• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : قراءة انطباعية..  في كتاب (مفارقات فكرية في نصوص معاصرة) للدكتور حسن طاهر ملحم .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

قراءة انطباعية..  في كتاب (مفارقات فكرية في نصوص معاصرة) للدكتور حسن طاهر ملحم

  لكل فعل تدويني قراءته التاريخية المنهجية والجادة، لقراءة التراث بعيداً عن اطلاق الأحكام المتعجلة، والتخبط دون موازيين لأي موقف او حدث تاريخي، ولابد من غربلة ما حدث من إشكاليات لا يمكن تجاوزها إلا باعتبارها معاصرة، أي تحويل ما حدث الى ما يحدث، وما سيحدث، ببيان وتعضيد الفكر الإسلامي بدراسة واعية لنصوص معاصرة وقضايا مهمة، عرضت على بساط البحث سابقاً، ولم تقدر على أن تكشف لنا فلسفة التسويغ والتسويف والتبرير الساعية لإخفاء الواقع، وإسباغ المشروعية لقبول المزيف والفعل المؤول، اذا تأصل في الذاكرة أصبح كارثة.

 ولذلك كان البحث في كتاب (مفارقات فكرية في نصوص معاصرة) للدكتور حسن طاهر ملحم في العديد من المواضيع المهمة، ومنها البحث عن حقيقة مصحف فاطمة الزهراء (عليها السلام)، والذي أثيرت حوله الكثير من الشبهات، واتهام الشيعة بأن لهم قرآناً غير القرآن الذي بين يد المسلمين، وما أثير حوله من تنظيرات وتأويلات أثارت الضغائن، وسعت الى بث روح الفرقة.
 وصفة المصحف لا يعني أن للشيعة قرآناً آخر، وإلا فهناك مصاحف بأسماء اشخاص اخرين، ومعترف بها من الجمهور، وبدل ان يقوم التاريخيون ببيان الحقيقة لانجاز مقومات فاعلية التصدي لأي فرقة، لجأت للاستجابة الى أمور السلطة الساعية الى قلب المعايير الأخلاقية؛ بسبب انعدام فاعلية الحقيقة، وسيادة فلسفة التسويغ المجافي للحقيقة..!
 وإلا فالمعروف أن أسماء كتاب الله تعالى موجودة هي القرآن الكريم والذكر والفرقان ولم يسمى مصحفاً، بل العرب اطلقت تسمية المصحف على معنى جمع القرآن، فقالوا: (مصحف عثمان، ومصحف عائشة، ومصحف حفصة)، فجاء كتاب مقاربات فكرية لبعث الدلالة المعبرة، والبحث عن ديمومة التأثير في أعماق التأريخ، ليجعل من تلك الواقعية معاصرة، أي توظيف تلك المقاربات وقدرتها على التأثير والتنوير مثل: النظر على شبهة الزيادة والنقصان في القرآن الكريم.
 اتفق المسلمون على أن لا زيادة ولا نقصان في القرآن، لكن فرقة الخوارج اثارت هذا الموضوع، واعتبرت سورة يوسف ليست من القرآن؛ لأنها قصة غرام، يتنزه عن مثلها كلام الله سبحانه تعالى..! والمشهور بين علماء اهل البيت (عليهم السلام) القول بعدم التحريف، وكتاب مصحف فاطمة هو نتاج رواية اهل البيت (عليهم السلام)، ليس فيه شيء من القرآن الكريم، وهو من إملاء رسول الله على فاطمة بخط الامام علي (عليه السلام)، وهو كتاب يشبه كتاب الجفر المنسوب الى الامام علي (عليه السلام).
