• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مصر ... وذرية الإمام الحسين (ع) مقام السيدة سكينة (رض) .
                          • الكاتب : د . احمد قيس .

مصر ... وذرية الإمام الحسين (ع) مقام السيدة سكينة (رض)

كانت مصر ولا تزال مركزاً مهماً من مراكز الإشعاع الروحي الذي تصنعه العلاقة الإيمانية والروحية بين جماهير المسلمين وعترة النبي أهل بيته، عليه وعليهم صلوات الله أجمعين.

ولكثرة ما أصاب أحفاد النبي (ص) من قتل وظلم وقهر وتشريد ، بسبب مواقفهم الصلبة تجاه طغاة بني أمية ، وعتاة بني العباس انتشرت قبورهم وبضعة من أجسادهم في مشارق الأرض ومغاربها . وكان لمصر نصيب من هذه القبور والأجساد ، وأصبحت وما زالت مزار المؤمنين ومؤئل المظلومين وقبلة المكلومين والتوّابين .

ومن جملة هذه الأضرحة الشريفة قبر وضريح السيدة سكينة بنت الإمام الحسين (ع) .

فمن هي هذه السيدة الشريفة الجليلة ، وخاصة لمن لا يعرفها ؟

هي سكينة (بالضم وفتح الكاف) بنت الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، وسكينة لقبها ، أمّا اسمها فهو آمنة أو أمينة أو أميمة ، وذلك بحسب معظم المراجع التاريخية ، وخاصة (تراجم أعلام النساء). والدها : الإمام الحسين (شهيد كربلاء) عليه السلام ، سبط النبي الخاتم وخامس أهل الكساء (ع)

جدّها : الإمام علي بن أبي طالب (ع) ، أول الناس إيماناً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصهره، زوج البتول الزهراء سيدة نساء العالمين (ع) ، وأمير المؤمنين على الخلق أجمعين.

جدتها: السيدة الزهراء عليها السلام ، أم أبيها وبضعته ، والذي قال عنها النبي )ص) : (( الزهراء بضعة مني ، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذا الله )) .

والدة السيدة سكينة : هي الرباب بنت إمرء القيس بن عدي بن أوس سيد بني كلب ، القبيلة العربية الكبيرة والعريقة.

ميلادها: أختلف بتاريخ ولادتها المباركة بين المؤرخين ، إلاً أن الدكتورة سعاد ماهر محمد في كتابها (مساجد مصر وأولياؤها الصالحين) قالت أنها ولدت سنة 47 هـ ، كما أنها ذكرت سبب تسميتها ولقبها بالقول : (( وسميت باسم جدتها أم النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم لقبتها أمّها (رباب) (بسكينة) وذلك لأن نفوس أهلها وأسرتها كانت تسكن إليها لفرط مرحها وحيويتها حتى قال فيها والدها الحسين (ع) :

لعمري أنني لاحب دارا

تكون بها سكينة والرباب

أحبها وأبذل كل مالي

وليس لعاتب عندي عتاب

وقد بدأت شخصية السيدة سكينة تظهر في مكة عندما بلغت الثالثة عشرة من عمرها ، فحين أقبل موسم الحج سنة 60 هـ كانت سكينة قبلة الأنظار لحسنها وظرف حديثها وأناقتها)).

وأضافت الدكتورة سعاد : (( على أن وداعة السيدة سكينة (رض) وأناقتها لم يلهها عن التعبد الذي يصل أحياناً الى درجة الاستغراق ، وفي ذلك يقول والدها الحسين (ع) عندما جاءه الحسن المثنى (رض) ابن أخيه الحسن (ع) خاطباً : أخترت لك فاطمة (رض) فهي أكثر ابنتي شبها بأمّي فاطمة (ع) ، أمّا سكينة (رض) فغالب عليها الإستغراق مع الله ، فلا تصلح لرجل.

