• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هل العرب قادرون على الفوز بمعركة البقاء دون إيديولوجيا؟ .
                          • الكاتب : محمد الحمّار .

هل العرب قادرون على الفوز بمعركة البقاء دون إيديولوجيا؟

يبدو أنّ"الفوضى الخلاقة" التي يعيشها المجتمع العربي في جانب كبير منه إنما هي خلاقة لمؤسسيها الغربيين وهدامة للمجتمع العربي، على الأقل في الآونة الحالية. في ضوء (أو بالأحرى في ظلام) هذه الفوضى، بودي أن أصدق الفاعلين السياسيين والإعلاميين التونسيين والعرب حين يتبجحون بأنّ الثورة حدثت بلا إيديولوجيا. لكن هل أصدقهم حين يثابرون على استنكار كل إيديولوجيا قد تلوح معالمها من هنا فصاعدا؟
بودي أن أصدقهم فقط على أساس أنهم يتوجسون خيفة من كل إيديولوجيا بالية أو طوباوية أو متكلسة أو ماضوية، وعلى أساس أنهم في الأثناء قد يكونون في طور ترصّدٍ لِما قل ودلّ من الأفكار والمشاعر التي قد تتطور في شكل توجهٍ عام يبشر بميلاد إيديولوجيا عربية متسقة مع اتجاه التاريخ. بودي أن أصدقهم لأني أؤمن أنه لا يمكن لأي شعب أن ينهض بلا إيديولوجيا. وهل يمكن أن ينجح درس بلا تصميم؟ وهل تُكسب مباراة رياضية بلا خطة، ناهيك الدرس الأكبر والمباراة النهائية، التي ستحدد مصير الشعب العربي؟
لكن المشهد الفكري التونسي و العربي يحثني على أن لا أصدق هؤلاء الفاعلين السياسيين والإعلاميين، قدامى ومخضرمين ومعاصرين. لا أصدق توجههم القائل بإلغاء الإيديولوجيا كمبدأ للبقاء. وكيف أصدقهم بينما منهم من يرفض اعتبار التنظير لإيديولوجيا النهوض مادة إعلامية فيحسبها على "خصم" إيديولوجي له، أو "شق" لا يتسق مع شقه، والحال أنّ التنظير المطلوب استكماله من المفترض أن يكون أشمل وأعمّ وأعمق من التنظير الذي هُم متعودون عليه والذي ما يزال مولدا للخصام وللشقاق؟ كيف أصدقهم والحال أنّهم يرفضون أن يقحم المجتمع "الروح العليا" (التسمية مقتبسة من عند رلف ولدو امرسن) في تقرير مصيره، بما يعيد تشكيل ما يسمى باليمين وباليسار في السياسة؟ كيف أصدقهم بينما حتى العقلاء منهم يعترفون بأنّ "(بينهم) وبين السلفيين مرجعيات مختلفة، تبين الشرخ (...). وهو أعمق وأخطر من الفارق الهزيل بين ما يسمى (...) بيسار ويمين" (مقال حامد الزغل"إلى قادة الأحزاب الحداثية"، جريدة "المغرب" بتاريخ 3-1-2012 ص9) وفي نفس الوقت يُبينون بكلامهم هذا أنهم غارقين في الفرز وبالتالي غير قادرين على سلك سبيل الوسط: الوسطية التأليفية؟
بهذا المعنى أتساءل أين المؤمن الأصلي، المسلم الحداثي الذي لا تجره إليها لا الإسلاموية ولا الحداثوية؟ فالإسلام اليوم محاصر داخليا من طرف فئتين:  أطياف الإسلام السياسي التي اخترقها الاستشراق والاستعراب، ومن جهة أخرى هؤلاء الذين يواجهون الإسلامويين بغير بديل فكري يلغي سبب وجودهم كظاهرة زائلة. والإسلام محاصر خارجيا، بسبب حصاره داخليا، وهذه المرة من طرف قوى الهيمنة العالمية والاستقواء الفاعلة في داخل العالم العربي بالذات، ممّا جعل المسلمين عرضة للتبشير الجامع بين التنصير والإيديولوجيا السياسية العالمية المهيمنة، والذي مسيحيو العرب منه براء.
إذن كفانا نفاقا اضطراريا إزاء أنفسنا وأخلاقنا ومبادئنا وديننا، ولنشرع كعرب مؤمنين مجددين، في الاضطلاع بمَن نحن في جوهرنا. ولنعترف أنّنا حزانى بمجرد إدراك أننا منتمون إلى أمة "اقرأ" ومع هذا عاجزون حتى عن قراءة ما هو في داخل أنفسنا. ولنعمل على أن نعالج هذا العجز كي نشرع في تصور السياسة الكبرى، التي ستكون شريعتنا، وفي رَسم أهدافها وإعداد الوسائل لها. سنكون حينئذ، تونسيين ومصريين وليبيين، وكلنا، سعداء بإدراج عبارةٍ في الدستور تنبأ بأنّ المجتمع العربي طائر مُحَلق فوق العالم بدافع نشر مبادئ ثورته في الأرض كافة. 
محمد الحمّار

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=12884
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28