 تضمن كتاب مقاربات فكرية من الأجزاء والمواضيع التي تعد مواضيع قائمة بذاتها، ليصبح الكتاب مجموعة من الكتب، وكل كتاب تم اشتغاله ضمن انتقائية الأحداث، وكل حصة تحمل في ذاتها ديمومة فاعلية التأثير، وإبعاد السلبية لإظهار الحقائق، ففي الكتاب الثاني أثيرت مشكلة الحديث في التأريخ العقدي، فالحديث النبوي مسه للأسف الكثير من الزيف لعدم تدوين الحديث في حينه، ومنع التدوين ساهم في ظهور طبقة الوضاعين من الذين يتكسبون بوضع الحديث، يتزلفون به للسلطان، ووضع الفضائل الكونية التي تخالف السنن والحديث رواية، وعن أقوال النبي (ص) والحديث دراية لمعرفة صحة المتن. والحديث لشريف هو المصدر الثاني بعد الكتاب العزيز، الحديث تأخر تدوينه الى زمن حكم عمر بن عبد العزيز، حين اصدر أمراً رسمياً بتدوين الحديث، وكان دافع المنع سياسياً، وجعل معاوية قوماً يضعون الحديث في علي وشيعته، ومنع معاوية عبد الله بن عمر من الحديث؛ لكونه كان يروي احاديث رسول الله(ص) في ذم معاوية، وكذلك هدد عبد الله بن عمرو بن العاص من الحديث..!
 وظف كتاب (مقاربات فكرية) المواقف الأخلاقية في التاريخ، من اجل الدلالة منطلقا لشحذ الإرادة الفاعلة في تجنب حالات السبات الحضاري، يعني السعي لوضعنا في دائرة الفعل التاريخي، والابتعاد عن الخوض في جدل الفرقة، من اجل بعث المدرك الصحيح لفهم التاريخ.
 المؤسسات السياسية بحثت عن دستور خاص في سنة جديدة، وقرآن آخر، وهو علم السنة دليل على شرعيتها، لتتم مبايعة الأسر الحاكمة على وضع نص الحديث لبناء منظومة سياسية باسم الدين.
 كم هائل من الأحاديث الموضوعة، ليكون باباً للتكسب وللجهل، وضع احاديث للتحفيز الايماني، وكأن الايمان يحتاج الى زيف احدهم، يقر بأنه وضع خطبة للنبي (ص)، من خلال كذبهم على الاحاديث النبوية الشريفة، اينعت الفرق الغالية على النبي (ص) وائمة الهدى (عليهم السلام) من فرق الخطابية والمقوضة والناموسية، الذين صاغوا البدع والزندقة، وقد لعنهم الأئمة كالإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) وقت امامتهما.
 التأريخ معني بدراسة البنى الاجتماعية باعتبارها مولدة للحدث او حاضنة له، فهذا الكتاب قراءة لتلك البنى التي انتجت مستويات مختلفة للوعي، فالكتاب الثالث كان دراسة تاريخية في الاحاديث الموضوعة: كأسباب ونتائج هذه الانتفاضة المثقفة المدركة للوقائع والأفكار التي جعلوها مصدراً.
 اجاد الدكتور الباحث الدكتور حسن طاهر ملحم بالبحث عن الأثر، اختلاف مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) تختلف عن مدرسة اهل الجمهور، ولا احد ينكر هذا الاختلاف؛ كون مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) هي اول مدرسة دونت الحديث النبوي بعد دعاء النبي (ص) بأنه نهى عن كتابة حديثه، مخافة اختلاطه بالقرآن الكريم كما زعموا..! لتعبث يد السياسة بالحديث النبوي لمآرب سياسية، غايتهم بث الاسرائيليات في مفاهيم التشريع الإسلامي، فجعلوا الأفكار الدخيلة تنحر في مفاهيم الإسلام الاصيل.
 فلو أردنا أن نتحدث في حيثيات المدرك، فنجد الدكتور الباحث قد استشهد بمنهجه العلمي في التأريخ، وربط عدم حاجة الشيعة الى الوضع؛ كونهم يعتمدون على نصوص صحيحة اعترف بها جمهور المحدثين والحفاظ، لكنهم تنكروا لمدلولاتها؛ لأن الاعتراف بمدلولها سيؤدي الى هدم نظرية الجمهور للروايات في فضائل الامام علي وأهل بيته (عليهم السلام) التي جاءت عن طريق المحدثين من الجمهور، مع محاولة تأويل اي رواية تحمل ايحاء بالنص على علي(عليه السلام)، والاعتراف بشرعية خلافته لم تأتِ إلا في القرن الثالث الهجري، عندما قرر أحمد بن حنبل أن يقول بخلافة علي (عليه السلام) كخليفة رابع.
