• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : قصة قصيرة العار .
                          • الكاتب : ستار عبد الحسين الفتلاوي .

قصة قصيرة العار

    وقفت المرأة صامتة وقد رفعت رأسها إلى الأعلى تحت الدوش أخذتها نشوة غامضة قطرات الماء تنثال عليها بصورة مستفزة  أحست بتراشق الماء على جسدها الساكن في خدر  حبست أنفاسها مأخوذة ببرودة , أرواح سكان الماء كما حدثتها أمها حين كانت صغيرة  انطلقت من فمها أنة عالية لروح مخنوقة  كبلتها الأيام وسنوات العمر الخاوية بقيود غير مرئية 0 فظهرت عليها أمراض ليس لها أسماء , ورغم مراجعاتها الكثيرة للأطباء ورغم كل نذورها للأولياء والصالحين . وفجأة انفجر شئ ما في رأسها , لكنه لم يكن مؤذيا , بل انه ألذيذ إلى حد بعيد00 يشبه تداعيات لون ازرق تتبعه غمامات متدرجة 0 أغمضت عينيها للحظة, لم تكن تدري مالذي حصل , لكنها كانت متأكدة ان روحها خرجت من جسدها في طرفة عين , وتعلقت في سقف الحمام 00 أنها هي تراقب نفسها بعيون مختلفة 00شئ يشبه الموت الذي سمعت عنه 00 حركت رأسها بسرعة غير مصدقة 00 حركت اقدامها00 تنفست بعمق لتطرد ذلك الإحساس المبهم0
أسكرتها قطرات الماء المتتابعة , وجدت صعوبة في دعك كامل جسدها 0 مدت عنقها إلى الأمام والى الخلف ثم عرضت صدرها للماء , نظرت إلى أثدائها المسترخية 00 بدت مثل جوارب قديم ملئ بالحصى 0 أدركت في تلك اللحظة انها كبرت مرة واحدة وللأبد 00 كبرت دون محطات 00 دون إن تتوقف لتنظر حولها , مثل خيول عطشى تلهث خلف سراب 00 تلسعها أصوات سياط الخوف 0 تذكرت كلام أمها حين كانت توصيها قبل الزواج 00 
- يمه أنت صرت كبيرة وحلوه 00 لا تخرجي إلى النهر أو إلى البستان مع البنات عمك 0
- يعني يمه تريدين إن تحبسيني في البيت 0 
- يمه والله أخاف عليك من كلام الناس 00 عيون الناس ما ترحم 0
- يمه يعني أنت خايفة علي لان أني حلوه 0 
- شوفي بنتي سأقول لك كلاما ولا أريد إن أعيده 00 حتى بنات عمك يغارن منك فلا تكوني غبية وصيري مثل أمك عزيزة نفس 0
التصق شعرها على وجهها ورقبتها 0 امتزجت تلك الذكرى بالغبار المتراكم على روحها 00 تأوهت قائلة : إني وين وأمي الله يرحمها والله مازرت قبرها منذ زمن 0
أغلقت صنبور الماء وجففت جسدها بالمنشفة ذات اللون الحائل 00 شعرت أنها مستوحدة في أحزانها وهواجسها,كرست الظلمة الخفيفة ورطوبة البيت ذلك الإحساس 0وضعت ثوب ( الكود ري ) الأسود على رأسها , فنزل مسترسلاً دون صعوبة 0لم تلبس شيا تحت ثوبها 00تناولت حمالة الصدر المعلقة بإهمال في زاوية الحمام 00 شمتها وأبعدتها بطرف أصابعها كمن يحمل حيواناً نافقا00كانت محمضة بفعل تعرقها 0 لامست النسيمات جسدها الممتلئ فتحت باب غرفتها 00صرت مفاصل الباب الخشبية في وجهها 00 اصطدمت بصمت الغرفة الموحش 0كانت الأشياء تسبح في صمت الظهيرة00لايشرخه إلا هديل حمامة مسبية بين حين وأخر 0 ابتلعت ريقها لأنها شعرت بغصة مفاجئة 00هديل الحمامة كانت تفهمه مثل أم ثكلى تصرخ يابنتي 00يابنتي ويضيع النداء الأخير في فضاءٍ كالفضة المصهورة 0
الحيطان التي تقشرت إصباغها 00 الرطوبة التي تسلقت الحيطان مثل الأرضة 00 البلاطات المتخلخلة 00خيوط الملح المتدلية من السقف 0 الأماكن تشيخ مثل البشر 00 الطابوق المتقشر في السقف ينذرها بالسقوط في إي لحظة 00 الصد وع التي رسمتها معاول الأيام وخربشات الأطفال بأقلام الباستيل 00رجل بعين واحدة , امرأة بدون قدمين وسهم طويل يشير إلى الزاوية البعيدة عن السرير 0 صدع الزاوية يطل على قن الدجاج الخاوي 0