وخرجت سكينة (رض) من المدينة في الركب مع أبيها سنة 60 هـ يريد الكوفة بعد أن ألحت عليه زعماؤها هناك أن يقدم إليهم ليجاهد بهم ضد الطغيان . وبعد استشهاد الحسين (ع) وأصحابه (رض) في كربلاء ، ساق والي الكوفة زياد ابن ابيه السيدة سكينة (رض) مع باقي نساء آل البيت (رض) الى دمشق كسبايا حتى يراهن الطاغية يزيد بن معاوية ، ثم كانت نهاية المطاف في المدينة المنورة ، وهناك أقامت مع أمّها الرباب ، التي خطبت بعد فترة الحداد ، فأبت أن تستبدل بالحسين (ع) زوجا وبرسول الله (ص) صهرا ، وقالت : (( ما كنت لاتخذ حما بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )) على أنها ما لبثت أن ماتت بعد عام واحد حزناً عليه وعلى ولدها عبد الله ، فأقامت سكينة (رض) مع أخيها علي زين العابدين (ع).

وعن هذا الموقف من السيدة رباب (رض) ، يقول الأعلمي الحائري في (تراجم أعلام النساء) ، بنقله عن الكلبي في كتابة (سكينة): (( وكانت الرباب من خيرات النساء وأفضلهن ، جاء بها الحسين عليه السلام مع حرمه الى الطف ، وحملت معهن الى الكوفة والشام ، ورجعت مع الحرم الى المدينة فأقامت فيها سنة لا تهده ليلاً ولا نهاراً من البكاء على الحسين عليه السلام، ولم تستظل تحت سقف حتى ماتت بعد قتله بسنة.

ثم قال : وعلى كل حال ففي تلك السنة التي عاشت فيها ، خطبها الأشراف، فأبت، وقالت : ما كنت لأتخذ حماً بعد ابن بنت رسول الله (ص). وهي التي طلبت رأس الحسين من ابن زياد ووضعته في حجرها وقبلته وقالت :

وا حسيناً فلا نسيت حسيناً

أقصدته اسنة الأعداء

غادروه بكربلاء سريعاً

لا سقى الله جانبي كربلاء.

ونقل عنها أيضاً أنها قالت:

إن الذي كان نوراً يستضاء به

بكربلاء قتيلاً غير مدفون

سبط النبي جزاك الله صالحة

عنا وجنبت خسران الموازين

من لليتامى ومن للسائلين ومن

يعني ويأوي إليه كل مسكين

والله لا أبتغى صهراً بصهركم

حتى أغيب بين الرمل والطين

شبهة تاريخية والرد عليها.

ما هي هذه الشبهة ؟ : تناقل المؤرخون وخاصة أصحاب الهوى الأموي والعباسي مسألتين عن السيدة سكينة (رض) تمس كرامتها وكرامة آل البيت (ع) وهم منها براء ، وتدور هاتان المسألتان : حول عدد أزواج السيدة سكينة (رض) ، وعن ذلك المنتدى الشعري الذي كانت تقيمه بدارها .

ولفهم هذا الأمر بشكل أوضح ، نعرض ما نقلته الدكتورة سعاد ماهر محمد حول هاتين المسألتين ، فتقول في كتابها (مساجد مصر): (( وكانت السيدة سكينة سيدة المجتمع الحجازي الأولى على أيامها ، فقد اجتمعت لها من الخلايا والسجايا ما جعل لها مركزا عاليا مرموقا . فهي الأديبة الظريفة الجميلة فلو أضفنا الى هذا شرف المحتد لظهر لنا مقدار ما حبتها به الطبيعة من صفات طبيعية وأخرى موروثة . وكانت السيدة سكينة (رض) دائمة الإعتزاز بنسبها فقد جاء في طبقات الشافعية عن مأتم شهدته سكينة وكانت فيه بنت لعثمان بن عفان ، فقالت العثمانية (( أنا بنت الشهيد ، فأنكر المجلس أن تفخر بأبيها على مسمع من بنت سيد الشهداء ، على حين أمسكت سكينة صامتة لا تعلق ، الى ان اذن المؤذن من مسجد الرسول للصلاة ، فلما بلغ قولة : (( أشهد أن محمداً رسول الله )) . التفتت سكينة الى بنت عثمان وسألتها ، هذا أبي أم أبوك ؟ فأجابت العثمانية ، لا أفخر عليكم أبدا.

