مختلقة والذي يصب حتماً في مصلحة الدول العظمى التي تستفيد من تغذية الصراع ببيع أسلحتها ومنتجاتها الحربية تارة وباستنزاف خيرات تلك البقاع تارة أخرى ولا ننسى إن هذه الدول الكبرى كانت في يوم ما مستعمرة لهذه البلدان ولا تزال بأساليب جديدة تعتاش على مصائبها وتحاول التباكي على ضحاياها، والغريب في الأمر إن الدول الكبرى كلما تدخلت بشكل مباشر في بعض البلاد شهدنا نكسة كبيرة للضمير العالمي تتمثل بقيام قوات البلد المتغطرس المتمترس بمبادئ حقوق الإنسان ترتكب أفظع الإنتهاكات تحت ذرائع واهية وحجج لا أساس لها من الصحة.

كما إن الدول المتقدمة كانت ولا تزال تطور صناعاتها وتتوسع بها بشكل كبير ما يلحق الضرر بالمناخ وتضطر الدول المستضعفة إلى دفع فاتورة ذلك من تعثر صناعتها والتأثير المباشر على زراعتها، وتلك التغيرات المناخية القاسية من أمثال ارتفاع درجات الحرارة وزيادة مخاطر الكوارث الطبيعية تؤثر على الشعوب الفقيرة بالدرجة الأساس.

علاوة على ما تقدم تبرم المعاهدات والمواثيق الدولية لتدخل حيز النفاذ إلا إن الانحراف في بوصلة النظام العالمي انسحب على هذه الجزيئية أيضاً إذ تتعهد كل دول العالم بموجب ميثاق الأمم المتحدة باحترام كرامة الإنسان وحقوقه وتلتزم بمقتضى الإعلان العالمي بالمساواة بين الجميع وتتعهد بمقتضى العهدين الدوليين بتوفير تكافؤ الفرص للجميع وتذهب الدول الكبرى في مؤتمر ديربان بجنوب أفريقيا 2001 إلى التعهد بمناهضة العنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب استجابة لاتفاقيات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، بيد أن الدول الكبرى هي أول من تنصل عن تعهداتها في احترام الذات الإنسانية بعيداً عن كل عنوان فرعي آخر يتصل بالجنس أو اللون أو المنشأ الاجتماعي والواقع يقول إن التمييز قائم على قدم وساق فهذا مسلم وذاك عربي وغير ذلك من الهويات الفرعية التي يجري التمييز على أساسها، وكارثة النازحين والمهاجرين إلى أوربا خير دليل على ما تقدم.

ومن وجهة نظر مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، إن الوصول إلى نظام عالمي منصف وعادل غاية لابد منها ونتيجة حتمية ستصل إليها الإنسانية في يوم من الأيام ونقترح من جانبنا الالتزام بالمبادئ التوجيهية الآتية التي تمثل الحد الأدنى للوصول إلى الغاية المنشودة والتي يمكن للخارجية العراقية ان تتبناها كمنهج وتصوغها على شكل اتفاق ثنائي أو متعدد الأطراف مع الآخرين وهي:

1- من حق جميع شعوب العالم تقرير مصيرها بحرية تامة على كل الصعد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعلى جميع الدول الكبرى أن لا تتدخل إلا بحدود المساعدة الفنية للوصول إلى ما تقدم، بترسيخ المبدأ الديمقراطي والاحترام الإلزامي لحقوق الجميع بلا أي تمييز.

2- الحق بالسيادة المتكافئة على الأرض والأشخاص بلا تمييز بين الدول الكبرى وغيرها في حدود القانون المنصف، أما لو تعلق الأمر بحقوق الفرد والشعب فلا مناص من مراقبة الهيئات الدولية كالأمم المتحدة والمحاكم الدولية جميع الدول وتصرفاتها مع أبناء شعبها والشعوب الأخرى لمنع كل تعدي لا مسوغ له وقمع كل اعتداء على الشعوب المغلوبة، لأن بقاء الأمر على ما هو عليه الآن ستبقى سياسة المجاملة والكيل بمكيالين هي سيدة الموقف، كما نجد ضرورة ان ينسحب ما تقدم على الثروات والموارد الطبيعية كالأنهار الدولية والثروات المشتركة لشعبين متجاورين أو للإنسانية ككل كالثروات الموجودة في أعماق البحار والمحيطات.