 الأمويون فصموا الوحدة بين المسلمين، وتفرقت بمساعيهم المذاهب، فنشأت وظيفة الوضاعين للاشادة بذكر معاوية ومناصرته والتعصب له، ومن آثار الوضع تفريق كلمة المسلمين، والنيل من العقيدة الإسلامية، وصياغة الأحاديث الموضوعة في التشبيه والتجسيم.
 القضية التي نجدها داء جز السلفية في الأدلة التي يسوقها السلفيون خارج عن حاجات الدين والانسان، فالوضع على لسان النبي (ص) كان حتى قبل وفاته، يقول (ص): كثر عني الكذابة، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، ومرحلة الصراع الفكري حول الخلافة هو الدافع الرئيس؛ لأن منصب الخلافة هو سبب الخلاف، ووجود علماء السوء في كل زمان ومكان الثبات لهذا الموقف يأتي من خلال الفهم المدرك لهذا الموقف، وليس من باب التزمت والتعنت، فكان الكتاب الرابع هو (اثر الامام الباقر في تطور مفهوم الامامة عند الشيعة الامامية)، واقصد بطبيعة الحال القسم الرابع من الكتاب الذي استطاع مؤلفه الخروج من مطبات الازمات الى البحث عن أدب فكرة، لتقرب الى الجيل الشاب معرفة تراثه الصحيح، وليدرك ان مدرسة الامام الباقر (عليه السلام) هي سليلة مدرسة الامام علي (عليه السلام) وولده الحسن والحسين وزين العابدين (عليهم السلام).
 كانت قناعاتها بأن النبي (ص) قبل وفاته قد سمى علياً بصريح العبارة، وعينه خليفة شرعيا له، بعكسه المدرسة التي رفضت النصوص لتقبل بمبدأ الشورى، وهذا الموضوع يأخذنا الى مفهوم الامامة الحقيقي، فهي تعني زعامة ورئاسة الهية عامة، وهي اصل من أصول الدين لا يتم الايمان إلا بالاعتقاد بها.
الامامة الروحية عند الامام زين العابدين(عليه السلام) توثقت عند الامام الباقر (عليه السلام) بطابع العلم، فكان الهدف هو اصلاح المجتمع البشري بتربيته على التعاليم الإسلامية، فالإمام السجاد (عليه السلام) جاء بأسلوب جديد للدعوة الى الله والإصلاح الاجتماعي من خلال ما تضمنته الادعية من إشارات ونظرات فلسفية ومناهج أخلاقية وايحاءات روحية.
 ومن المرتكزات التي ارتكز عليها الامام الباقر (عليه السلام) في الدفاع عن الامامة حديث: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) لم يختلف احد من الجمهور عن الحديث، لكنهم فسروا كلمة المولى تفسيرات تهربا من واقع صريح، فقالوا: المولى تعني المؤيد والصاحب والجار.
 وجه الامام الباقر (عليه السلام) مبكراً إشارات وعي في رسم العقيدة الشيعية، جعل من الامامة ركنا من اركان أصول الدين، والمسلم الذي لا يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية، احيا الامام الباقر (عليه السلام) مفهوم العصمة من خلال آية التطهير، واعتمادا على الحديث القدسي وحديث الكساء، وجعل الامامة هي اللطف الإلهي، وهناك أقسام أخرى مهمة مثل دولة الامام علي (عليه السلام)، وقضية صلح الحسن (عليه السلام) وقراءات في التاريخ الإسلامي تحتاج منا الى وقفات تأملية أخرى.. والله الموفق.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=127551
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 12 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28