وتضيف الدكتورة بالقول :

وإذا كان للغرب أن يفتخر بندوات نسائه العلمية (وصالوناته) في القرن الثامن عشر فإن للعرب أن يتباهوا عجباً بندوات نسائه في الأندلس التي سبقت الغرب بعدة قرون ، فقد كانت ندوات (ولادة) بنت المستكفي في القرن الحادي عشر الميلادي مجمع العلماء والشعراء وأهل الفن والأدب . على أن ندوات ولادة بنت المستكفي لم تكن الأولى في الإسلام فقد سبقتها في القرن الأول الهجري ندوات نسائية في المدينة المنورة وكان أول من سنها هي السيدة سكينة ثم تبعها بعد ذلك غيرها من سيدات قريش .

وقد امتازت ندوة سكينة بالأدب الرفيع ، والعلم الغزير ، والشعر الرقيق ، فكم اجتمع ببابها من الشعراء يطلبون الاذن منها لينشدوها أشعارهم ، فقد اجتمع الفرزدق وجرير وجميل وكثير في موسم للحج واتفقوا على الذهاب الى مجلس السيدة سكينة يحتكمون إليها من يكون أشعرهم ، فأخذ كل منهم ينشدها شعره من وراء حجاب حتى إذا جاء دور جميل وأنشد شعره :

لكل حديث بينهن بشاشة

وكل قتيل بينهن شهيد

يقولون جاهد يا جميل بغزوة

وأي جهاد غيرهن أريد

وأفضل أيامي وأفضل مشهدي

إذ هيج بي يوماً وهن قعود

فقالت له السيدة سكينة (( أنت الذي جعلت قتيلنا شهيدا ، وحديثنا بشاشة، وأفضل أيامك يوم تذب عنا وتدافع ، ولم تتعد ذلك الى قبيح ، خذ هذه الألف درهم ، وأبسط لنا العذر ، أنت أشعرهم )).

هذا لجهة تلك الندوة المزعومة ، أمّا عن عدد أزواجها فتقول الدكتورة سعاد: (( وقد اختلف الرواة والمؤرخون في عدد أزواج السيدة سكينة ، فقيل اثنان أو واحداً . على ان جمهور الروايات تجمع على ثلاثة : مصعب بن الزبير ، ثم عبدالله بن عثمان بن عبدالله ، ثم زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان. ويضيف ابن خلكان على ما تقدم : خلف عليها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم فحملت إليه لمصر فوجدته قد مات . أما المراجع الشيعية فتقتصر زواجها على ابن عمها عبدالله بن الحسن )).

أما الجواب والرد على هذه الشبهة ، فسنعرض رأي العلامة الأعلمي الحائري ، والذي جاء في سياق ترجمته لحياة السيدة سكينة (رض) ، وذلك في كتابه (تراجم أعلام النساء) ، ومما قاله بمعرض الرد على هاتين الشبهتين ما يلي :

(( ... وعلى كل حال ، لا شك أن آل الرسول وهم بيت العصمة ومعدن الطهارة عجنت طينتهم بماء القداسة وخامرتهم النزاهة منذ بدء كيانهم فلم يبارحوها في أدوار حياتهم حتى لفظوا نفسهم الأخير ، فلم تقل منهم بقاع الأرض إلاً جواهر للعفاف فردة ، ولا ضمت المقابر منهم إلاّ أشكال الحياء وتماثيل البر ، وقد جللت المطارف منهم صور السؤدد والشرف، وسترت الأكفان جثمان المجد والخطر ، وتلك جبلة فيهم فطرهم الله عليها لما أنشأ كيانهم من أصول العظمة ، وصور بنيانهم من جذوم النبل والرفعة ، ثم لم تزل هاتيك الجواهر القدسية متأثرة بحسن التربية وكرم الأخلاق ممن بعث ليتمم مكارمها ، ومن نهضوا بعبىء الدين ونشر تلك المكارم وتوطيد أسسه ورفع علاليه من أئمة الهدى صلوات الله عليهم أجمعين.