3- الاعتراف بالحق في مقاومة طغيان السلطة بكل تجلياته الوطنية والدولية وعلى جميع المستويات بما من شأنه أن يعيد المعتدي لرشده ويلزمه جادة القانون والمساواة.

4- الاعتراف وعلى أعلى المستويات بحق الشعوب كافة في نظام اقتصادي عالمي حر ومنصف قائم على المساواة في التجارة والتبادل واعتماد الثقة والائتمان كأساس في صنع القرار التجاري والمالي بعيداً عن الإملاءات الخارجية، وكذلك لابد من التعاون الدولي لوضع معالجات ناجعة للأموال غير المشروعة المتأتية من التجارة القذرة أو التهرب الضريبي أو عمليات الابتزاز والاحتيال والفساد في الصفقات وغيرها.

5- ضرورة الاعتراف بحق الشعوب بنظام ثقافي عالمي متعدد يحترم جميع الثقافات ويقدس الحضارة أياً كان منبعها، ويتجنب كل ما من شأنه احتقار الآخر أو التأثير في موروثه الحضاري أو الثقافي بصورة غير مشروعة، وما تقدم يتصل بالحق في التعبير واحترام الغير وقدرته على تكوين الأفكار ونقلها للغير بمختلف المجالات بحرية تامة.

6- تعزيز مفاهيم الشفافية والنزاهة والمساءلة على الأصعدة الوطنية والدولية وأن يكون شغل الوظائف الدولية بالخصوص والوطنية أساسه الكفاءة وتكافؤ الفرص بين الأفراد والشعوب بعيداً عن التهميش والإقصاء على أسس غير منطقية، وان يكون الدافع بكل ما تقدم تحقيق المصلحة العامة فحسب.

7- تعزيز المشاركة في صنع القرار محلياً وعالمياً ومغادرة منطق القوة والانتصار في الحرب، وما يفضي إليه ذلك من فرض الإرادات على الطرف الخاسر أو الضعيف "الفيتو في مجلس الأمن مثالاً".

8- تعزيز ثقافة السلام وصنع التعايش السلمي المتكافئ والعلاقات الودية التي تأسست منظمة الأمم المتحدة لكفالتها، على أن ينعكس هذا المفهوم بكل تجلياته على الصعيد الإقليمي والوطني والمحلي وليس العالمي فحسب.

9- تعزيز الحس العالمي بالمسؤولية المشتركة تجاه الإنسان في حالة الكوارث الإنسانية والطبيعية بمد يد العون بلا شروط مسبقة لجميع المحتاجين، والوقوف بوجه كل عدوان يطال أحد الشعوب تحت أي مسمى كان وبأي ذريعة كانت، فالإنسان هو القيمة العليا وليس الحكام وحاشيتهم أو نظامهم السياسي، بل هم مجرد وسائل لسعادة الإنسان فان لم يتمكنوا من تحقيق ذلك فتنحيتهم واجب على الجميع الاشتراك في تحقيق هذا الأمر عبر الوسائل السلمية والديمقراطية التي تحقق علو الإرادة الشعبية.

10- ويضاف لما ورد في أعلاه أن لا تتخذ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية عنواناً للعدوان عليها كما حصل في التدخلات أحادية الجانب في شؤون الشعوب والدول بحجة دعم وتعزيز حقوق الإنسان أو دعم شرعية سلطة الدولة وما شبه ذلك من حجج وادعاءات.

11- تعزيز حالة الحياد الايجابي لجميع الدول والشعوب بإبعادها عن الصراعات ومغادرة ثقافة المحاور والتكتلات فقد ذاقت الشعوب الأمرين بسبب الصراع والحرب المباشرة وغير المباشرة التي تدور بين القوى العظمى والمؤثرة وتكون ساحتها الشعوب والدول المغلوبة على أمرها.

12- حشد الدعم للمؤسسات المستقلة كالمنظمات غير الحكومية ومراكز الأبحاث لدورها الريادي في تشخيص مكامن الانحراف في سلوكيات الدول والأنظمة واقتراحها للحلول والبدائل الناجعة.

13- أهمية التصدي بشكل جمعي للمخاطر العالمية وفي مقدمها التغيرات المناخية وما سببته للدول الفقيرة، والتلوث البيئي والتصحر وتقليل الفجوة بين بلدان العالم المتمثلة في التنمية ومعدلات الفقر ومواجهة الأمراض المعدية والمستعصية.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=127275
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 11 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28