تمددت متهالكة على السرير00اصدر صوتا مكتوما مثل كلب جريح 00لاكت كلماتها لنفسها 00 كل شئ صار قديما في هذا البيت حتى إنا , تذكرت الحلم الذي رأته في الليل . طالما كانت تنسى أحلامها في الصباح ثم تتذكرها تدريجيا0 في حلمها كانت تطير في فراغ متموج 00 معلقة بحبل لاترى نهايته ولا تعرف من يمسكه في الأعلى 00تسمع صوت الحبل يتمزع دون إن ينقطع 00تصحو متخشبة اللسان 00يعتصر قلبها الخوف 0
مسدت خصلات شعرها المصبوغ بالحناء 00 مشط الخشب الذي ورثته عن أمها 00يطرد الصداع والهواء المحبوس في الرأس 00هكذا قالت أمي 0 راقبت خصلات الشعر تتجمع بين أسنانه 0 افزعها المنظر 00كم تباهت بشعرها أيام زمان 00المشط يأكل من شعري 00الدنيا أخذت حيفها مني ومن عمري 00 والزوج الذي فارقني دون رجعة 00رددت لا ادري هو ميت أم هو أسير 00الاولاد تزوجوا وكل واحد سافر إلى مكان 00 المرأة المواجهة لها أصابها الشحوب 00 يعلوها كلف بلون الصدأ , تتموج بفعل خيوط الضوء المسروقة من عالم اخر0 
بحلقت في المرآة وقالت : يامرآة يامرآة هل لازلت جميلة ؟ ردت المرآة : نعم نعم سيدتي أنت الأجمل 0 ضحكت من فكرتها الطفولية البلهاء , قابلها وجهها المتغضن مثل تفاحة ذابلة غسلت مرات ومرات , وكشر لها عن أسنان مصفرة0اغلقت فمها بسرعة 00لكن التكشيرة المرسومة في المرآة بقيت على حالها 0 هدهدت نفسها بأغنية الأطفال القديمة 00 باجنية أعطيك سني المكسور وأعطيني سن اللؤلؤ 0 تفحصت عينيها بأصابع مرتعشة , فبدت باهتة قد فقدت بريقها 0 كانت في الحقيقة منطفآة عن كل رغبة وخالية من إي معنى 00ذقت اليتم ومرارته وذقت تسلط زوج خلا قلبه من الرحمة 00 وذقت مرارة فقده , فلا إنا متزوجة ولا إنا ارمله00اصبحت كبومة وحيدة لا تعي من غرائزها إلا الأكل والنوم 0 أمطرت عينها اليمنى دموعا حارة , وبخلت عينها اليسرى المشاركة في المأتم 0تركت النظر إلى المرآة وفرقعت أصابع قدميها التي شعرت بخدر فيها 0 اتكأت على الوسادة فتنفست طاردة الهواء من رئتها الأسفنجية . قالت الوسادة : صباح الخير حبيبي قالت المرأة 00 صباح ونحن في عز الظهيرة 00 ما اغرب هذا اليوم " سرحت ببصرها إلى ساقيها وقد ارتفع ثوبها إلى مافوق ركبيتها 00 كانت سيقانها التي خلت من الشعر بلون المشمش الناضج 00 تتلامع حين تتفرج الستارة عن خيط خفيف من الضوء 0 هناك عيون تومض وسط العتمة المكثفة في جو الغرفة 00تأتيها من شاسع لاتضع له الاقام حداً 00 سحبت أذيال ثوبها إلى النهاية قدميها 0 الصورة الوحيدة المعلقة على الحائط هي صورة زوجها , وتحتها علقت قلائد الحر مل 0 ربطت نهايتها بأشرطة حمراء وخضراء كي لاتنفرط0 سمرت نظرها إلى وجهه الذي بهتت ملامحه 00 بقيت عيونه تتربص سكناتها وحركاتها في الليل والنهار وتوشك إن تصرخ بها 00 أنت  خائنة ردت دون إن يرمش لها جفن : بل أنت هو الخائن "تذكرت حجابها الذي كتبه لها الشيخ 00 بحثت تحت وسادتها بيد أرعشتها المخاوف وتلمست حافات جلده المثقب 00 قبلته ووضعته على رأسها , رغم علمها ان حروفه قد محيت 0 لكنها كانت تتحصن به من الأرواح الشاردة 0 كورت يدها وهمت بأن تلقيه بوجه زوجها وعيونه المتربصة 0 فتحت الدبوس وعلقت الحجاب في أعلى ثوبها من الداخل 0 علقته في الجهة القريبة من القلب , عله يسليها ويعطيها شيئاً من الراحة 00 مدت يدها تمسد ساقيها 00 تذكرت كلام الطبيب الشاب الذي زارته احد المرات :
- يجب إن تقللي من وزنك وتقللي من أكلك للدهون والحلويات لأنك لست صغيرة 00 مفهوم 0 
- دكتور على بختك كثير من النساء اسمن مني وهن بصحة جيدة " 