فاعتبر لأولادهم وبناتهم حالة الحديدة المحماة المجاورة للنار سويعة المنتقلة جمراً على تباين بين الحقيقتين النار والحديدة ، والأمر فيهم أوضح لاتحاد العنصر ومساوقة الجذم ، فالتكيف فيهم اسرع من الحديدة ، لا سيما فيمن شمله مزيد العناية منهم وشدة الإختصاص بهم عليهم السلام .

فهل ترى والحالة هذه ان يكون المأثور عمن تفرع عن بيت الوحي إلاّ العفة والحياء ، والصون والترفع عن كل شبهة ، والتنزه عن مواقع العار والضعة ، رجالاً ونساءاً، إلاّ من قام الدليل العظيم بخروجه عن سوي الصراط ، وتنكبه عن جادة العدل ، وليس لنا إلاً السكوت عما ينقص قدرهم ، ويحط من مقامهم ، قال الشاعر:

حاشا بني فاطمة كلهم

من خسة تعرض أو من خنا

وإنما الأيام في غدرها

وفعلها السوء أساءت بنا

أكرم بعين المصطفى جدهم

ولا تهن من إله أعينا

فمن الواجب على الباحث، والفريضة على كل منقب ، قبل الاسترسال لسرد كل ما أثبته المتوسعون في التاريخ ، أن يعمل فيما يؤثر عن أهل البيت الفكر الثاقب فينتقي منها ما يتفق مع ذلك الأصل المسلم ، ثم يضرب غيرها عرض الجدار. وكيف ذلك وهي التي نقل عنها أنها قالت بعد دخولهم الشام بأربعة أيام : رأيت في المنام خمسة نجب من نور ، على كل نجيب شيخ والملائكة محدقة بهم ، ومعهم وصيف ، فأقبل الوصيف عليها وقال : يا سكينة ، ان جدك يسلم عليك ، قالت : وعلى رسول الله السلام (ص) سألته من تكون أنت ؟ قال من وصائف الجنة . فسألته عن المشيخة الذين هم على النجب، فقال الأول آدم صفوة الله ، والثاني إبراهيم خليل الله ، والثالث موسى كليم الله ، والرابع عيسى روح الله ، فقلت له ومن ذلك القابض على لحيته يقوم مرة ويسقط أخرى ؟ قال جدك رسول الله (ص) ، قلت الى أين هم قاصدون، قال قصدوا الى ابيك الحسين، فأقبلت نحو جدي رسول الله (ص) لأشكو إليه ما صنع بهم ، ورأيت أيضاً خمسة هوادج من نور في كل هودج امرأة فسألت عنهنّ قيل لها الأولى حواء أمّ البشر ، والثانية آسية بنت مزاحم ، والثالثة مريم بنت عمران ، والرابعة خديجة بنت خويلد، والخامسة الواضعة يدها على رأسها تسقط مرة وتقوم أخرى هي فاطمة بنت محمد، فلحقت بها لأخبرها بما صنع بهم، ووقفت أمامها أبكي وأقول يا أماه جحدوا والله حقنا ، يا أماه بددوا والله شملنا ، واستباحوا والله حريمنا ، وقتلوا والله الحسين أبانا - فقالت لي فاطمة كفى يا سكينة فقد أحرقت كبدي ، وقطعت نياط قلبي ، هذا قميص أبيك الحسين معي لا يفارقني حتى ألقى الله به ، قالت ثم انتبهت وأردت كتمان ذلك المنام وحدثت به أهلي فشاع بين الناس. وقالت سكينة لما ادخلنا على يزيد نهاراً والنساء مكشفات الوجوه ، قال أهل الشام ما رأينا سبايا أحسن من هؤلاء فمن أنتم؟ فقلت له نحن سبايا آل محمد ، ونقلها المجلسي في البحار (ط1 ، ج 10 ، ص 242 بأدنى تفاوت).

الى ان قال المقرم في كتاب السكينة ص 40 : لم ينقطع أبو الفرج يجمع أضغاناً من القول المزري بكريمة بيت العظمة ويأتي من هنا وهنا كل شائنة هي أولى بمتهتكات بيته الأموي ، وحسبها كإحداهنّ قد بلغت منها الشهوة كل مبلغ ، حتى روي عن الزبير بن بكار أن لها ستة أزواج وكان فيهم من لا كفاءة فيه لهذه الحرة ، وتحدث عن مصعب الزبيري ان الأصبغ بن عبدالعزيز لما تزوج منها قال بعضهم:

نكحت سكينة في الحساب ثلاثة

فإذا دخلت بها فأنت الرابع

ان البقيع إذا تتابع زرعه

خاب البقيع وخاب فيه الزارع

هذا، والمعهود من ربائب الخدور، وبنات البيوت الغيورات على أنفسهنّ وعلى اعتبارهنّ أنهنّ لا يتنازلن على قبول الأزواج بعد أزواجهن الأولين ، ويرين في ذلك مساً بكرامتهنً إذا كان من قضى عنهن أكفاء كراماً ، فلا يبغين بهم بدلاً إذ كن لا يعرفن في خطابهن أكفاء لهن ، ومن أجل ذلك امتنعت الرباب أمها من التزويج بعد سيدها المظلوم عليه السلام ، وقالت لا اتخذ حماً بعد ابن رسول الله (ص) . إذن فابنتها سيدة الكرائم أولى بهذه الأحوال من بنات البيوت جمعاء ، لكن المرواني حدثه بواعثه الى ان ذكر لها من الأزواج من لا كفاءة فيه وفيهم من هو شانئي للبيت الهاشمي ، أو شامت به قد وشجت فيه الأحقاد عروقها ودبت فيه أواصرها، وفيهم الذنابي والأوباش افترى ابنة سيد الأباة تتطامن لتلك الضعة نزولاً منها على حكم الشهوة إذن فعلى الإباء والشهامة السلام.

هذا وفقيدها الأول عبدالله الأكبر بن الإمام المجتبى الحسن السبط عليه السلام شهيد الطف ، ولم تكن مستبدة في الرأي دون ولي أمرها الإمام السجّاد عليه السلام ، وهو لا يرى لأي زبيري أو أموي كفاءة لمصاهرته ونصب عينيه أحقاد القوم وتحزباتهم عليه وعلى الدين يوم جده أمير المؤمنين ويوم أبيه الحسين عليه السلام ، أو هل يصاهر هؤلاء وسيوفهم تنطف من دمائهم الزاكية والشماتة بادية على أسارير جبهاتهم ، ويقذفونها في فلتات ألسنتهم.

كما أن أبا الفرج ينص بأن مصعب بن الزبير تزوج من سكينة بالبصرة ، وهو عامل لأخيه عبدالله ولم يكن مسيطراً على الحجاز فيخاف السجاد عليه السلام سطوته ، ولم تكن الظروف تساعد الزبيريين على أخذها اغتصاباً ، لأن العواطف كانت وقتئذٍ متأثرة على كل من يمس أهل البيت بسوء ، حتى ان ابن الزبير نفسه نصب الهتاف بظلامة السبط الشهيد شركاً من أشراكه يصطاد به البسطاء . نعم، لما حسب أنه بلغ من الملك أمنيته تركه ، وحتى ان يزيد الطغيان لما اوقع بأهل المدينة يوم الحرة أوصى مسرف بن عقبة باستثناء بيت الإمامة زين العابدين عليه السلام، فأمنوا وأمن من لجأ إليه.

وحينئذٍ فلا تغفل أيها الفطن ، عمّا أثبته الأندلسي ، والزجاج ، والحصري ، وسبط ابن الجوزي ، والبيهقي ، فإن المصدر حسبما تبعناه وفحصناه هو آل الزبير ومن مال ميلهم ، مثل الهيثم بن عدي ، وصالح بن حسان ، واضرابهم ممن طعن فيهم أرباب التراجم ، فهل والحالة هذه بقي قيمة لما يأتون به من حكم شرعي أو تاريخ ، خصوصاً ما كان لازمه بالطعن في أعراض المسلمين وإشاعة الفحشاء.