- خاله أنت عندك سمنة في الجهة العليا من الجسم ورجليك لأتقوى على حمل ثقل جسمك 00 العلاج وحده لن يفيد 0 
وطبعا لم تلتزم بوصايا الطبيب 00 بقيت أوجاعها دون علاج 0 بطنها المرتفعة عن جسمها تثنت بفعل الشحوم 0قالت وهي تزفر هموم صدرها : كم حملت فيك من الهموم وكم خبأت فيك من إسرار 00 طرقات مستعجلة على الباب الخارجي , إعادتها من رحلة الغياب 00 انتفضت مثل عصفور 00 حملت نفسها شبه مغمضة العينين وصاحت من ؟ رد عليها صوت مفعم بطفولة متعبة 00 إني خالة جبت وجبة الطحين 0
مشت حافية القدمين تستشعر برودة الأرضية الرطبة 0 ونسيت العمر الخارجي 00 التهب باطن قدميها على الممر الذي سفعته الشمس بكل جبروتها 00 ارتجت بطنها وإردافها وهي تهرول بتلك الطريقة المضحكة 00فتحت الباب ونظرت إلى الولد الجهنمي الذي متصت بشرته السمراء كل حرارة الشمس 00 وتلالا وجهه بحبات العرق 0 تفحصته بعينين خبيرتين 00 استشاطت الذائبة الجريحة لتطلق عواءا متواصلا في كل جسدها 00خمنت إن عمره بين الثالثة عشره والخامسة عشره 0 أضافت 00 لا 00لا عمره ثمانية عشره 0 شعر الولد بارتباك من نظرتها الثاقبة وتلعثم حينما سألته المرأة : 
- أنت مو صفاء 00 ابن أم صفاء ؟
- نعم خالة إني صفاء أرسلني وكيل الغذائية بوجبة الطحين 0 رد متوسلة بكل غرائز الأنثى 
- حبيبي صافي ترضى إني اسحب الطحين وحدي " استسلم الولد لنبرة صوتها 00حبات العرق تتجمع في نقرة حنجرته 0
- خاله الدنيا حارة واني ريقي ناشف 00 وأنت تسولفين " 
- تتدلل اسحب الكيس ( غمزته بعينها ) سأعطيك ضعف أجرتك 0 حرك صافي رأسه يمنة ويسرة كأنه بخير نفسه في العرض قال حسنا ولكن احملي معي طرف الكيس 0 قالت المرأة التي اطمأنت إلى موافقته 0
- خاله أخاف احد من الناس في الشارع ولم البس حجابي 0 ضحك الولد وهو يمسح وجهه بكم قميصه 00 
- خاله قابل أنت الست زبيدة00 ثانياً الشارع خالي لاحس ولا نفس 0 مدت الذائبة المتراصة بوزها أولا واحنت جسدها إلى الخارج تمسك طرف الكيس 0 انغلق الباب خلفهما بعنف 00 أجفل الصوت سكون الأشياء النائمة وانزل الولد الكيس 00 
- إلى هنا كافي 0
- لا حبيبي الشمس تخرب الطحين ويصير مر0لاذ الولد الجهنمي بالصمت فيما يدخلان العتمة الرطبة لأجواء الممر الداخلي 00 تسمرت المرأة التي تشبه التفاحة الذابلة في مكانها 0 وبدت عليها إمارات الألم  تمتمت 00 الم اقل لك ظهري 00 سحب الولد كيس الطحين وركنه تحت السلم 0 عاد مهرولاً للمرأة المتكومة على الأرض  00ادخل الولد يده تحت إبطيها ورفعها إلى الأعلى قائلاً : أنت أثقل من كيس الطحين" أوصلها ببط إلى السرير مستشعراً حرارة إبطيها وتسارع أنفاسها عند كل خطوة ارتمت متأوهة 0 شانت الصدفة 00 ارتفع ثوبها الفضفاض إلى منتصف ظهرها صاح الولد مبهوراً00 انكشف المستور 00 تلال بيضاء لم ينبت فوقها عشب أو زغب 0 ضاعف المنظر الفاضح من ارتباكه 0 أثاث الغرفة تسبح في الفراغ , وعيناه مثل عيني جرو صغير تستكشف المرأة المستلقية على وجهها 00 غمغم متوقعا أنها لا تسمعه 00 أظنها ماتت" عندها استفاقت المرأة من تفكيرها المشوش 0 تسحق قلبها دوامة مظلمة 0 كان الولد قد ذهب عندما رفعت رأسها من الوسادة 00 لم تستطيع إن تسدل ثوبها على جسدها 00 وقف زوجها مواريا الباب , يوجه بندقيته الصد نه إليها , عرفت أنها ماتت منذ زمن وامتلأ انفها المعروق برائحة دم متخثر 0 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=12796
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29