والحاصل ، فما بال الإمام زين العابدين عليه السلام يدع اخته الكريمة عليه في حيث تنيخ فيه الضعة والصغار ، وكذا ما بال الإمام الباقر عليه السلام يذر عمته السيدة بين مرتكب المخازي ، وما بال الاباة الهاشميين يغضون الطرف عمّا هنالك من بواعث العيب والنقص ، فالى من يدخرون الإصلاح وهم يتركون عقائل بينهم وهذه جبلة فطر الله تعالى عليها العرب جمعاء، فإنهم لا يرضخون لمنافيات الغيرة والشهامة وان بلغوا في القساوة كل مبلغ، حتى كان من أمرهم أن واروا البنات كيلا يلحقهم بسببهن العار ، وكانوا لا يزوجون المرأة من الرجل إذا شبب بها ولما شبب بها عبدالله بن مصعب المعروف بعائذ الكلب بامرأة من بني نصر بن دهمان ، وكان اسمها جمل ، عمد إليها أبيها وأخوتها فقتلوها غيرة منهم . ولم بلغ الحجاج الثقفي ان محمد بن عبدالله النميري شبب باخته زينب ، اسمعه السباب المقذع ولم يتركه حتى كتب إليه عبد الملك بن مروان بذلك ، ولما شبب الهذلي بابنة جندل بن معبد من بني الحسحاس ساء ذلك أبوها فعدا عليه وقتله ثم أحرقه.

وفي هذا مقنع لمعرفة ما جبلت عليه نفوس العرب والهاشميين من الغيرة والشهامة على أعراض غيرهم فضلاً عن أعراضهم ، وهل يجوز أحد على الهاشميين أنهم يرضون لسكينة بتلك المخاريق والشنع ، وهل يعذر امام قيضه الله تعالى لتأديب البشر عامة وتحت سيطرته من لم يتأدب بأدبه الإلهي ؟! وهو من جرى مجراه من أئمة الهدى يوصون شيعتهم بمنع المرأة عن الابتذال ومزاولة الرجال فيقولون : المرأة عيّ وعورة فداوا عيّهن بالسكوت وعوراتهنّ بالبيوت ، وإنها إذا خرجت من بيتها لعنها كل ملك في السماء حتى ترجع الى بيتها. فهل والحالة هذه يمكنك أن تنسب المسامحة الى الإمام عليه السلام في ستر السيدة عن محادثة الرجال ، ام تنسب إليها المروق عن طاعته وعدم قدرته على التوصل الى ذلك بكل صورة (الى ان قال) : هذا ما وقفنا عليه من مخازي الرجل وتهتكه وما جاء به من البهتان في حق السيدة البريئة مما ألصقه بها من الخرافات والمحرمات وسيجمع الله بينه وبينها فتحاجه ويخاصمه ، ونعم الحكم الله والزعيم محمد (ص) ، والموعد القيامة ، والحمد لله رب العالمين وشكراً له على ما قدره وأمضاه في ذرية نبيه الطاهرين وعترته الأكرمين )).

وحول نفس الموضوع ، علّق السيد هاشم معروف الحسني في كتابه ( من وحي الثورة الحسينية) ، ما يلي :

((.... وعلى ذلك مضى من جاء بعده من الأمويين فحيث كانت قصورهم تعج بالغلمان والندمان والراقصات ، وكانت بناتهم ونساؤهم يمارسن الفجور والرقص والغناء الى جانب الرجال والغلمان ، سخروا القصاصين والكذبة من الرواة ، لينسبوا الى سكينة بنت الحسين (ع) شقيقة الإمام زين العابدين ، أنها كانت تجتمع الى المغنين والمغنيات والشعراء والمخنثين ، وتبادلهم الشعر والغناء ، وعندما يستبد بها الطرب أو الاعجاب بشعر احدهم ، تمد لهم يدها لينتزعوا الحلي من سواعدها ، وما الى ذلك من المنكرات ليستروا بذلك مفاسدهم وفجورهم ، واستهتارهم ، نساء ورجالا بالإسلام وتعاليمه وقيمه وآدابه)).

ونحن بدورنا نزيد على ما تقدم في معرض الرد على هذه الفرية على آل رسول الله صلى الله عليه وآله ، بالقول : إن هذه النفوس المريضة ، المملوءة كفراً بالله ، وحقداً وحسداً على رسول الله وآل بيته (ص) ، والتي لم تراع حرمة الرسول (ص) في حياته ، حيث تعرضت الى عرضه الطاهر والشريف ، أي الى زوجه السيدة عائشة ، وحاشا لرسول الله ولزوجه من هذا البهتان العظيم ،هذه النفوس هي نفسها التي عملت عبر التاريخ وما تزال تعمل للإساءة برسول الله (ص) وآل بيته الطاهرين. فالكفر هو الكفر، والحقد هو الحقد ، والحسد هو الحسد ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.

ونحن إذ نلتمس العذر للعديد من الكتّاب المتأخرين والمعاصرين من أمثال الدكتورة سعاد ماهر محمد ، التي نكن لها الإحترام والتقدير ، الّا أن ذلك وحده لا يكفي ، حيث يجب على المهتم والمشتغل بالكتابات التاريخية التمحيص الجيد ، والإحتياط بالنقل ، وخاصة عندما تكون هذه المسائل متعلقة بالأعراض والكرامات بشكل عام ، فكيف إذا كانت متعلقة بأعراض وكرامة آل رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .

وعلى كل حال فإن هذا الإفتراء العظيم يتحمل مسؤوليته من اختلقه ودسّه في التاريخ ، ومن حرّضه على هذا الفعل ، كما في قوله تعالى : (( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم )) سورة النور الآية 11. أما الذين يتداولون هذا البهتان فعليهم الإنتباه والحذر ، كما في قوله تعالى (( إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبوه هيناً وهو عند الله عظيم * ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين )) سورة النور ، الآيات 15-16-17.

وعلى كل حال ، فأين هؤلاء البهّاتون والمفترون أين ؟ وأين ذكرهم من ذكر هذه الطاهرة الشريفة أين ؟ وهي التي يتنازع المسلمون على الإدعاء والقول بشرف وجود مقامها لديهم وبين ظهرانيهم.

فمنهم من يقول أنها دفنت بالبقيع الغرقد بعد أحداث كربلاء ، أي بعد رجوعها الى المدينة المنورة. ومنهم من يقول أنها عادت الى الشام برفقة عمتها زينب (ع) وتوفيت هناك حيث يوجد لها مقام في منطقة داريا من ريف دمشق معروف ومشهور.

ومنهم من يقول أنها خرجت من المدينة برفقة عمتها زينب (ع) تلقاء مصر لأسباب كنا قد شرحناها بشيء من التفصيل في مقالة السيدة زينب (ع) ، وهذا الذي نستقربه ، ونظن به ، ونأنس به ، والله أعلم. وقبل الختام ننقل هذه الأبيات المنسوبة للسيدة سكينة في رثاء أبيها الحسين (ع) ، والتي نقلها الدكتور صلاح عدس في كتابه ( آل بيت النبي (ص) ) :

إن الحسين غداة الطف يرشقه

ريب المنون فما أن يخطئ الحدقة

أأمة السوء هاتوا ما

غدا وجلكم بالسيف قد صفقه

الويل حل بكم إلا بمن لحقه

صيرتموه لأرماح العدا درقه

يا عين فاحتفلي طول الحياة دما

لا تبك ولداً ولا أهلاً ولا رفقة

لكن على ابن رسول الله فانسكبي

دماً وقيحاً وفي إثريهما العلقه

وفي الختام وتعليقاً على هذه الأبيات نقول : هل هذه مقولة شاعرة ظريفة كما يقولون ؟ أم هي زفرات تعبّر عن وجد الألم والمصاب الذي تملّك روحها وبدنها الطاهر ، كحال ذاك الرجاء الغائب والأمل المرتقب الذي يعبّر في دعائه ويقول : لأندبنك صباحاً ومساء ولأبكيّن عليك بدل الدموع دماً .

فالسلام عليك يا سيدتي ويا مولاتي يا سكينة ، يا أيتها الطاهرة والشريفة ، السلام عليك وعلى روحك وعلى بدنك الطاهر العفيف أينما كان ، في البقيع أو في الشام أو في مصر حيث نظن ذلك والله أعلم ، والسلام عليك وعلى آبائك الطاهرين ورحمة الله وبركاته.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=127916
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 12 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12